يفتتح الرئيس فرنسوا هولاند، في الثامن من الشهر المقبل، معرضًا استثنائيًا عن أوزوريس ومصر القديمة وكنوزها المغمورة. ويأتي هذا المعرض الذي يدشن الفعاليات الكبرى للموسم الثقافي الجديد «تعبيرا عن الصداقة الفرنسية المصرية»، كما ورد في الدليل المخصص له. ومن المقرر أن تطول إقامة الآلهة الفرعونية في عاصمة النور حتى أوائل العام المقبل.
تلقي هذه التظاهرة الضوء على المكتشفات المذهلة التي توصلت إليها الحفريات البحرية التي أجراها فريق المعهد الأوروبي للآثار البحرية، بإدارة فرانك جوديو في خلجان الإسكندرية وأبي قير؛ إذ سمحت الأبحاث على مدى الأعوام السبعة الماضية بكشف النقاب عن تحف رائعة ذات جمالية منقطعة النظير لها أهمية تاريخية استثنائية، ومن بينها بقايا المعبدَين حيث كانت تدور طقوس الاحتفاء بأسرار أوزوريس وشعائره. وتسمح هذه اللقى الأثرية الفريدة من نوعها اليوم بإعادة إحياء أسطورة أوزوريس: إحدى الأساطير المؤسِّسة للحضارة المصرية.
وطبقا للأسطورة الدينية المصرية القديمة فإن أوزوريس كان إله البعث والحساب. وهو رئيس محكمة الموتى عندهم، ومن آلهة التاسوع المقدس الرئيسي في الحقبة الفرعونية. وقد كان أوزوريس أخا لإيزيس ونيفتيس وست. وجاء في الأسطورة المصرية أنه لقي مصرعه على يد أخيه ست، رمز الشر، حيث ألقاه في النهر وقطع أوصاله ورمى بها إلى أنحاء متفرقة من وادي النيل.
يسعى المعرض الاستثنائي إلى إدخال الجمهور في قلب الحضارة المصرية المدهشة وتعريفه بأسرار أوزوريس، ويغوص به في الأجواء الساحرة لعمليات التنقيب البحري. كما سيتابع الجمهور مسار الطواف الشهير لقارب أوزوريس من معبد آمون في هيراكليون إلى معبد كانوبس إذ انتقل أوزوريس إلى العالم الآخر ليسود فيه ملكًا.
لم يكن من السهل تنظيم معرض بهذا المستوى، يندرج في إطار المعارض الكبرى التي عودنا معهد العالم العربي على إقامتها. وهو يتمتع بهندسة داخلية مدهشة على مساحة 1100 متر مربع، تتوزع فيها مسلات وتماثيل ضخمة في ترتيب استثنائي في باحة المعهد. وهناك أكثر من 240 قطعة أثرية جديدة عُثر عليها خلال التنقيبات البحرية، ومن بينها نماذج لم يسبق عرضها للجمهور. وستُعرض لأول مرة في فرنسا أكثر من أربعين تحفة من مقتنيات كبريات المتاحف المصرية (المتحف المصري في القاهرة ومتحف الإسكندرية القومي والمتحف البحري في الإسكندرية والمتحف اليوناني الروماني في الإسكندرية ومتحف الآثار بمكتبة الإسكندرية). كل هذا يتيح للزائر الانغماس في أجواء خيالية ساحرة بفضل الأفلام والصور الثلاثية الأبعاد لأولى عمليات المحاكاة التي تُعرض على الجمهور بحصرية عالمية.
«رحلة ساحرة لا تُنسى في أحشاء مصر القديمة!». هذا ما يعدنا به المشرفون على المعرض الذي يعتبر تتمة مهمة لمعرض عن كنوز مصر المغمورة، كان القصر الكبير في باريس قد استضافه سنة 2007 ورسم مسارًا لتاريخ مصر القديمة الغابر استنادا إلى عمليات التنقيب التي كان فرانك جوديو وفريقه قد أجروها، فاجتذب أكثر من 800 ألف زائر. ومن المعروف أن للفرنسيين شغفًا يقترب من الهوس في تعلقهم بالحضارات القديمة، لا سيما الفرعونية. وهم يقبلون على كل ما يعرض وينشر عنها. ومن القطع التي ستتاح لهم فرصة رؤيتها رؤية العين، المسلة التي نُقش عليها مرسوم كانوبس وتعود إلى سنة 238 ق.م. وكانت هذه المسلة اكتشفت سنة 1880 وقد ذُكر عليها أنه في كل عام، وفي شهر خوياك كانت تؤدَّى بين مدينتي هيراكليون وكانوبس شعائر وطقوس دُعيت بأسرار أوزوريس.
ونعلم، أيضًا، من هذا النص المنقوش على الحجر، أن أسرار أوزوريس تكتسب كامل معناها من خلال أداء الطقوس التي كانت تبدأ بمعبد آمون بهيراكليون وتنتهي بمعبد أوزوريس بكانوبس. وقد سمحت بعثة المعهد الأوروبي للآثار البحرية بإعادة اكتشاف مدينتَي ومعبدَي هيراكليون وكانوبس الغارقتين في البحر منذ القرن الثامن في قاع خليج أبي قير، على بعد بضعة كيلومترات شرق الإسكندرية. وكشفت عمليات التنقيب في الموقعين عن الكثير من القرائن الأثرية المرتبطة مباشرة بأسرار أوزوريس، من صروح وتماثيل وأوانٍ شعائرية وأضاحٍ طقسية. وهي تسمح بإعادة تشكيل العبادات التي راجت آنذاك في طول أرض مصر وعرضها، مما يتيح للجمهور التعرف على أكثر شعائر التكريس التي كانت تذكارًا وإحياء وإدامة لإحدى أمهات الأساطير الفرعونية، أي أسطورة الثالوث الإلهي: أوزوريس، إيزيس، حورس.
يذكر أن معهد العالم العربي، هذا الصرح الثقافي الفريد من نوعه في العالم، تأسس عام 1987 كثمرة للتعاون بين فرنسا والدول الأعضاء في الجامعة العربية. والهدف منه التعريف بالثقافة العربية بجميع أشكالها. ورغم التعثر في مسارات التمويل وبعض الملاحظات على الإدارات التي تعاقبت عليه، فإنه سرعان ما صار مركزًا للتلاقي وتبادل الأفكار، مسهمًا على مدى 28 عامًا في توطيد العلاقات الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تربط بين فرنسا والعالم العربي. وهو يضم متحفًا وقاعات للمعارض المؤقتة وصالة للعروض والأفلام والمؤتمرات ومكتبة متعددة الوسائط ومركزًا للغة والحضارة العربية ومكتبة للبيع وقاعات فاخرة لحفلات الاستقبال. وقد صمم معماره المهندس الفرنسي جان نوفيل. ويقع في قلب العاصمة الفرنسية، ويتمتع بإطلالة ساحرة على السين، وبشهرة عالمية بكونه رمزًا من رموز فن العمارة المعاصر. ويرأس معهد العالم العربي منذ 2013 جاك لانغ، وزير الثقافة السابق في عهد الرئيس ميتران، ولاحقًا وزير التعليم القومي. وهو من رسم استراتيجية للحركة الدائبة والتجديد أثمرت مظاهرات مهمة اجتذبت أكثر من مليون زائر في العام الماضي. ومن أبرز تلك المعارض واحد عن قطار الشرق السريع، ومعرض استثنائي عن الحج إلى مكة المكرمة، وثالث عن المغرب المعاصر.
معرض كبير في معهد العالم العربي عن مصر القديمة
أسطورة أوزوريس تكشف أسرارها وتدشن فعاليات خريف باريس
معرض كبير في معهد العالم العربي عن مصر القديمة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة