بواردي الحرف

تأثر بالعلامة حمد الجاسر فمشى على خطواته وحافظ على نهجه ومدرسته ومجلسه

سعد بواردي
سعد بواردي
TT

بواردي الحرف

سعد بواردي
سعد بواردي

قبل أسابيع، كان لقاء مجلس أمناء مؤسسة العلامة حمد الجاسر الخيرية بولي العهد السعودي بوصفه رئيسا فخريّا له.
ويعرف البواردي في العرف الاجتماعي الشعبي بحامل البندقية.
والواقع أن لدى الأديب سعد البواردي سلاحا أمضى من البنادق، وأبلغ من البارود، وهو سلاح الكلمة، الذي ما انفكّ يرفعه منذ ستة عقود مجاهدا به في وجه كل خلل اجتماعي، سلاح لا تنقصه الصراحة، ولا يصدأ مع الوقت، ولا يتلاشى مع العاطفة، ولا تهزّه أعاصير الإحباط.
من سوء حظ كاتب هذه السطور، أنه زامله في العمل التعليمي والثقافي، لكنه لم ينفتح على أعماق فكره ومكامن شخصيّته ومفاتيحها إلا بعد أن تلاقيا على أديم مجلس حمد الجاسر بندواته ومناسباته، وكانا أقرب ما يكونان صفاء وحميميّة عندما تضمّهما مراكب الرحلات الثقافية، فهنا يتجلّى سعد في مزاج رائق صافٍ، ومجالسة تفيد المرافق، لأديب يجيد الصمت والإنصات، لا يبتذل الطرفة، ولا يهذي بما لا يعرف، يتحدث بعبارة منتقاة موزونة، ولا يُعلّق لمجرّد التعليق، ولا ينتقد من أجل الانتقاد، وهو وطني منصف، طيّب السريرة، لا يصبر على الخطأ والخطل، ويطرب لجمال الطبيعة وحسن التنظيم، وينعكس مذاقه على الهندام والكلام والطعام.
تأثّر - بقصد أو من دونه - بالعلامة حمد الجاسر، فمشى على خطواته، وحافظ على نهجه ومدرسته ومجلسه، في وفاء لا يبارى، وتعلّم منه معايير الصراحة ورسالة الصحافة ومسؤولية الكلمة، وقد كانا وُلدا وفي فميهما ملعقتان من عصير الحنظل، في بلدتين متجاورتين ومتطابقتين في الظروف المعيشية (الوشم والسِّرّ) شمال غربي الرياض، وإن كان الأخير (البواردي) على حال نسبيّة من اليُسر، فلقد كان والده منذ مطلع القرن الفائت أميرا لبلدته «شقراء» وشاعرا من شعراء النبط فيها، وقد توفي وسعد لمّا يبلغ الثالثة عشرة بعدُ من العمر.
وكما تنقّل حمد الجاسر بين بلدات السِّرّ والقصيم ثم الرياض فمكة المكرمة، خرج البواردي من شقراء إلى عنيزة بالقصيم ليواصل دراسته فيها ثم انتقل إلى مدرسة دار التوحيد بالطائف، لكن حظهما من التعلّم الذاتي كان أكبر مما اكتسباه من التلقّن والحفظ والترديد، فسار التلميذ بوجه عام - كما سلف - على خطى شيخه الجاسر في أسلوب النشأة، وفي مسلك الدراسة، وفي مسألة الزواج المتأخر، وقادتهما الصدف إلى مصاهرة أسرة بذاتها، ثم بفارق ثلاثة أعوام تماثلا في ممارسة النشر عندما قادا مشعل التنوير الصحافي في محيطيهما في الرياض والخبر، وبلغت التلمذة ذروتها عندما تعاونا معا في معاودة إصدار مجلة «اليمامة» الحالية في ظل مؤسسة اليمامة الصحافية.
واليوم يظل سعدٌ يردّد قول عوف الشيباني «إن الثمانين وبلغتها، قد أحوجت سمعي إلى ترجمان» وهو لمّا يزل يمسك بالقلم في يمينه يواصل المقالة في عدد من المطبوعات، ويصدح بلسانه في كل مهرجان يعنيه، ويلتزم بحرية تعبير منضبطة سار عليها منذ اليوم الأول من صدور صحيفته «الإشعاع».
كان سعد من أجل طلب الرزق قد نزح من شقراء إلى مدينة الخبر في المنطقة الشرقية مرورا بالأحساء، ليعمل بالتالي في متجر لأدوات السيارات جامعا بين الوظيفة والهواية، وقد بدأ يمارس الكتابة في «يمامة» الجاسر و«أخبار الظهران» للجهيمان والملحوق وفي صحيفة «البلاد السعودية» التي كان يرأس تحريرها عبد الله عريف، ثم صار - بانتظام وبإنتاج غزير إلى اليوم - يكتب نثرا وشعرا مرة باسمه الصريح ومرّات بأسماء مستعارة، بحسب طبيعة الموضوع.
كانت الرياض العاصمة (1952) أسبق من شرق السعودية بسنتين في إصدار المطبوعات الصحافية، باستثناء صحف أرامكو «مجلة قافلة الزيت»، والصحيفة الإنجليزية «الشمس والوهج». لكن المنطقة الشرقية ما إن بدأت فيها جريدة «أخبار الظهران» لعبد الكريم الجهيمان حتى تسابق صدور المجلات فيها، فلحقت بها صحيفة «الفجر الجديد» ليوسف الشيخ يعقوب، ومجلة «الإشعاع» لسعد البواردي، ثم مجلة «الخليج العربي» من الأحساء ثم «الخبر» لعبد الله شباط، وانتهاء بمجلة «مارد الدهناء» من سكة الحديد.
كان لافتا للنظر في عهد الملك سعود في الخمسينات تسارعُ صدور المطبوعات الصحافية في المناطق السعودية الثلاث؛ الوسطى والغربية والشرقية، وإن كانت السمة الغالبة عليها ضعف الإمكانات المادية والفنية، لكنها تميّزت بمستوى من الحريّة النسبية في ممارسة النقد الاجتماعي، وهي ظاهرة صحيحة إلى حدٍ ما لكنها جعلت معظم الصحف - و«الإشعاع» من بينها - تدفع الثمن من أجلها بأنواع مختلفة من الإجراءات المشددة، وقد دفع ضعف الصحف بالحكومة في عام 1963 بُعيد إنشاء وزارة الإعلام، لتغيير نظام الصحافة مما كان يطلق عليه عُرفا عهد الأفراد إلى ما سمي صحافة المؤسسات الأهلية.
وكان لافتا للنظر ثانيا، أن المنطقة الشرقية التي أنجبت هذا العدد من ال مطبوعات الصحافية في الخمسينات قد انكفأت فيها الصحافة في العقود اللاحقة مكتفية بصحيفة «اليوم» وبمجلة «الشرق» التي تحوّلت مؤخرا إلى جريدة يومية، في حين حافظت صحافة أرامكو على مكانتها.
أصدر سعد البواردي مجلة «الإشعاع» الأدبية الاجتماعية الشهرية في سبتمبر (أيلول) 1955 من مدينة الخبر شرق السعودية واستمرت عامين صدر منها خلالهما ثلاثة وعشرون عددا جمعها مؤخّرا في مجلد واحد، مجلة قاسمت سعدا حلاله وراحته، لكنها - باستقطابها أسماء لامعة وبثباتها على منهج من الصراحة والشفافية - سجلت نفسها علامة مضيئة من علامات النهضة الفكرية في شرق السعودية، وسجلت صاحبها ورئيس تحريرها ضمن قائمة أبرز الروّاد في عالم الأدب والصحافة في المنطقة ذاتها، من أمثال عبد الله شباط ويوسف الشيخ يعقوب وشقيقه أحمد وعبد الكريم الجهيمان وعبد الله الملحوق وخليل الفزيع ومحمد أحمد الفقي وعبد الله الجشّي وخالد الفرج ومحمد سعيد المُسْلِم وعباس خزام وسعيد البريكي وموسى آل الشيخ حسّان وعبد الرحمن العُبيّد وموسى الشيخ علي ومحمد سعيد الخنيزي وأخيه عبد الله وحسن الشيخ فرج وعبد المحسن الخنيزي ومهدي الشمّاسي وعبد الجليل السيف وعبد الوهاب المجمّر وعلي باقر العوّامي وأخيه حسن، ومنهم من كتب بأسماء مستعارة مثل غازي القصيبي الذي نشر قصائده في تلك الفترة تحت اسم محمد العليني، ويمكن أن يضاف إلى تلك القائمة عبد الله بن خميس وزملاؤه الذين أصدروا العدد اليتيم من مجلة «هجر» بالأحساء (1956م) وذلك فضلا عن صحافيي أرامكو وعموم الأدباء وأرباب القلم، والصحافيين الآخرين المهاجرين من أبناء القطيف (كسلمان الصفواني).
لم يكن يدور في خلد البواردي عندما جاء إلى الخبر وعمره في منتصف العشرينات، أنه سيلج إلى عالم الصحافة ولو من نافذتها، مقتفيا أثر أستاذه الجاسر في الرياض ونهج صديقه الجهيمان في الظهران، لكن التجربة بتحدّياتها كانت قد انغرست في ذهنه، وهواجس الكتابة الصحافية كانت تدغدغ خياله، فنجده يستجيب لاقتراح من يوسف الشيخ يعقوب - الذي تعرّضت صحيفته «الفجر الجديد» للإيقاف - بأن يصدر البواردي صحيفة بديلة، جاعلا اسمها «الإشعاع» الذي ينبثق عن الفجر عند انبلاجه.
صمدت «أخبار الظهران» ومجلة «الإشعاع» سنوات قليلة في منتصف الخمسينات، مشكّلتين علامتين بارزتين تُذكران كلما ذُكرت الصحافة الأهلية في عنقود مدن المنطقة الشرقية (الدمام والخبر والظهران) ومنبرين للرأي النزيه الشفّاف، ضمن محيط تتلاطم فيه فورات الشباب المتحمس من عمّال أرامكو وغيرها، الذين أوقدت فيهم التقلبات السياسية في المنطقة العربية رغبة استباق التغيير وطيش التقليد غير المدروس.
ومع أن الشاب المتحمّس المستنير سعد البواردي المتسلّح بالحرف والكلمة شعرا ونثرا الذي ولج عالم الصحافة مبكرا، كان يعي بتبصّر، مخاطر اللعبة الصحافية منذ بداياتها، حيث افتتح مجلته «الإشعاع» بالعزم على «ألا تكون الصحيفة بوقا ولا مزمارا تدوّي منه صرخات عقيمة، وأن الصحيفة لن تتّخذ من لغة السباب والتهكّم أسلوبا تلج منه إلى قلب القارئ الساذج». وطرق في العامين اللذين أصدر فيهما الصحيفة مواضيع اجتماعية حساسة في معيار تلك الحقبة، ليس أقلها الدعوة إلى تعليم الفتاة، الموضوع الذي اكتوى به كثير من حملة القلم آنذاك.
أقول؛ ومع أنه كان يسير في صحيفته بوعي وبصيرة، فإنها لم تسلم في آخر عامها الثاني من الوقوع في المحذور غير المتوقع، عبر جرأة متزايدة في نقد بعض الهيئات، فكان نصيبها من العقوبة الإيقاف وحظ صاحبها التوقيف ثم الانطواء لمدة عام في صومعة داره في مسقط رأسه؛ شقراء.
وبعد؛ في مجتمعاتنا العربية، هناك شخصيّاتٌ لها تاريخ؛ ماضٍ وحاضر، ولها مجدٌ وإرث، نعايشها يوما بعد يوم، لكننا نادرا ما نفكّر في إنزالها المنزلة التي تناسب مكانتها الرفيعة التي بنتها، أو بتكريمها التكريم الذي يتلاءم وتاريخها، شخصيّاتٌ نقابلها ونتعامل معها ونسمع عنها إذا كانت إدارية أو سياسية، ونقرأ لها إذا كانت رموزا ثقافية، كتّابا أو شعراء أو باحثين، نتحدث داخل مجالسنا عن إنجازاتها ومآثرها، ثم لا نهتم بها إلا بعد أن ترحل ويفوت الأوان بانطفاء ضوئها، ولولا أن في مجتمعنا مؤسساتٍ رسمية ومدنية مثل هذا المهرجان الثقافي تعمل في الوقت المناسب على إبراز مآثرهم والتذكير بهم وهم أحياء، لكان هذا الحكمُ التعميمي هو الأصدق، وما سعد البواردي إلا من هؤلاء.

* إعلامي وباحث سعودي، والكلمة بمناسبة تكريم الأديب السعودي سعد البواردي في المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية 29) 17 - 2 - 2014.



الروائية الكندية مرغريت آتوود تطرح أسئلة الساعة

مارغريت أتوود
مارغريت أتوود
TT

الروائية الكندية مرغريت آتوود تطرح أسئلة الساعة

مارغريت أتوود
مارغريت أتوود

يعرفها الكثيرون من خلال المسلسل التلفزيوني المأخوذ من روايتها المسماة «حكاية الخادمة» (1985). ويعرفها قراء الأدب كاتبة غزيرة الإنتاج لها أكثر من خمسين كتاباً ما بين روايات ومجموعات قصصية ودواوين شعرية وأدب أطفال وكتابات نقدية.

من هذا النوع الأخير كتاب مرجريت آتوود المسمى «أسئلة الساعة: مقالات ونصوص من وحي مناسبات 2004-2022»

Margaret Atwood، Burning Questions: 2004-2022 وهو صادر عن دار «فينتاج» للنشر في 2023.

ما أسئلة الساعة التي تطرحها آتوود هنا؟ إنها حقوق الإنسان، والحركة النسوية، والأدب والبيئة، وصعود نجم دونالد ترمب، والقصة القوطية، والصراعات على مصادر الطاقة، وكوارث العصر من مجاعات وحرائق وفيضانات. ثم هي تخرج عن هذا النطاق لتكتب عن عدد من الأدباء: وليم شكسبير، وتشارلز ديكنز، ودوريس ليسنج، وأليس مونرو، وراي براد بري، وستفن كنج وغيرهم.

وتتساءل آتوود في مقدمة الكتاب: «لماذا اخترت أن أسميه (أسئلة الساعة)؟». وتجيب: «لأنه يعالج قضايا ملحة في اللحظة الراهنة، جذورها ضاربة في الماضي ولكنها ستؤثر في المستقبل». وأول هذه الأسئلة هي مستقبل كوكبنا الأرضي. وهناك مشكلات الديمقراطية، وتوزيع الثروة، وثورة الاتصالات في العصر الرقمي، ووظيفة الكاتب في القرن الحادي والعشرين، وجائحة الكوفيد.

من مقالات الكتاب مقالة مؤرخة في 2014 موضوعها الروائي وكاتب اليوميات التشيكي فرانز كافكا. تسجل آتوود ثلاث لحظات في تاريخ علاقتها بهذا الأديب المعذب صاحب «المحاكمة» و«القلعة» و«أميركا» و«المسخ». كانت المحطة الأولى كتابتها في سن الـ19 مقالة عن كافكا أبرزت فيها علاقته برموز السلطة (وأولها أبوه في البيت)، وشعوره بالضعف والذنب وانعدام الحيلة إزاء لغز الوجود، وغربته العرقية واللغوية؛ إذ كان يهودياً يكتب باللغة الألمانية في مدينة براغ الناطقة باللغة التشيكية.

والمحطة الثانية هي زيارة آتوود - مع أسرتها - لمدينة براغ في 1984، ووقوفها أمام قلعة المدينة القائمة على تل عالٍ، فتتذكر قلعة كافكا وقلاعاً أخرى كتلك التي نلتقي بها في أقصوصة «قناع الموت الأحمر» لإدجار آلان بو، ورواية «آيفانهو» للسير ولتر سكوت، ورواية «دراكيولا» لبرام ستوكر.

والمحطة الثالثة كانت في تسعينات القرن الماضي، بعد سقوط النظام الشيوعي، حين زارت براغ مرة أخرى فوجدتها مدينة مرحة تلمع بالأضواء وقد تحولت قلعتها المرهوبة إلى مزار سياحي، وراحت فرقة موسيقية تنشد أغنية «سنوهوايت والأقزام السبعة» من فيلم ولت دزني، والمحال تزخر بالهدايا والتذكارات. وراحت آتوود تتجول مع زوجها في كل الشوارع والأماكن التي عاش فيها كافكا أو تردد عليها.

وثمة مقالة مؤرخة في 2020 عن رواية «نحن» (1921-1920) للروائي الروسي يفجيني زامياتين وهي من أهم روايات القرن العشرين التي ترسم صورة مخيفة لعالم كابوسي في المستقبل، شأنها في ذلك شان رواية «عالم جديد جميل» لأولدس هكسلي، ورواية «ألف وتسعمائة وأربع وثمانون» لجورج أورويل، ورواية «حكاية الخادمة» لآتوود ذاتها. لقد تعرفت آتوود على رواية الكاتب الروسي في وقت متأخر - في أواخر تسعينات القرن الماضي - قبل أن تكتب روايتها الخاصة.

وحين قرأتها دهشت لقدرة زامياتين على التنبؤ فقد كتب عن معسكرات الاعتقال، والتجسس على أخفى أفكار الناس ومشاعرهم، وسحق الفرد، وإقامة الحواجز والأسوار، والمحاكمات الصورية قبل أن يجعل هتلر وستالين من هذه الأمور حقائق على الأرض. ورواية زامياتين رد على الطوباويات المتفائلة كتلك التي كتبها في القرن التاسع عشر الأديب الإنجليزي وليم موريس وآخرون ممن انبهروا بالتقدم العلمي والتكنولوجي فظنوه قادراً، بعصاً سحرية، على إسعاد البشرية وحل مشكلاتها والتخفيف من آلامها.

ليس هذا الكتاب أول عمل لآتوود في مجال النقد الأدبي

وفي 2020 تكتب آتوود عن رواية للأديبة الفرنسية سيمون دي بوفوار كتبت في 1954، ولكنها لم تظهر إلا بعد وفاة بوفوار وذلك جزئياً لأن جان بول سارتر - شريك دي بوفوار في الفكر والحياة - لم يجدها جديرة بالنشر. عنوان الرواية «دون انفصال» وهي عن صداقة لا تنفصم عراها بين شابتين متمردتين. وتتخذ آتوود من صدور هذه الرواية مناسبة للتعبير عن رأيها في دي بوفوار والوجوديين عموماً. لقد وجدت في كتاب الأديبة الفرنسية المعنون «الجنس الثاني» ما ترتضيه وما ترفضه. وكانت على وعي بفارق السن والظروف بين دي بوفوار وبينها. هناك فارق الأجيال (دي بوفوار ولدت في 1908 بينما ولدت آتوود في 1939). وعلى حين عاصرت دي بوفوار حربين عالميتين، ورأت وطنها يقع تحت الاحتلال الألماني، فإن آتوود عاشت في كندا التي لم تُحتل ولم تُقصف بالقنابل.

وترى آتوود أن رواية «دون انفصال» جديرة بالقراءة، خلافاً لما ارتآه سارتر، وعندها أن خير كتابات دي بوفوار هي التي تسجل طفولتها وصباها وشبابها والحياة الفكرية في فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية وما بعدها.

ليس هذا الكتاب أول عمل لآتوود في مجال النقد الأدبي، فقد سبق لها أن حررت كتاب مختارات من الشعر الكندي المكتوب باللغة الإنجليزية (1983)، وأخرجت كتاباً مثيراً للجدل عن الأدب الكندي، عنوانه «البقاء» (1972)، وكتاباً آخر عنوانه «تفاوض مع الموتى: كاتبة تتحدث عن الكتابة» (2002). وهي بصدور هذا الكتاب الجديد تؤكد مكانتها واحدة من ألمع الناقدات النساء في عصرنا، شأنها في ذلك شأن كويني ليفيس (زوجة الناقد الإنجليزي ف. ر. ليفيس)، وديانا تريلنج (زوجة الناقد الأمريكي لايونل تريلنج)، وماري مكارثي (زوجة الناقد الأمريكي إدموند ويلسون)، وسوزان سونتاج.

وقد جمعت هاتان الأخيرتان - مثل آتوود - بين الإبداع الروائي وكتابة النقد الأدبي ومراجعات الكتب. ولهذا النوع من كتابات المبدعات الناقدات أهمية مزدوجة؛ فهي من ناحية تلقي الضوء على الأدباء الذين تكتب آتوود عنهم. ومن ناحية أخرى تلقي الضوء على آتوود ذاتها؛ إذ توضح همومها الفكرية، ومشكلاتها التكنيكية، وتطور فنها، والمؤثرات التي دخلت في تكوينها الذهني والوجداني.