وجه الرئيس أوباما رسالة قاسية إلى اللجنة الأميركية - الإسرائيلية للشؤون العامة، المعروفة اختصارًا باسم «آيباك»، وهي مجموعة الضغط القوية الموالية لإسرائيل والتي نظمت حملة شرسة ضد الاتفاق النووي مع إيران، في نهاية الأسبوع الماضي. واتهم أوباما «آيباك» بإنفاق ملايين الدولارات على إعلانات ضد الاتفاق النووي وبنشر مزاعم كاذبة بشأنه، حسبما ذكر أشخاص حضروا الاجتماع الذي تحدث خلاله الرئيس الأميركي.
وخلال كلمة ألقاها أمام الجامعة الأميركية، ندد أوباما بخصوم الاتفاق باعتبارهم «جماعات ضغط» تنفق ملايين الدولارات للترويج لذات الخطاب الذي دفع بالولايات المتحدة إلى شن الحرب ضد العراق. ورغم أن الرئيس لم يذكر قط «آيباك» بالاسم، فإن المقصود من حديثه كان واضحًا للجميع. وتعكس هذه التعليقات خلافًا حادًا على نحو غير مسبوق بين الرئيس الأميركي وأقوى جماعات الضغط الموالية لإسرائيل في الولايات المتحدة، والتي أسست عام 1951 بعد سنوات قلائل من قيام إسرائيل.
ويذكر أن رونالد ريغان، الرئيس الأميركي السابق، عارض «آيباك» عندما وقف بوجه الاعتراضات الإسرائيلية على بيع طائرات استطلاع «أواكس» للسعودية عام 1981. وبعد عقد، دخل جورج بوش الأب في مواجهة مع الجماعة أثناء معارضته تقديم ضمانات لقروض سكنية لإسرائيل، مشيرًا إلى أنه مجرد «رجل صغير وحيد» يوجه ألفا من أفراد مجموعة الضغط داخل «كابيتول هيل».
ومع ذلك، فإن نبرة النزاع الراهن تثير المخاوف بين بعض حلفاء أوباما الذين يقولون: إنه يشكل فترة تراجع غير مسبوق في العلاقات بين «آيباك» والبيت الأبيض. وأعرب هؤلاء عن قلقهم من أن الرئيس في خضم محاولاته للتصدي لتكتيكات «آيباك» ودحض ادعاءاتها المتعلقة بالاتفاق النووي، بالغ في انتقاد الجماعة ومعارضي الاتفاق من أصحاب الآراء المشابهة لها.
في هذا الصدد، حذر ديفيد ماكوفسكي، المستشار السابق لدى إدارة أوباما لشؤون الشرق الأوسط والمحلل حاليا لدى معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، من أن: «هذا الأمر خطير بعض الشيء، لأنه قد يحفز البعض للهجوم على البعض الآخر، وليس بصورة خطابية فحسب»، مضيفًا أن ادعاءات «آيباك» كانت على المستوى ذاته من الحدة. وقال: «هناك ما يشبه عقلية التمترس على الجانبين».
من جانبهم، عمل مستشارو أوباما بقوة على دحض الاتهامات التي أفادت أنه استخدم لغة مشفرة في الإشارة تحديدًا إلى «آيباك» عندما ذكر في خطابه أمام الجامعة الأميركية أن «الكثيرين من ذات الأفراد الذين دعوا للحرب في العراق يطرحون الحجة نفسها الآن ضد الاتفاق النووي مع إيران».
في هذا السياق، أكد بنجامين رودز، نائب مستشار الأمن الوطني للاتصالات الاستراتيجية، أنه «ليس للأمر أدنى علاقة بهوية أي شخص، إنه اختلاف سياسي بخصوص البرنامج النووي الإيراني. إننا لا ننظر للأمر وكأننا في مواجهة ضد طرف آخر». كما توقع أن يتعاون البيت الأبيض و«آيباك» في المستقبل فيما يخص قضايا أخرى، منها الأمن الإسرائيلي، وقال: «إنه أشبه بخلاف عائلي، وليس صدعًا مستمرًا». بيد أن هذا الصراع يحمل في الوقت الراهن أهمية محورية لأوباما الذي ينظر للاتفاق - الذي يقضي برفع بعض العقوبات عن إيران مقابل فرض بعض القيود الرامية لتقييد قدرتها على الحصول على سلاح نووي - على أنه إنجاز تاريخي.
ويناضل أوباما بهدف حشد تأييد كافٍ من جانب الديمقراطيين للحفاظ على الاتفاق قبل التصويت المقرر إجراؤه في سبتمبر (أيلول) داخل الكونغرس الذي يهيمن عليه حاليًا الجمهوريون. وتعمل «آيباك» على حرمانه من ذلك، مع الاعتماد بشدة على ديمقراطيين، منهم السيناتور تشوك شومر من نيويورك.
يذكر أن «آيباك» بعثت 60 ناشطًا إلى مكتب شومر لكسب تأييده لموقفها الأسبوع الماضي، بينما نشرت مجموعة «مواطنين من أجل إيران خالية من السلاح النووي»، وهي مجموعة تتبع «آيباك» تأسست لإدارة حملة إعلانات بقيمة 25 مليون دولار على الأقل ضد الاتفاق، إعلانات تلفزيونية داخل مدينة نيويورك. ومثلما أوضح شومر، فقد تحدث إلى قيادات في «آيباك»، ولكنه تحدث كذلك مع ممثلين من مجموعة «جيه ستريت» الموالية لإسرائيل، والتي تؤيد الاتفاق.
من جهته، حاول البيت الأبيض التودد إلى شومر، رغم تشكك المسؤولين دومًا في أنه سيعارض الاتفاق. من جانبه، قال جوش إرنست، السكرتير الصحافي للبيت الأبيض، الخميس الماضي: «لا ندري إذا تفوقت جهود الضغط على الإدارة، لكن المؤكد أنه تم التفوق علينا في مجال الإنفاق».
وإلى جانب لقاءاته الفردية مع أوباما ووزير الخارجية جون كيري وويندي شيرمان كبيرة المفاوضين، عقد شومر كذلك اجتماعات استمرت ثلاث ساعات مع أعضاء من فريق التفاوض أجابوا خلالها على 14 صفحة من الأسئلة التي أعدها لهم.
وقد دخل أوباما، خلال اجتماع داخل البيت الأبيض مع قيادات في «آيباك»، في تحدٍ قوي مع المجموعة بعد أن قال أحد قياداتها، لي روزنبرغ، وهو أحد الذين تولوا جمع تبرعات لصالح حملة أوباما الانتخابية عام 2008. إن الإدارة تصنف معارضي الاتفاق باعتبارهم مشعلي حروب، تبعًا لما ذكره الكثير ممن حضروا الاجتماع، واشترطوا عدم الكشف عن هويتهم. ويذكر أن الاجتماع تضمن قرابة 20 من قيادات منظمات يهودية أخرى.
من جهته، قال مالكولم هونلين، نائب الرئيس التنفيذي لـ«مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأميركية الكبرى» إن «الكلمات لها عواقب، خاصة عندما يتفوه بها أصحاب السلطة. ورغم أنهم لا يقصدونها، فإننا نعلم من التاريخ أنه قد يجري استغلالها». كما أشار إلى أنه أعرب خلال لقائه بأوباما أن «من بين جميع القادة السياسيين، ينبغي أن تكون (أي أوباما) تحديدًا الأكثر حساسية بينهم».
من جانب آخر، أخبر أوباما زائريه أنه سيتحلى بالحرص في تعليقاته، لكن سرعان ما أوضح أن «آيباك» تنفق 20 مليون دولار على حملة ضد الاتفاق، وأنها تبعث مئات النشطاء إلى «كابيتول هيل» مسلحين بما وصفه بمعلومات غير دقيقة لإقناع أعضاء الكونغرس برفض الاتفاق. واشتكى من أن حملة الإعلانات المضادة للاتفاق صورته كشخص يحاول استرضاء العدو بمقارنته بنيفيل تشامبرلين، رئيس الوزراء البريطاني الذي وقع اتفاق ميونيخ مع أدولف هتلر عام 1938.
أما «آيباك» فتقول إنها لا تقف وراء هذه الإعلانات، وأن الخلاف مع أوباما يخص الاتفاق، وليس شخصه. كما نفت المجموعة بذلها جهود ضغط من أجل الحرب في العراق، والتي لم تتخذ حيالها أي موقف رسمي. وقال مارشال ويتمان، المتحدث الرسمي باسم «آيباك»: «نأمل أن يمتنع المشاركون في هذا النقاش عن التشكيك في دوافع الآخرين وشن هجمات شخصية ضدهم».
ويذكر أن الصدع بين أوباما و«آيباك» حول الاتفاق مع إيران يتصاعد منذ شهور. وبينما كان أوباما في طريق عودته من جولته الأفريقية على متن الطائرة الرئاسية، علم مسؤولون بالبيت الأبيض أن «آيباك» سوف تنقل 700 من أعضائها من مختلف أرجاء الولايات المتحدة إلى واشنطن للضغط على أعضاء الكونغرس لرفض الاتفاق. وطلب الفريق المعاون لأوباما استقبال المجموعة داخل البيت الأبيض لعقد اجتماع معها، لكن المجموعة طلبت منهم بدلاً من ذلك إرسال ممثل عن البيت الأبيض لمكان تجمعهم في فندق بقلب واشنطن قبل زيارتهم المرتقبة للكونغرس، تبعًا لما ذكرته مصادر مطلعة على الناقشات الخاصة التي دارت بين الجانبين.
وقدم كل من شيرمان وآدم سزوبين، مسؤول وزارة الخزانة المعنية بالتعامل مع العقوبات المالية، وديني مكدونه، رئيس فريق العاملين بالبيت الأبيض، عرضًا على المجموعة، لكن تم منعهم من تلقي أسئلة لتقديم مزيد من الشرح. إلا أن مسؤولي البيت الأبيض ذكروا أنه تم إخبارهم من البداية أنه لن تكون هناك أسئلة، بينما قال أنصار «آيباك» إنهم كانوا يرغبون في طرح تساؤلات، لكن الوقت لم يسمح.
أيًا ما كانت حقيقة ما حدث، فقد شعر أوباما بالإهانة، واشتكى لاحقًا داخل البيت الأبيض لقيادات «آيباك» من أنهم رفضوا السماح لشيرمان وأعضاء آخرين بإدارته بمواجهة «المعلومات غير الدقيقة» التي يجري ترويجها حول الاتفاق، ما تركه في موقف الدفاع عن الاتفاق أمام أعضاء الكونغرس الذين لم يحسموا موقفهم بعد وجرى إمدادهم بمعلومات مغلوطة عن الاتفاق. وقال أحد الحاضرين: «بدا واضحًا للجميع الرسالة التي يحملها حديثه (أي أوباما)، وهي أن هذا الأمر ليس مقبولاً لدي، وسيتم الرد عليه».
* خدمة «نيويورك تايمز»