حرب اليمن.. قوى متفرجة اختارت «المنطقة الرمادية»

خبراء يشددون على مركزية «المسألة الجنوبية» في الأزمة.. وتحذيرات من الانفصال

حرب اليمن.. قوى متفرجة اختارت «المنطقة الرمادية»
TT

حرب اليمن.. قوى متفرجة اختارت «المنطقة الرمادية»

حرب اليمن.. قوى متفرجة اختارت «المنطقة الرمادية»

أحدثت التطورات المتلاحقة التي يشهدها اليمن منذ قرابة العام، وتحديدا عقب اجتياح الميليشيات الحوثية للعاصمة صنعاء بتسهيل وتواطؤ من القوات العسكرية الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح، في سبتمبر (أيلول) العام الماضي، نوعا من الفرز المناطقي والجهوي والمذهبي والسياسي في الساحة اليمنية. وأظهرت الأشهر الماضية على النزاع المسلح، الذي تقف فيه قوات التحالف، بقيادة المملكة العربية السعودية، إلى جانب الشرعية في اليمن، أن هناك قوى ما زالت تقف موقف المتفرج أو تقف في «المنطقة الرمادية»، إن جاز التعبير، إذ لم تشارك في الصراع وتتخذ مواقف «وسطية» أو تمسك العصا من المنتصف. ومن أبرز هذه القوى، الحزب الاشتراكي اليمني، ومعه التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، والأخير كان يطرح بقوة ضد الانقلاب، في اللحظات الأخيرة للحوار السياسي الذي كان يرعاه المبعوث السابق للأمم المتحدة إلى اليمن، جمال بنعمر. ولكن وعقب انهيار ذلك الحوار، خفتت مواقف التنظيم ولزمت الحياد، نوعا ما.. «الاشتراكي» و«الناصري» ومعهما حزب اتحاد القوى الشعبية، ظلوا، وما زالوا، يطرحون رؤى ومبادرات لحل الأزمة، تعتمد على وقف الحرب وسحب قوات صالح والحوثيين من المحافظات وتسليم السلاح الثقيل للدولة والعودة إلى طاولة الحوار السياسي مجددا. وبطبيعة الصراع، فإن هذه الطروحات لم تجد من يستمع إليها أو ينفذها، سواء من هذه الأحزاب والقوى أو من قبل الأمم المتحدة، خصوصا من قبل حلف الحوثيين وصالح. وبين القوى التي تقف في تلك المنطقة، أيضا، فصائل في «الحراك الجنوبي»، رغم أن معظم الفصائل، تقريبا، تقاتل ضد الحوثيين وصالح، رغم أنها ليست في صف هادي أو مع مواقفه السياسية، لأن مشروعها المعلن هو استعادة دولة الجنوب.
ويؤكد فؤاد راشد، أمين سر المجلس الأعلى للحراك الجنوبي، أنه «منذ اللحظة الأولى لحرب الحوثيين وميليشيات علي صالح على الجنوب والتمدد نحو عدن كان واضحا للجميع (التحالف العربي- الشرعية اليمنية المقيمة بالرياض- خصوم المعركة- القوى السياسية اليمنية) أن من يقاتل في عدن أو الضالع هم الحراك الجنوبي بكل مكوناته، ثم انضمت لاحقا مكونات وطنية جنوبية سياسية ومدنية ودينية مختلفة». ويشير راشد، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن بعض القوى بدأت تتحرك حاليا «تحت غطاء الشرعية اليمنية بعد تحرير العاصمة عدن ومناطق شاسعة بمحافظتي لحج وأبين بدوافع سياسية خاصة بها ولمحاولة إرباك انتصار الحراك الجنوبي ومنع سيطرته على الأرض وتعزيز مقاومته». ويصف هذا التحرك بأنه «أقصى أنواع السفاهة ومحاولة لسرقة انتصارات الجنوبيين على غرار سرقة ثورة الشباب بصنعاء، ولكن هذه التحركات أتت في وقت لم تكتمل عمليات التحرير في عموم مناطق الجنوب»، مؤكدا أن هناك «تحركات موازية لتحركات القوى السياسية اليمنية من قبل المكونات الجنوبية بهدف توحيدها وتشكيل قيادة جنوبية موحدة، ويجري التواصل بهذا الخصوص، وهو ما يستوجب أن تعيه قيادات الجنوب في الداخل والخارج، أنه آن الأوان لوحدة جنوبية».
ويؤكد القيادي الجنوبي لـ«الشرق الأوسط» أن «قيام كيان جنوبي متكامل البنيان ليس مستحيلا إذا توافرت الإرادة الوطنية العليا لدى الجنوبيين وتنازل الجميع للجميع»، ويرى أن المكونات الجنوبية متفقة على «استحالة بقاء الوحدة اليمنية التي انتهت في حرب 1994 باجتياح جيش الشمال للجنوب». ويقول: «نحن ننظر إليها، حتى الآن، كحرب بين الشمال والجنوب، والحقيقة التي يجب أن يتفهمها أبناء الشمال هي أن الجنوبيين بعد الحرب الحالية زادوا تمسكا بمطلب تحرير وطنهم، وأعتقد أنه بالإمكان أن نكون شعبا في إطار دولتين تنتظم فيهما بقوانين عمليات الحركة والانتقال والعيش والعمل عوضا أن نكون دولة في شعبين متقاتلين متناحرين متكارهين». ويشير إلى القوى الجنوبية التي ظلت في «المنطقة الرمادية» ويقول: «ربما هناك أفراد أخطأوا في الحساب، سواء كانوا من الحراك الجنوبي أو ممن كانوا في شرعية هادي كجنوبيين وارتضوا لأنفسهم الصمت أو البقاء في منقطة رمادية، لكن هؤلاء أفراد لم يؤثروا على القرار الجنوبي ولا على همة وإقدام المقاومة الوطنية الجنوبية التي غيرت معادلة الحرب».
ويمكن الجزم بأن القوى الجنوبية مجمعة على ضرورة قيام دولة جنوبية مستقلة، ويقول محسن بن فريد، أمين عام حزب رابطة أبناء الجنوب العربي (الرابطة)، في معرض رده على أسئلة «الشرق الأوسط» بخصوص المخاوف من تحرك جنوبي نحو دولة مستقلة، إن «أي تحليل للأوضاع في الجنوب بصفة خاصة، وفي الشمال بصفة عامة، ينبغي أن يأخذ بعين الاعتبار الغزو والدمار الذي حل بالجنوب جراء تحالف الحوثيين وعسكر صالح في الشهور اﻷربعة اﻷخيرة». ويطالب بن فريد الرئيس عبد ربه منصور هادي ودول التحالف، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية والأحزاب والقوى الشمالية، وعلى رأسها حزب التجمع اليمني للإصلاح الإسلامي، بموقف مؤيد لمطالب الجنوبيين في قيام دولتهم وإنهم (الجنوبيون) لن يقبلوا بأي حل دون قيام دولتهم الجديدة». وهو يرى أن مثل هذا الموقف سوف «يكون له مفعول السحر في اﻷوساط الجنوبية وسيؤدي بشكل دراماتيكي إلى بلورة موقف جنوبي موحد حول فكرة واحدة وقيادة موحدة». كما يرى أنه «لا مشروعية للخوف الذي لدى البعض من تحركات الحراك الجنوبي لبسط سيطرته على الجنوب، لأن من يتتبع مسيرة الحراك الجنوبي ويدرك الدور البطولي للمقاومة الجنوبية في إفشال الغزو الحوثي/ العفاشي للجنوب في اﻷشهر اﻷربعة اﻷخيرة سيصل إلى النتيجة المنطقية.. وهي أن الحراك الجنوبي هو صاحب الحق في بسط السيطرة على الجنوب».
وتعيد معطيات ما بدأت ملامحه في الظهور في الجنوب مخاوف قديمة جديدة بشأن الوحدة اليمنية، ويقول الكاتب الصحافي محمد الديلمي لـ«الشرق الأوسط» إن «أي خطوة يقدم عليها الجنوب نحو الانفصال عن الشمال سيكون لها مردود سلبي للغاية على اليمن، أولا بحكم التداخل الاجتماعي والجغرافي، أيضا، بين الجانبين وتوسع حجم المصالح منذ قيام الوحدة اليمنية قبل ربع قرن من الآن». ويضيف الديلمي أنه لا يتصور أن «نشوة تحقيق مكاسب محدودة في عدن ستدفع ببعض القوى إلى الإقدام على إعلان الانفصال ليتكرر الخطأ الذي ارتكبه علي سالم البيض خلال حرب الانفصال ويعطي شرعية للشعب اليمني بكل أطيافه لمساندة استمرار الوحدة التي لم تعد مكسبا لمن اتفق عليها عام 1990، بقدر ما أصبحت ضرورة لاستمرار مصالح الشعب اليمني بأسره، أضف إلى ذلك مصلحة استقرار المحيط الإقليمي».
وفي ما يبدو أنه إجماع على أن القوى المتفرجة أو التي تقف في المنطقة الرمادية أو غيرها ترتبط ارتباطا جذريا بالوضع في الجنوب، يقول نجيب غلاب، رئيس مركز الجزيرة والخليج للدراسات، إن «القضية الجنوبية هي جوهر وأصل المسألة اليمنية ولا يمكن الوصول إلى سلام دائم ما لم يتم حسم هذه القضية، وحلها سيؤدي إلى تفكيك كثير من القضايا المعقدة، وهي قضية اعتمدت صنعاء على حلها بالقوة وشراء الولاءات، وهذا أدى إلى تعقيد القضية وأصبحت غير قابلة للحل إلا باستخدام القوة لإحداث توازن يجبر التطرّف الشمالي على استيعاب وفهم حقوق الجنوبيين».
ويرى غلاب، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «هناك خيارين، إما الانفصال وإما الفيدرالية، أما سيطرة المركز فانتهت إلى غير رجعة». ويؤكد أن «الضامن الوحيد اليوم للوحدة ليس سوى الجنوب والتحالف العربي والحكومة الشرعية»، وأن «الغالبية العظمى من أبناء الجنوب مع الانفصال، وهناك أقلية مع الوحدة لكنها تريدها وحدة فيدرالية مع شراكة بالمناصفة في الدولة الاتحادية».
ويختم الباحث اليمني بالتأكيد على أن «القضية الجنوبية مشكلتها الأكثر تعقيدا هي تركيبة القوى الجنوبية وتناقضاتها وعدم امتلاك الجنوب قيادة عقلانية متزنة قادرة على إنجاز مهمة حل القضية الجنوبية، ناهيك بأن التناقضات بين التكوينات الجنوبية عميقة، ويسيطر وعي مؤامراتي على مختلف التكوينات، وعاجزة عن وضع مشروع متوافق عليه، ويبدو أن الاعتماد على النخبة الحضرمية في مرحلة الانتقال في الجنوب مع التعاون مع التحالف العربي وبالذات السعودية والإمارات سوف يساعد الجنوب على تخفيف حدة النزاعات».
وفي ما يتعلق بمراكز القوى الشمالية، فهو يرى أن «لديها خيوطا كثيرة داخل مختلف التكوينات الجنوبية، وهذا قد يؤدي إلى تفجير نزاع في الجنوب لتصبح القضية الجنوبية أكثر تعقيدا والخيار الأسلم لمختلف القوى في الجنوب أن تبني توافقا يركز على الاطمئنان للتحالف العربي والأمم المتحدة مع التركيز على مخرجات الحوار. هذه المرحلة تحتاج إلى تعقل واتزان مع إصرار على مقاومة الانقلاب وبصرامة وعزل أي تواصل أو حوار معه»، وخلاصة طروحات الساسة في اليمن أن القوى المتفرجة، حاليا، هي قنبلة موقوتة، أكثر منها محايدة.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».