على الرغم من مليارات الدولارات التي تضخها أكبر البنوك العالمية سنويا في برامج مكافحة غسل الأموال، فإن تلك المشكلة يمكنها التسبب في الكثير من الخسائر لتلك البنوك. في 22 يوليو (تموز) حصلت كل من مؤسسة أمين الودائع الفيدرالية وإدارة الرقابة التجارية في ولاية كاليفورنيا غرامة مالية مدنية قدرها 140 مليون دولار ضد بنك بانامكس الولايات المتحدة المملوك لمجموعة سيتي غروب لإخفاق البنك في توفير ما يكفي من الموظفين والمسؤولين المؤهلين والمدربين المكلفين باكتشاف والإبلاغ عن المعاملات غير القانونية أو المشتبه فيها. وقد أعلنت سيتي غروب أنها تعتزم إغلاق الوحدة الصغيرة، التي ليس لديها إلا عدد قليل من الفروع في ولايتي كاليفورنيا وتكساس.
ليست تلك هي القضية الوحيدة التي يواجهها البنك المذكور، حيث يتعامل مع الكيفية التي تتم بها مراقبة الحسابات. وقد أفادت وكالة بلومبيرغ الإخبارية بأن وزارة العدل الأميركية قد أصدرت مذكرة إحضار بحق أكبر بنك مكسيكي يتبع مجموعة سيتي غروب، وهو البنك الوطني المكسيكي، والمعروف باسم بانامكس، في جزء من التحقيقات المتعلقة بعمليات غسل الأموال. ويأتي ذلك على رأس عملية الاحتيال بقيمة 400 مليون دولار التي تتضمن أحد عملاء بنك بانامكس والتي برزت إلى سطح الأحداث في عام 2014، والتي أسفرت عن فصل عدد من موظفي البنك من أعمالهم. كما أفادت صحيفة «نيويورك تايمز» بأن مكتب المدعي العام بالولايات المتحدة الأميركية في مانهاتن يجري تحقيقاته بشأن مجموعة سيتي غروب حول ما إذا كانت تجاهلت عن عمد الخطوط الحمر المتعلقة بعملية الاحتيال.
والخطر الحقيقي المحدق بمجموعة سيتي غروب يكمن في أن أي مشكلات تتعلق ببرنامج غسل الأموال المذكور والعجز عن تحقيق المراقبة الكافية للحسابات من شأنها أن تتسبب في حالة توبيخ قوية من جانب وزارة العدل الأميركية، وربما حتى مستوى الإقرار بالذنب من قبل البنك المكسيكي حيال أي تسوية مرتقبة. ولقد فوجئ المدعون العموميون، ومن بينهم المدعية العامة لوريتا إي. لينش، بموجة الانتقادات حول اتفاقية المقاضاة المؤجلة لعام 2012 مع بنك «إتش إس بي سي» التي تستلزم من البنك سداد مبلغ 1.9 مليار دولار بشأن الانتهاكات التي تضمنت السماح بعمليات غسل الأموال من خلال الفرع المكسيكي للبنك.
لم توجه الاتهامات بحق شخصية معينة في تلك القضية، وعكس قرار عدم المطالبة بالإقرار بالذنب انطباعا مفاده أن بنك «إتش إس بي سي» وجد سبيلا ما للخروج من بين تلك المشكلات. ولقد أشرف مكتب السيدة لينش على تلك القضية عندما كانت تشغل منصب المحامي العام للولايات المتحدة في بروكلين، ثم برزت التساؤلات حول التسوية إلى السطح في جلسات التصديق الخاصة بها. ومن ثم فإن المشكلات المستقبلية الخاصة بعمليات غسل الأموال في البنوك العالمية من غير المرجح التعامل معها بالكثير من التسامح من قبل وزارة العدل الأميركية.
وليست البنوك الكبرى فقط هي التي تتورط مع قوانين غسل الأموال. بل ربما أكبر التحديات لإيقاف الانتهاكات الخاصة بذلك تأتي من ناحية العمليات المالية الصغيرة التي تتيح للمجرمين الوصول إلى نقاط الضعف الخفية في النظام المصرفي من أجل تحريك أموالهم بصورة عصية على الكشف بشكل كبير، ولبعض الوقت على أدنى تقدير.
والاتهامات الموجهة أخيرا من قبل وزارة العدل الأميركية بحق أنتوني أر. مورغيو ويوري ليبيديف تتصل بعمليات القرصنة على بنك «جيه بي مورغان تشيس» حيث تمت سرقة المعلومات المتعلقة بنحو 83 مليون حساب من حسابات عملاء البنك. ويواجه الرجلان اتهامات بتأسيس شركة غير قانونية لنقل الأموال باستخدام عملة بيتكوين الإلكترونية لمساعدة القراصنة على غسل الأموال المتحصل عليها من طلبات الفدى المفروضة على الشركات المهددة بشن هجمات إلكترونية عليها. والجزء الغريب من الخطة ظهر في الشكوى الحكومية المتعلقة بإحكام السيطرة على اتحاد ائتماني صغير في ولاية نيوجيرسي للمساعدة في تحريك العائدات عبر النظام المصرفي.
تكمن المشكلة لدى أي شخص متورط في الجرائم المالية في الخروج بالأموال من الولايات المتحدة من دون أن يترك وراءه أثرا، فيمكن استعادة تلك الأموال في وقت لاحق. حمل الأموال النقدية يعد من المخاطر الكبيرة، ولذا فإن العثور على وسيلة ما داخل النظام المالي لنقل الأموال بطريقة إلكترونية هو السبيل الوحيدة الحاسمة.
وفقا للشكوى المذكورة فإن السيدين مورغيو وليبيديف أخفيا شركة نقل الأموال الخاصة بهما والمعروفة باسم «كوين إم إكس» تحت ستار مؤسسة وهمية باسم «نادي المقتنيات». ويزعم الموقع الإلكتروني خاصتهما بالسماح لأعضاء النادي بالمتاجرة في السيارات، والطوابع البريدية، والتذكارات الرياضية، مع حصول النادي على نسبة 15 في المائة من المعاملات. عمل السيد مورغيو على فتح الحسابات في بنكين لنقل الأموال من معاملات عملة بيتكوين الإلكترونية على موقع «كوين إم إكس» إلى حسابات مصرفية في قبرص وجزر فيرجين البريطانية، مستخدما النادي المذكور واجهة لتبرير حجم المعاملات الضخم.
ومن خلال استخدام الحسابات، احتاج المتهمان إلى تجنب المواجهة مع ضوابط مكافحة غسل الأموال المعمول بها في البنوك. وفي رسالة بالبريد الإلكتروني، مرفقة بالشكوى الحكومية، يبلغ السيد مورغيو أحد عملاء «كوين إم إكس» بعدم إرسال مبلغ 100 ألف دولار بالتحويل البنكي نظرا لأن المبلغ سوف يلفت نظر المراقبين في البنك. وفي مرثية مؤكدة ومتكررة من قبل أولئك الذين يحاولون غسل الأموال، كتب السيد مورغيو يقول: «إذا لم تكن الولايات المتحدة قد تضررت بشدة بسبب تلك العمليات، ما اضطررنا لسلوك ذلك الطريق».
تقدر الشكوى الحكومية نقل نحو مليون دولار عبر الحسابين المصرفيين المذكورين، وهو ليس بالمبلغ التافه، ولكنه لا يكاد يكفي لإجراء عملية انتقال غير مشروعة بالشركات التجارية الرئيسية، وخصوصا إذا كانت المعاملات تُجرى بمبالغ صغيرة بما فيه الكفاية لتجنب إثارة التساؤلات بشأنها. والخطوة التالية في البرنامج والمذكورة في الشكوى كانت خطوة مبتكرة بحق: الدخول إلى النظام المصرفي عن طريق السيطرة على الاتحاد الائتماني. قد تسبب المراقبة نوعا من القلق لدى العميل المصرفي الاعتيادي، ولكن إذا سيطرت على إحدى المؤسسات المالية، فلا حاجة لديك للقلق من قواعد وضوابط غسل الأموال. سيطر السيد مورغيو والسيد ليبيديف على اتحاد ائتماني صغير في مدينة جاكسون بولاية نيوجيرسي يُعرف باسم «مساعدة الآخرين في الإفادة من الاتحاد الائتماني الفيدرالي» في مايو (أيار) 2014 عن طريق رشوة أحد المديرين التنفيذيين هناك. وتم تعيين المديرين الجدد ذوي الصلة بالسيدين مورغيو وليبيديف في مجلس الإدارة الجديد. وباعتبار الحجم الصغير للاتحاد الائتماني المذكور، حيث لا يتجاوز عدد الأعضاء 200 عضو، مع عمليات مصرفية متواضعة، لم تكن مفاجأة ألا تكون هناك ضوابط لغسل الأموال مفروضة على ذلك الاتحاد الائتماني الصغير نظرا لعدم حاجته إليها.
بعد تولي السيد مورغيو مسؤولية الاتحاد المذكور، تم فتح حساب لمعالجة المدفوعات، ومن خلاله تم نقل ما يقرب من 30 مليون دولار من التحويلات المصرفية. وبالنسبة لاتحاد ائتماني لا تتجاوز ودائع أعضائه حد 200 ألف دولار، لفتت التحويلات الكبيرة انتباه إدارة الاتحاد الائتماني الوطني، وهي الهيئة المنظمة للاتحادات الائتمانية الفيدرالية الأميركية. وجهت إدارة الاتحاد الائتماني الوطني الأمر للاتحاد الائتماني الصغير بإيقاف التحويلات وإقالة المديرين الجدد. ولكن خلال بضعة أشهر من عام 2014 كانت هناك حالات دخول غير مقيدة إلى النظام المصرفي الأميركي بهدف نقل الأموال من دون أي قلق حيال ضمانات مكافحة غسل الأموال.
وسواء كانت عملية مصرفية عالمية على غرار «سيتي غروب» أو عملية صغيرة ومتواضعة مثل الاتحاد الائتماني في نيوجيرسي، لا يزال احتمال تنفيذ عمليات غسل الأموال قائما. يمكن للأموال أن تتحرك وتتدفق في أي مكان، وهناك خطر من أن عائدات الجرائم المالية يجري غسلها عبر النظام المصرفي الأميركي.
* خدمة «نيويورك تايمز»