كان أول موسم للأزياء الرجالية بالمعنى الرسمي. فنيويورك التي رسخ أسبوعها النسائي مكانتها ضمن العواصم العالمية الأربعة، لم يكن فيها للرجل نصيب مهم إلى الآن. خطوة كان لا بد منها، بعد أن لمست تنامي قطاع الأزياء الرجالية وتزايد اهتمام الشباب بالموضة. ثم إنها، أي نيويورك، تحب التجاري، ومن سماتها المميزة بيع منتجاتها بسهولة مقارنة بغيرها من العواصم الأوروبية، ما دفعها لتخصيص أيام تسلط فيها الضوء على هذه الصناعة وعلى مصمميها الذين استولت عليهم عواصم أوروبية سبقتها في هذا المجال. أسوة بلندن، كثفت نيويورك كل جهودها لكي تعيد بعض أبنائها إليها، مثل المصمم جون فارفاتوس، الذي كان وجها مألوفا في أسبوع ميلانو لثمان سنوات واختتم الأسبوع بعرض كبير، وفي الوقت ذاته قدمت منبرا مهما لمصممين شباب ليس بمقدورهم العرض في أي عاصمة أخرى.
من السابق للأوان الحكم على الأسبوع في دورته الأولى، والجزم بأنه سيحقق أهدافه في المستقبل القريب، لكن المؤكد أن التفاحة الكبيرة تتقن فن التسويق، وبالتالي فإن استحداث منبر خاص بها، أمر تأخرت فيه. بإمكاناتها وسمعتها، فهي قادرة على دخول المنافسة منذ سنوات، رغم أنها تفتقد إلى الابتكار والجرأة الفنية مقارنة بغيرها، لا سيما لندن التي حققت ما لم تحققه الكثير من العواصم الأخرى رغم أنها دخلت هذا المجال منذ ثلاث سنوات فقط. المشكلة في نيويورك أن ما كان مكمن قوتها أصبح هو مكمن ضعفها. والمقصود هنا هو توجهها التجاري وإعطاؤها الأولية للتسويق على حساب الابتكار. فمصممو نيويورك من أمثال مايكل كورس، بيللي ريد، مايكل باستيان، جون فارفاتوس، تومي هلفيغر، يُؤمنون بأن الألوان المتحفظة والتصاميم الكلاسيكية هي التي تبيع، ويتقيدون بهذا السيناريو في كل المواسم. هذا لا يعني أن تصاميمهم ليست عصرية أو أنيقة، بل هي فقط غير جريئة أو جديدة في أفكارها بالمعنى الثوري الذي من المفترض أن يضج بالابتكار مع بعض التحدي لتكسير المألوف وخض المتعارف عليه، مثل ما يقوم به كل من ريك أوينز، دريز فان نوتن، يوجي ياماموتو أو حيدر أكرمان في باريس ومعظم مصممي لندن، بل وحتى أليساندرو ميشال مصمم دار «غوتشي» الجديد في ميلانو. صحيح أن تصاميم هؤلاء لا تبيع بسهولة ولا تحقق لهم الربح المضمون في كل المواسم، لكنها حتما ترسخ أسماءهم كمبدعين يتمتعون بنظرة خاصة يحاولون ترجمتها في أرض الواقع وإقناع زبائنهم بها، بغض النظر عما إذا كانت ستبيع أم لا. ثم لا ننسى أن هؤلاء يخاطبون شرائح نخبوية تتمتع بإمكانات عالية.
قلة من المصممين الأميركيين يحاولون تقديم الجديد، ونذكر منهم داكي براون، وكريغ لورين، سيكي آي إم، تيم كوبينز. لكن هذه الأسماء لا تزال صغيرة، وبعضهم لا يزال في أول الطريق، ما يسمح لهم بأن يتحلوا ببعض الجرأة. فليس هناك ما يخافون عليه أو سيخسرونه من جهة، كما أن الابتكار هو الطريق المثالي أمامهم للحصول على اهتمام وتعاطف وسائل الإعلام، وما يترتب عن اهتمامهم هذا من تغطيات إيجابية ومجانية، من جهة ثانية.
مشكلة نيويورك لحد الآن أنها تعرف جيدا أن الرجل يريد أزياء سهلة يمكنه تنسيقها بسهولة ومن دون تعقيدات، لكنها لا تعرف أنه يريد أن يتميز ويختلف عن غيره، خصوصا عندما يتعلق الأمر بمنتجات تكلفه مبلغا محترما لا يقدر عليها الرجل العادي الذي يتسوق من المحلات الشعبية. فلحد الآن يستهدف أغلبية مصممي نيويورك، الطبقات المتوسطة أو المتطلعة للموضة، وعلى رأسهم مايكل كورس، وتومي هيلفيغر، مثلا. فهذان المصممان من أهم اللاعبين في ملعب نيويورك، وقدوتان يقتدي بهما الكثير من الشباب الأميركي الطامح لتحقيق الربح وترسيخ الاسم في الوقت ذاته. والنتيجة أن الأسبوع كان ناجحا من حيث المشاركة والتنظيم، لكنه لم يقدم جديدا من ناحية التصاميم، واقتصر المصممون فيه على السير في نفس الاتجاهات التي تابعناها في ميلانو وباريس وإلى حد ما في لندن. فقد تميزت الخطوط بالسخاء والأقمشة بالخفة، بينما اكتسبت الألوان دكانة وعمقا رغم أنها موجهة للربيع والصيف. وطبعا لأنها نيويورك، مهد الأسلوب الـ«سبور» كان من الطبيعي أن يتبنى الكثير من أبنائها هذا الأسلوب، أحيانا مستوحى من ثقافة الشارع، وأحيانا أخرى من موسيقى الهيب هوب والراب،
بعد طول انتظار .. أصبح لنيويورك أسبوع رجالي للموضة
الآمال كبيرة والبداية متواضعة
بعد طول انتظار .. أصبح لنيويورك أسبوع رجالي للموضة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة