هل يجوز أن يصحب المفكّر صاحبَ السلطان السياسي؟

دراسات في الأدب والفكر والتاريخ لوداد القاضي

د. وداد القاضي (وفي الاطار) غلاف الكتاب
د. وداد القاضي (وفي الاطار) غلاف الكتاب
TT
20

هل يجوز أن يصحب المفكّر صاحبَ السلطان السياسي؟

د. وداد القاضي (وفي الاطار) غلاف الكتاب
د. وداد القاضي (وفي الاطار) غلاف الكتاب

صدر عن دار «المشرق» في بيروت كتاب بعنوان «الرؤية والعبارة»، للدكتورة وداد القاضي، بتحرير الدكتور بلال الأرفه لي، أستاذ الدراسات العربية في الجامعة الأميركية في بيروت. يجمع الكتاب عشرين مقالة بالعربية للدكتورة وداد القاضي في ثلاثة محاور: الأدب والفكر والتاريخ. وكانت القاضي أستاذة الدراسات الإسلامية في جامعة شيكاغو، قبل تقاعدها وتفرّغها للبحث والكتابة.
وقد كتبت هذه المقالات ونشرتها في مجلات متفرّقة في فترات مختلفة من حياتها المهنيّة في الجامعة الأميركيّة في بيروت وجامعات كولومبيا وييل وشيكاغو. وقد أشار الأرفه لي في مقدّمته للكتاب إلى أنّ الدكتورة القاضي واصلت الكتابة بالعربيّة إلى جانب الإنجليزيّة حتّى بعد انتقالها إلى الولايات المتّحدة لإيمانها بالعربية لغةً بحثيّة، ولمدّ جسور معرفيّة بين الشرق والغرب في حقل الدراسات العربيّة والإسلاميّة. وقد استطاعت القاضي أن تشكّل مدرسةً فكريّة وتخرّج على يديها العشرات من الباحثين الذين يتبوّأون اليوم أبرز المناصب والكراسي البحثيّة في الولايات المتّحدة والعالم، ونالت عشرات الجوائز العلميّة والأوسمة والتكريمات، منها جائزة عبد الحميد شومان للباحثين العرب لعام 1982، وجائزة الملك فيصل في مجال الأدب العربي لعام 1994، والدكتوراه الفخرية من الجامعة الأميركية في بيروت عام 2012. وقد اهتمّت مقدّمة الكتاب بعرض سيرة الباحثة والإضاءة على منجزاتها الأكاديمية.
ينبه الأرفه لي إلى أن وداد القاضي تقارب في كتاباتها جوانب متعددة من الحضارة العربيّة الإسلاميّة قلّما طرقها باحث واحد، منها الفكر الإسلامي المبكّر، والتفاسير القرآنيّة، واستعمال القرآن في الأدب، وعلم الكلام، والفرق الإسلامية، والتاريخ، والمخطوطات والبرديّات المبكّرة، والفكر السياسيّ، والطبقات، والنثر الفنّي المبكّر. وتتطرّق مقالاتها المجموعة في هذا الكتاب إلى مختلف هذه القضايا. ولعلّ المقالة الأهمّ في الكتاب هي الأولى منه، والتي يجعلها الأرفه لي بمثابة مقدّمة. تحمل المقالة عنوان «قضيّة المرجعيّة بين الشرق والغرب ومستقبل الدراسات العربيّة والإسلاميّة في العالم الجديد». تصف هذه المقالة - المقدّمة واقع حقل الدراسات العربيّة والإسلاميّة وازدواجيّة المرجعيّة فيه، وتَحَدُّد قطبيها بشرق إسلامي وغربٍ غير إسلامي كل منهما ينكر الآخر ويصوغ تصوّرًا مختلفًا للحضارة. تتبع حقل الدراسات العربيّة والإسلاميّة خاصّة في الغرب، وتطرح خارطة للطريق نحو مستقبل واعد له يشارك فيه العرب البناء والبحث. يشعر القارئ هنا بتقصير العرب في دراسة تراثهم لكنّها في الوقت نفسه مقالة متفائلة تحثّ الجميع على العمل.
يعنى القسم الأوّل من الكتاب بالأدب، وتعالج القاضي في مقالات هذا القسم مصطلحات ومفردات محدّدة، الفتنة مثلا، في كتابات عربيّة مبكّرة. وتقدّم الباحثة أيضًا صورًا للنثر العربي المبكّر واستعمال القرآن الكريم في تلك الفترة. ويعالج قسم من المقالات مسائل لغويّة أو تيمات كالغربة والغرابة بمستوياتهما المختلفة، أو مسألة تأثّر كاتب معيّن بغيره. تتنوّع أشكال النصوص الأدبيّة التي تحلّلها القاضي بين رسائل وكتب ومقامات. ويلاحظ عدم استعانة القاضي عامّة في كتاباتها بنظريّات الأدب الغربيّة، فمنهجها قائم على الفلولوجيا أو الدراسة المتأنّية واللغويّة للنصوص مستعينة بحسّ أدبي عالٍ تنطلق منهما إلى كشف خفايا النصوص الأدبيّة أو إلى التحقّق من مصداقيّتها وتاريخيّتها.
ويعنى القسم الثاني بالفكر خاصّة الفكر السياسي في عصور شتّى. تطرح القاضي في هذا القسم أسئلة مثل: هل يجوز أن يصحب المفكِّر صاحبَ السلطان السياسيّ؟ وتأتي الإجابات معقّدة وغير حاسمة، وتتناول فكر أعلام كأبي حيّان التوحيدي وأبي مروان ابن حيّان ولسان الدين ابن الخطيب وأبي حمّو الزيّاني الثاني وابن باديس. وتخصّص القاضي في هذه المقالات قسمًا لا بأس به للمجتمع، ركائزه الفكريّة وعلاقته بالدولة والسياسة. ما يغيب هنا هو مقارنة الفكر السياسي العربي أو الإسلامي عامّة بالفكر السياسي الأوروبي والذي لا يبدو أنّه أمر شغل الدكتورة القاضي.
أمّا القسم الثالث من الكتاب فقد خصّصه الأرفه لي للتاريخ. وهنا نرى القاضي تسأل وتنتقد وتراجع وتصوّب وتوثّق بتواضع وموضوعيّة بالعودة إلى أمّهات الكتب والوثائق عوضًا عن إطلاق فرضيّات تاريخيّة كما يفعل العديد من المستشرقين. والملاحظ هنا تنوّع المصادر التاريخيّة في مقالات هذا القسم، لا من حيث النوع الأدبي فحسب، بل من حيث الطبيعة والمادّة، كاعتماد الكاتبة على النقوش والنقود والمكاييل والأوزان. وجاء توظيفها للبرديّات العربيّة واليونانيّة والقبطيّة التي تعود إلى الفترة الأمويّة ليعزّز من التوجّه الذي اعتمدته في دراستها لبدايات الدولة الإسلاميّة. ونراها تقارن المعلومات المستخرجة من المصادر المادية بالمصادر الأدبيّة المشكَّك بها بتأنّ شديد، وتؤسّس بذلك منهجًا يمهّد لقيام حقل الدراسات العربيّة والإسلاميّة على أسس وقواعد ثابتة كما يشير الأرفه لي في مقدّمته. فمنهجيًا تسأل القاضي: ما العلاقة بين المادّة التاريخيّة الواردة في المصادر الأدبيّة - كتب التاريخ خاصّةً - وبين مختلف أنواع الوثائق خاصّةً البَرديّات؟.. ومقالتاها «نحو منهج سليم في قضية موثوقيّة الرسائل العربيّة الإسلاميّة المبكّرة» و«مدخل إلى دراسة عهُود الصلح زمن الفتوح» تشكّلان مثالين في هذا المجال لا غنى عنهما للباحثين في قضيّة موثوقيّة النصوص. ويهتمّ هذا القسم من الكتاب أيضًا بالتأريخ وتاريخ المؤسّسات العلميّة وقضيّة الفهرسة. أمّا في ما يختصّ بعنوان الكتاب فيعيدنا الأرفه لي إلى عبارة النِّفَّري الصوفي «كلّما اتّسعت الرؤية ضاقت العبارة» التي تشير إلى اختزال الصوفي للمعاني. فميزة مقالات وداد القاضي بالنسبة للمحرّر، علاوةً على شموليّة البحث وعمقه، تكمن في جمعها بين رؤية متجذّرة في التاريخ والفكر العربي الإسلامي وعبارة دقيقة واضحة منسابة، ومن هنا وُلد عنوان الكتاب «الرؤية والعبارة»، الذي وضعه الأرفه لي كما يقول في مقدّمته بين أيدي القرّاء والدارسين تكريمًا لوداد القاضي واعترافًا بفضلها على حقل الدراسات العربيّة والإسلاميّة. وقد صدر الكتاب عن دار نشر أكاديميّة التوجّه مدقّقًا يكاد يخلو من أي خطأ مطبعي ومفهرسًا بشكلٍ وافٍ. ونرى أن اختيار المقالات وترتيبها في المحاور الثلاثة بدلا من الاعتماد على تاريخ صدور المقالات جاء موفّقًا يخدم الغرض من الكتاب. وقد جرت العادة الأكاديميّة في الغرب على جمع مقالات الأساتذة الكبار في كتب مخصّصة في موضوعات معيّنة، غير أنّ هذه العادة قليلا ما تُتّبع في العالم العربي نظرًا لغياب دور النشر الأكاديميّة ولكلفة مثل هذه الكتب. ونرجو أن ينبري علماؤنا الشباب ودور النشر إلى الاهتمام بمثل هذه الكتب الهادفة.



انطلاق معرض «مسقط للكتاب» بمشاركة 35 دولة و211 فعالية ثقافية

الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم إمارة الشارقة خلال مشاركته في افتتاح معرض مسقط الدولي للكتاب (العمانية)
الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم إمارة الشارقة خلال مشاركته في افتتاح معرض مسقط الدولي للكتاب (العمانية)
TT
20

انطلاق معرض «مسقط للكتاب» بمشاركة 35 دولة و211 فعالية ثقافية

الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم إمارة الشارقة خلال مشاركته في افتتاح معرض مسقط الدولي للكتاب (العمانية)
الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم إمارة الشارقة خلال مشاركته في افتتاح معرض مسقط الدولي للكتاب (العمانية)

انطلقت (الخميس) فعاليات معرض مسقط الدولي للكتاب الـ29 بمشاركة 674 دار نشر تمثل 35 دولة، ويشتمل المعرض على برامج وفعاليات ثقافية وأدبية متنوعة تستمر حتى الثالث من مايو (أيار) المقبل. وتشهد هذه الدورة الاحتفاء بالثقافة السعودية ضمن برامج «أيام ثقافية سعودية» التي تضم تنفيذ الكثير من البرامج والفعاليات في جناح المملكة بالمعرض.

وافتُتح المعرض في مركز عُمان للمؤتمرات والمعارض تحت رعاية الدكتور فهد بن الجلندى آل سعيد، رئيس جامعة السلطان قابوس، بحضور الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى لدولة الإمارات العربية المتحدة حاكم إمارة الشارقة، والدكتور عبد الله بن ناصر الحراصي، وزير الإعلام رئيس اللجنة الرئيسية المنظِّمة لمعرض مسقط الدولي للكتاب.

الإصدارات

يبلغ عدد العناوين والإصدارات المدرجة في المعرض نحو 681.041 ألف عنوان منها 467.413 ألف إصدار عربي و213.610 ألف إصدار أجنبي. وتنقسم دور النشر المشاركة في المعرض ما بين 640 بصورة مباشرة، و34 بصورة غير مباشرة، وتتوزع على 1141 جناحاً.

وتتصدر مصر الدول المشاركة في المعرض بـ119 دار نشر، تليها سلطنة عمان بـ98، ولبنان بـ73، وسوريا بـ69، إضافةً إلى مشاركة عدد من دور النشر العربية والأجنبية. فيما بلغ عدد المجموعة العُمانية 274.64 ألف كتاب، وعدد الإصدارات الحديثة التي طُبعت بين 2024 و2025 نحو 52.205 ألف كتاب.

فعاليات ثقافية

وسيشهد المعرض إقامة 211 فعالية ثقافية وبرامج متنوعة تتوزع ما بين مسابقات ترفيهية، ومبادرات علمية، وعروض مسرحية، وحلقات عمل ثقافية، منها مبادرة «تحدي الوقت مع القراءة»، ومبادرة «مشروع بيرق التميز»، إضافةً إلى تقديم عرض مسرحي لعرائس الأطفال بعنوان «كتابي رفيق دربي» وعرض مسرحي بعنوان «نور المعرفة».

كما سيتم تقديم فقرات «حكايات شعبية عمانية» بمشاركة عدد من «الحكواتيين»، إلى جانب تنظيم برامج للأطفال، واستعراض للفنون التشكيلية، ومسابقات الإلقاء وكتابة القصة والشعر، وحلقة عمل «مبادئ الخط العربي للأطفال»، وحلقة عمل أخرى بعنوان «قرى تحكي»، إضافةً إلى حلقة عمل تعليمية بعنوان «المبتكر الصغير».

وستقام جلسات ثقافية في عدد من الأجنحة التي ستشهد مشاركة الجهات ذات العلاقة بصناعة ونشر الكتاب، وحضور مؤلفين للتوقيع على إصداراتهم، وإبرام عقود الإنتاج والنشر، ومشاركة المؤسسات المعنية بصناعة الكتاب وما يتصل به من إعداد وتجهيز وتغليف وإخراج فني.

تشارك في معرض مسقط الدولي للكتاب 674 دار نشر تمثل 35 دولة ويشتمل على فعاليات ثقافية وأدبية متنوعة تستمر حتى الثالث من مايو المقبل (العمانية)
تشارك في معرض مسقط الدولي للكتاب 674 دار نشر تمثل 35 دولة ويشتمل على فعاليات ثقافية وأدبية متنوعة تستمر حتى الثالث من مايو المقبل (العمانية)

شمال الشرقية: «ضيف شرف»

وتحلّ محافظة شمال الشرقية في سلطنة عمان (ضيف شرف المعرض)، إذ ستشارك بكثير من الأنشطة الثقافية والفعاليات التي تبرز معالمها الحضارية والتاريخية ومآثرها العلمية والإنسانية والوجهات السياحية، وذلك بهدف تسليط الضوء على التراث والتاريخ العماني. وستركز المحافظة عبر الركن المخصص لها في المعرض على تقديم كل ما يميزها من إرث حضاري وعلمي وأدبي وثقافي، حيث تزخر المحافظة بوجود قامات علمية وتاريخية من الأدباء والمفكرين والعلماء الذين أثْروا الساحة الأدبية والعلمية والثقافية في سلطنة عمان والوطن العربي والعالم بالكثير من المؤلفات والأعمال الأدبية والعلمية والثقافية.

الدكتور عبد الله الحراصي وزير الإعلام العماني لدى إطلاق منصة «عين للطفل» في معرض مسقط الدولي للكتاب (العمانية)
الدكتور عبد الله الحراصي وزير الإعلام العماني لدى إطلاق منصة «عين للطفل» في معرض مسقط الدولي للكتاب (العمانية)

منصة «عين للطفل»

وأطلقت وزارة الإعلام العُمانية منصة «عين للطفل» ضمن افتتاح معرض مسقط الدولي للكتاب، والتي تعد خطوة نحو استراتيجية تُعزز الحراك الإعلامي العُماني، وإثراء المحتوى المخصص للأطفال، وتزويدهم بمصادر معرفية تُسهم في تشكيل الوعي وتطوير شخصياتهم وتعزيز انتمائهم الوطني.

وتشارك وزارة الإعلام العُمانية في الدورة الـ29 من المعرض بأربعة أجنحة، تتمثّل في وكالة الأنباء العُمانية، والمديرية العامة للإعلام الإلكتروني (منصة «عين» والبوابة الإعلامية)، والمديرية العامة للمطبوعات والمصنفات الفنية، والمديرية العامة للإعلام الخارجي (المركز الإعلامي).