لا يبدو أن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس الذي زار إيران يوم أول من أمس (الأربعاء)، والتقى الرئيس حسن روحاني، ونظيره محمد جواد ظريف، ومسؤولين آخرين، قد نجح في زحزحة مواقف طهران من أزمات الشرق الأوسط أو الحصول منها على وعود ببذل جهودها لدى الأطراف التي تتأثر بها للدفع باتجاه حلول سياسية، أكان ذلك في سوريا أو لبنان أو اليمن. ويأتي هذا الاستنتاج ليخيب آمال الكثيرين الذين راهنوا على أن إيران لما بعد الاتفاق النووي والانفتاح الغربي عليها ستكون مختلفة عن إيران ما قبل الاتفاق، وأنها ستكون أكثر ميلاً للتعاون والتهدئة إقليميًا بدل صب الزيت على النار.
وقالت مصادر دبلوماسية فرنسية لـ«الشرق الأوسط»، إن المباحثات الإيرانية الفرنسية تناولت عددًا من المواضيع الحساسة التي شملت سوريا والعراق ولبنان والأوضاع في اليمن.
وأكدت المصادر أن الانطباع الفرنسي هو أن «إيران مستعدة لتناول كل المواضيع بعمق»، مما يعني تطورًا في الموقف الإيراني مقارنة بالأشهر القليلة الماضية». وفي أي حال، ترى باريس أنه «من (المبكر) أن نرى ما ستكون عليه سياستها الإقليمية، وما إذا كان التطور الذي سيلحقها سيتبين الأسابيع القادمة. وخلاصة المصادر أن مباحثات طهران «لم تسمح بالإجابة على هذا التساؤل».
من جهته، ولدى استقباله الوزير الفرنسي، قال الرئيس روحاني إن بلاده «مستعدة للتعاون مع فرنسا لحل الأزمات في سوريا واليمن ولبنان». أما وزير خارجيته فقد أعرب عن أمله بأن تقوم باريس وطهران بـ«توثيق علاقاتهما لصالح السلام والأمن»، مشيرًا إلى أنهما «تستطيعان العمل بنجاح في قطاعي مكافحة التطرف وتهريب المخدرات والتعاون في مجال الحفاظ على البيئة». لكن يبدو أن إعلان النيات، أكان من جانب روحاني أو من جانب ظريف، لم يجد له ترجمة محسوسة عند البحث في القضايا الإقليمية المشتعلة؛ الأمر الذي برز بوضوح في حديث صحافي للوزير الفرنسي صباح أمس.
عندما سئل فابيوس، أمس، عما إذا كان الاتفاق النووي من شأنه أن يدفع إيران لتغيير سياستها الإقليمية والدولية، أجاب بصراحة متناهية قائلاً: «يقول البعض: إن هذا (الاتفاق) سيحمل الإيرانيين على تعديل سياستهم الإقليمية بالكامل. أما أنا، فإنني أكثر حذرًا.. لست واثقًا بأن يحصل تغيير في الوقت الحاضر». بيد أنه استدرك قائلاً إنه «مع نهوض الاقتصاد فإن ذلك قد يحملهم مستقبلاً على التطور، لكن التصريحات الرسمية في الوقت الحاضر لا تشير إلى تغيير على الساحة الدولية». في أي حال، أعرب فابيوس عن أمله في أن «يتجه موقف إيران نحو الحفاظ على الاستقرار والبحث عن السلام». ويبدو أن تشخيص الوزير الفرنسي لمسار السياسة الإيرانية الإقليمية لا يترك للأمل مجالاً إذ اعتبر أن التغيير المرجو» ليس واضحًا في الوقت الحاضر.. ولذا سنواصل التباحث» معهم. وكان فابيوس وظريف قد اتفقا على إعادة تنشيط الحوار السياسي بينهما على المستوى الوزاري «مرة كل سنة على الأقل» وكذلك على إقامة تواصل على مستوى مديري وزارتي الخارجية في البلدين.
تقول أوساط سياسية فرنسية إن «خيبة» فابيوس لجهة فشله في دفع طهران للتزحزح من مواقفها السياسية كان يتعين توقعها، وذلك لسببين على الأقل: الأول، أن طهران لن تتراجع بين ليلة وضحاها عن سياسة سارت عليها منذ سنوات وبمجرد أن حصل التوقيع على الاتفاق النووي الذي تمت مناقشته بمعزل عن أي قضايا إقليمية أخرى لتلافي الخلط بين الملفات وفتح باب المساومة. والثاني، أن إيران ستحاول الربط بين ما هو مطلوب منها وبين ما يمكن أن تحصل عليه لجهة الاعتراف بدورها وحجمها الإقليمي وبمصالحها. وخلاصة هذه المصادر أنه «من السذاجة» الاعتقاد أن إيران «ستنزع الشوك من أقدام الغربيين مجانًا» بحيث تتخلى عما تعتبره «أوراقًا ضاغطة يمكن التصرف بها في لعبة شد الحبال الإقليمية». ولذا، فإن استبعاد الوزير فابيوس حصول تغيير فوري في السياسة الإيرانية الإقليمية والدولية، مصدرها واقعيته السياسية مقرونة بما يكون قد سمعه من المسؤولين الإيرانيين خلال زيارته إلى طهران التي وصفها أمس بـ«المفيدة». ولخص الوزير الفرنسي المحادثات التي دارت بينه وبين المسؤولين الإيرانيين بأنها تناولت الاتفاق النووي وأزمات المنطقة «لأن إيران حاضرة بقوة» فيها والعلاقات الثنائية.
قبل زيارة فابيوس، اتصل هولاند بروحاني. وبحسب الإليزيه، فإن الرئيس الفرنسي «تمنى» أن تلعب طهران «دورًا إيجابيًا» في أزمات المنطقة. وقالت لنا مصادر فرنسية إن باريس «ترغب بأن يكون لبنان الاختبار الأول» لدور إيران الجديد. لكن يبدو أو التمنيات الفرنسية تحتاج إلى وقت حتى تتحقق، وفق توقعات الوزير فابيوس نفسه. بيد أن ملف الإرهاب ومحاربة تنظيم داعش يبدو أنه الوحيد الذي توافق بشأنه الطرفان. وقال فابيوس، أمس، إن الجانب الإيراني بوسعه أن يقدم «موضوعيًا» دعمًا «مفيدًا»، ولكن من غير أن ينضم إلى الائتلاف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية وهو ما يحصل منذ عدة أشهر في العراق.
في أي حال، تبدو محصلة الزيارة الأولى لوزير خارجية غربي لطهران منذ التوقيع على الاتفاق النووي وفيرة الحصاد على المستوى الثنائي لجهة إعادة تطبيع العلاقات وفتح الباب أمام عودة الشركات الفرنسية إلى السوق الإيرانية وباكورتها ترحيب طهران بعودة شركة توتال النفطية للمشاركة في تطوير القطاع النفطي وشركات فرنسية أخرى للعمل في قطاع الغاز.
في غضون ذلك، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اليوم (الخميس)، إن الاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني سيحسن الأمن في الشرق الأوسط ويضمن عدم حصول طهران على أسلحة نووية.
وتعتزم إسرائيل حشد تأييد الكونغرس الأميركي حتى لا يوافق على الاتفاق الذي أبرم بين إيران والقوى العالمية في فيينا في وقت سابق من الشهر الحالي، حسب «رويترز».
وقال الكرملين في بيان إن بوتين أبلغ نتنياهو بأن الاتفاق يشمل «ضمانات قوية بأن البرنامج النووي الإيراني سيكون سلميًا بحتًا (وأن تطبيقه) سيؤثر إيجابًا على الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط».
فرنسا تستبعد تغييرات سريعة في سياسة إيران إزاء الأزمات الإقليمية
روسيا تطمئن إسرائيل بشأن الاتفاق النووي
فرنسا تستبعد تغييرات سريعة في سياسة إيران إزاء الأزمات الإقليمية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة