يعتبر الزجاج المعشّق الذي تصنّع منه النوافذ من أجمل المفردات التراثية التي تزيّن دور العبادة والقصور والبيوت القديمة. فهو إضافة إلى وظيفته في إدخال الضوء الطبيعي للمكان فإنه يعطيه جمالاً أخّاذا من خلال شكله وألوانه الزاهية. وقد اشتهر حرفيو دمشق ومنذ مئات السنين بتصنيعه، بنوعيه الدمشقي والعادي التقليدي. ولكن لم يبق من هؤلاء الحرفيين في السنوات الأخيرة إلاّ عدد قليل يمارسون هذه المهنة اليدوية الآيلة للانقراض كما يعتقد أحد حرفيي دمشق الذين تخصصوا في تصنيعه. يقول فايز تلمساني أبو لؤي، 64 عاما، المهنة عمرها في مدينة دمشق ألفا عام ومعظم مساجد المدينة وكنائسها وبيوتها القديمة كانت نوافذها ملونة من الزجاج المعشّق. بالنسبة لي مارست هذه المهنة منذ عام 1964 وتعلمتها في مركز الفنون التطبيقية بدمشق على يد الحرفي محمد زنبركجي ومنذ ستينات القرن الماضي وأنا أمارس هذه المهنة وما زلت مستمرًا بها وأعمل فيها بالطريقتين العادية والدمشقية. الطريقة الأولى تسمى الوجه الواحد أي قطعة الزجاج المعشق يكون لها وجه معشّق وخلفية عادية بينما في الدمشقية التي تخص مدينة دمشق فقط تكون القطعة متشابهة من حيث الوجه والخلفية أي وجه مضاعف معشّق وهذا النوع من اللوحات الزجاجية المعشقة يستخدم للأعمال الداخلية والخارجية.
الزجاج المعشّق يعني التماسك ما بين مادة الجبصين والزجاج. هذا الترابط بينهما وصف بالعشق ومن هنا أخذت هذه المهنة تسمية الزجاج المعشق، واليمن البلد الوحيد التي تسمى هذه المهنة فيها بالقمرية والسبب أنه قبل اكتشاف الزجاج كان يستخدم نوع من الحجارة يشطف ويتحول لرقائق توضع بين مادة الجبصين وعلى النوافذ فيدخل ضوء القمر بشكل قوي أكثر من ضوء الشمس فمن هنا جاءت تسميتها بالقمرية وبعد ذلك كل من عمل بهذه المهنة سمّي بالقمري.
أما بالنسبة التطورات التي حصلت على هذه المهنة فيشرح تلمساني أنها تطورت من حيث منتجاتها فلم تعد وقفًا على النوافذ فقط بل صارت تصنّع لوحات جدارية وأسقف مستعارة وأبواب متحركة ومصابيح وثريات للإنارة ولتزيين الأماكن العامة. كذلك التطوير صار من خلال جعلها متحركة وسابقًا لم يكن يستخدم الزجاج المعشق كلوحات داخلية للتزيين «فقمنا بوضع الإنارة خلف اللوحة بحيث إذا وضع على جدار واشتغلت إنارتها فإنها تعطي للمكان جماليات وخاصة الألوان حيث تمنح الإنسان الراحة كذلك في البيوت الحديثة ذات الصالونات الطويلة صنّعها البعض كحاجز نصفي من الزجاج المعشق يوضع في وسط الصالون يقسمه إلى قسمين فيأخذ الصالون شكلاً مميزًا».
في الزجاج المعشق دلالات ورموز فمثلاً نضع في وسط الرسومات اللون الأحمر كرمز للمركزية والقوة وفي الأعمال الهندسية كالمثمن والمسدس والعشاري الذي يكون بمنتصف لوحة الخيط العربي تعطيه اللون الأصفر أو البرتقالي أو طيف الشمس. ثم تأتي المجموعة الخلفية وتكون باللون الأخضر وترمز للخير والأرض، ثم تأتي الخلفية الأخيرة للوحة وتكون باللون الأزرق حيث ترمز للسماء أو البحر وهذه الألوان تظهر في الرسومات الإسلامية والخط العربي. أما الرسومات النباتية فالوردة تكون حمراء أو صفراء والأغصان باللون الأخضر والعروق تكون باللون الأصفر وتزخرف بألوان أخرى.
خلال مسيرته قام تلمساني بترميم نوافذ المساجد الأثرية، ومنها جامع التيروزي وفروخ شاه والدرويشية بدمشق ومطعم قصر النبلاء في مدينة المعارض القديمة حيث نفذّ سقفًا له بمساحة 28 مترًا مربعًا ونوافذ من الرسم الهندسي والنباتي والخيط العربي. وفي خارج سوريا له نشاطات في لبنان في مجمع الخيرات بمدينة طرابلس وجامع الحريري بمدخل مدينة طرابلس، نفذ فيه 265 مترًا مربعًا من أعمال الزجاج المعشّق. وفي دمشق يوجد الكثير من الدمشقيين يعملون بهذه المهنة ولكنهم يعملون على النمط العادي أما الدمشقي ثنائي الوجوه، يقول تلمساني «فلا يوجد غيري يعمل به وولدي يعمل معي ومتقن لهذه المهنة مع أنه يعمل محاسبًا وأتوقع أن يستمر ابني بهذه المهنة وإذا تركها فسينقرض النوع الدمشقي منها حيث لا يوجد أحد مستعد أن يتعلم هذه المهنة بسبب مردودها المادي الضعيف».
ومعروف أن الزجاج المعشق يبقى ويدوم مئات السنين ويتحمل مختلف الظروف المناخية فمادة الجبصين قوية وتسمى مادة ميتة بينما معظم المواد تتمدد وتتقلص كالخشب والحديد حتى الحجارة إلا مادة الجبصين عندما يطفأ بالماء ويصب فإنه يفقد حياته بالكامل ولذلك تأخذ شكلها النهائي الأبدي.
8:17 دقيقة
الزجاج المعشّق الدمشقي يتعانق مع الجبصين ليتحول إلى نوافذ جميلة
https://aawsat.com/home/article/416421/%D8%A7%D9%84%D8%B2%D8%AC%D8%A7%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%B4%D9%91%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%85%D8%B4%D9%82%D9%8A-%D9%8A%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D9%86%D9%82-%D9%85%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A8%D8%B5%D9%8A%D9%86-%D9%84%D9%8A%D8%AA%D8%AD%D9%88%D9%84-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D9%86%D9%88%D8%A7%D9%81%D8%B0-%D8%AC%D9%85%D9%8A%D9%84%D8%A9
الزجاج المعشّق الدمشقي يتعانق مع الجبصين ليتحول إلى نوافذ جميلة
مهنة عمرها ألفا عام لكن بسبب الظروف الحالية أصبحت آيلة للانقراض
- دمشق: هشام عدرة
- دمشق: هشام عدرة
الزجاج المعشّق الدمشقي يتعانق مع الجبصين ليتحول إلى نوافذ جميلة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة