من التاريخ: الحرب الأميركية ـ المكسيكية.. طموحات الرئيس بولك

من التاريخ: الحرب الأميركية ـ المكسيكية.. طموحات الرئيس بولك
TT

من التاريخ: الحرب الأميركية ـ المكسيكية.. طموحات الرئيس بولك

من التاريخ: الحرب الأميركية ـ المكسيكية.. طموحات الرئيس بولك

أذكر جيدًا أنني قمت بزيارة إلى «قلعة شابولتيبيك» Castillo De Chapultepec في العاصمة المكسيكية، وأنا في العاشرة من العمر، وكان يومًا صافيًا، الشمس مشرقة على هذه القلعة العظيمة التي تقبع على مرتفع وتحيطها الأشجار والخضار من كل الجوانب، وقد كان اشتياقي مبعثه الأساسي قيام والدي بشرح المعنى الحقيقي للوطنية الذي تمثله هذه القلعة بالنسبة للمكسيكيين وأي وطني حر، والذي لا يجد إلا الانحناء تبجيلاً لرمزها. ففي هذه القلعة دارت آخر معركة شهدتها المكسيك في الحرب الغاشمة التي شنتها عليها الولايات المتحدة عليها عام 1846 طمعًا في أراضيها، وفي هذا المكان أذكر الكلمات التي قيلت لي من شخص عزيز علي، وهو يشير إلى نقطة عالية في القلعة ويقول لي: «في هذا المكان المرتفع بعد هزيمة آخر مقاومة مكسيكية أمام الأميركيين، وقفت مجموعة من الشباب يواجهون وحدهم العدو الأميركي وهم يصرخون (تحيا المكسيك) وعندما تمت محاصرتهم لفوا أنفسهم بالأعلام وعندما قُتل أغلبهم رفضت الحفنة الباقية الاستسلام ورموا أنفسهم من القلعة بدلاً من الاستسلام»، وحقيقة الأمر أنني لم أكن أعرف خلفية الصراع، ولم أكن لأدركه في هذه السن المبكرة، ولكنني علمت ثاني درس لي في حياتي السياسية وهو معنى التضحية من أجل الوطن، خاصة أن مصر كانت خارجة من حرب 1973 لاستعادة أراضيها، وعلمت يومها أن مفهوم الوطنية وتراب الوطن لا يحميه إلا القوة، وهذا كان الدرس الأول، فبعد الهزيمة المكسيكية في هذه الحرب الظالمة فقدت هذه الدولة أجزاءً كبيرة من أرضها لصالح الولايات المتحدة، ومع مرور الزمن أدركت قيمة هذه الحرب والدروس المستفادة منها.
لقد بدأت هذه الحرب باستدراج أميركي واضح قاده الرئيس الأميركي جيمس بولك، الذي استمرت رئاسته بين عامي 1845 و1849، للحكومة المكسيكية لاستهلاكها عسكريًا، لتُقر التنازل عن حدودها الشمالية الغربية. فلقد كانت الولايات المتحدة في ذلك الوقت قد تحولت إلى القوة العظمى في الأميركيتين، وكان واضحًا أن تعدادها يزداد تدريجيًا، وأنها كانت في حاجة للتوسع التدريجي غربًا على حساب أي دولة أو حتى السكان الأصليين للبلاد. فأمام التطور والتنمية والاعتقاد الذاتي بالسمو الأممي والرسالة الخالدة للشعب الأميركي، كما فهمها الرئيس بولك، وقفت حدود المكسيك الشمالية حائلاً أمام هذا الحلم الجديد لأرض ميعاد جديدة، ولكن البيت الأبيض كانت لديه أطماع أخرى، وعلى رأسها مد الحدود الجنوبية من نهر «النويسوس» إلى نهر «الريو جراندي»، ليضموا أكثر من مائة وخمسين كيلومترًا على حساب الحدود المكسيكية في الجنوب. وقد كان البيت الأبيض عقد العزم على تحقيق أهدافه السياسية بلا هوادة، خاصة بعد نجاحهم في ضم ولاية تكساس في العام السابق، وقد عرض الرئيس الأميركي على المكسيك مبلغ 30 مليون دولار لشراء الأراضي التي كان يطمع فيها، ولكن المكسيكيين كانوا مصممين على الدفاع عن أراضيهم بأي ثمن.
بالفعل دارت أولى معارك هذه الحرب الضروس عندما صدرت التوجيهات للجنرال تيلور قائد ولاية لويزيانا بعبور النهر واستدراج المكسيك إلى الحرب، وهو ما حدث بالفعل، فكانت أولى جولات هذه الحرب معركة «بالو ألتو» التي استطاع فيها الجنرال الأميركي إلحاق الهزيمة بالجيش المكسيكي وأصبح الطريق مفتوحًا أمام القوات الأميركية للتوغل في الأراضي المكسيكية. وقد تمكن الرئيس بولك من إقناع الكونغرس الأميركي بإعلان الحرب على المكسيك بعد هذه المعركة، وهو ما دفع تيلور لحصار مدينة مونترري المكسيكية، وبعد أسابيع استسلم المكسيكيون ووقع الجنرال تيلور معهم هدنة، ووافق خلالها على خروج المنسحبين بكامل هيئتهم وسلاحهم. ولكن حقيقة الأمر أن القوات الأميركية كانت تعاني بشدة من الأمراض وقلة العدد، وهو ما دفع تيلور لقبول هذه الشروط طالما أنه كان يحقق التقدم على الأرض صوب هدفه النهائي، وهو مدينة المكسيك. ومع ذلك فقد حظي بمعاداة الرئيس الأميركي، الذي كان يشك في نيات قائده العسكري، خصوصا أنه كان يحظى بتعاطف شديد من الرأي العالم الأميركي وفي الكونغرس.
وإذا ما كانت قوات تيلور هي الأداة التي كان الرئيس الأميركي يرمي من ورائها لوضع الضغوط على الساسة المكسيكيين لبيع أراضيهم، فإنه بدأ في تجريد قوة صوب الغرب وضع على رأسها ضابطًا يدعي كيرني، وكان هدفه هو الاستيلاء الفعلي على الولايات الشمالية الغربية للمكسيك، التي كانت محل أطماعه. وقد كان البيت الأبيض تحت انطباع أن هذه المناطق خالية من السكان، وأنها على أتم استعداد للتسليم للغازي لتخليصهم من الحكم المكسيكي، خاصة أن الأراضي كانت شاسعة ولم تمارس الحكومة المكسيكية سلطاتها كما يجب على هذه الأرض، ولكن الوضع على الطبيعة كان مختلفًا عما كان يعتقده الأميركيون، حيث اكتشفوا وجود معارضة قوية من قبل بعض الإقطاعيين المكسيكيين، كما أن عددًا من قبائل الهنود الحمر الأميركية ثارت في مواجهة الجيش الأميركي، وعلى رأسها قبائل النافاهو، والتي استطاعت أن تعطل تقدمهم لبعض الوقت بينما كادت إحدى المعارك تؤدي بحياة القائد الأميركي، ولكن الجيش الأميركي استطاع أن يستولي على ولاية نيومكسيكو، ثم توجه نحو كاليفورنيا، وهزم كل مقاومة واجهته.
إزاء هذا الوضع المتردي لم يكن أمام الساسة المكسيكيون إلا الالتفاف حول شخصية وطنية مكسيكية يمكن لها أن تنشلهم من الفوضى السياسية والعسكرية التي كانت مسيطرة على الدولة المكسيكية، وقد وقع الاختيار مرة أخرى على الجنرال سانتا آنا أكثر شخصية خلافية في التاريخ المكسيكي على الإطلاق، فهو الثعلب السياسي الذي استطاع أن يكون رئيسًا للمكسيك في إحدى عشرة مناسبة، ولكنه كان في المنفى بسبب ظروفه السياسية السابقة، وعندما استقر الاختيار عليه فإنه استطاع أن يراوغ الرئيس الأميركي «بولك» وإقناعه بالسماح له بالعودة إلى البلاد بعدما كان الأسطول الأميركي يحاصر الساحل الشرقي للمكسيك، فلقد أكد للرئيس الأميركي أنه قادر على ضمان موافقة البرلمان المكسيكي على بيع الأراضي له، وبمجرد أن نزل سانتا آنا المكسيك تولى الرجل أمر الجيش المكسيكي لمواجهة الغزو الأميركي، ويبدو واضحًا أن الرجل لم يكن في نيته التسليم للأميركيين على الإطلاق.
وبالفعل حشد الجنرال الجديد الجيش المكسيكي في مهمته المقدسة للدفاع عن أراضيه، ولكن واقع الأمر أن هذا الجيش لم يكن على المستوى المطلوب لمواجهة الجيش الأميركي الحديث بتسليحه وتكتيكاته العسكرية، كما أن الجنرال المكسيكي لم يكن على مستوى مواجهيه، ومع ذلك بدأ رد الفعل المكسيكي من خلال التوجه للشمال لمواجهة قوات الجنرال تيلور، الذي كان في حالة يرثى لها، فلقد كان على غير وفاق مع الرئيس الأميركي، الذي أمره بتوجيه نسبة من جيشه لدعم قوات الجنرال سكوت، الذي كلفه الرئيس الأميركي بالحشد البحري وفتح جبهة أخرى شرقية لتشتيت القوات المكسيكية، فتبقى لتايلور نسبة ضئيلة فقط من قواته لمواجهة الجيش المكسيكي القادم، ولكن الرجل أبى التراجع، وأصر على المواجهة في معركة بونا فيستا الشهيرة في فبراير (شباط) 1847. واستطاع سانتا آنا أن يلحق به هزيمة محدودة بسبب نقص العدد والعتاد، ولكن انسحاب الجيش الأميركي كان منظمًا، واستطاع تيلور أن يحافظ على النظام، وبدأ يستعد لمواجهة أخرى. وهنا لعبت الظروف ضد سانتا آنا. فلقد انفجر الوضع السياسي الداخلي في المكسيك، ففي الوقت الذي كان من المفترض على الساسة الالتفاف حول جيشهم لمواجهة الغازي فإنهم تفرقوا ودخلوا في صراعات داخلية مفتوحة أدت إلى حالة من الفوضى العارمة في العاصمة واندلاع حرب الشوارع، وهو ما اضطر البرلمان لاستدعاء الجيش لفرض السلم الداخلي، وهو ما لم يسمح لسانتا آنا بتوجيه الضربة القاضية لجيش تيلور الضعيف. فأخطر ما يمكن أن يواجه الأمة وهي تواجه العدو الخارجي هو أن ينقلب الساسة على أعقابهم لأهداف سياسية محدودة وأطماع شخصية ضيقة، فالجبهة الداخلية للدولة المدافعة عن أراضيها يجب أن تكون صامدة أمام القوات الغازية، وهو ما لم يحدث في هذه الحالة كما سنرى.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».