تركيا و«داعش».. نهاية شهر العسل

أعداء مشتركون ومصالح متقاربة.. وتفجير سروتش إنذار أولي

تركيا و«داعش».. نهاية شهر العسل
TT

تركيا و«داعش».. نهاية شهر العسل

تركيا و«داعش».. نهاية شهر العسل

لم يكل المسؤولون الأتراك عن نفي الاتهامات الكثيرة الموجهة إلى بلادهم بدعم تنظيم داعش وتسهيل حركته في سوريا عبر حدودهما المشتركة التي تمتد نحو 950 كيلومترا، وأن تلقى مساعيهم قبولا من أصحاب الاتهام الذين يستندون إلى متانة «المصالح المشتركة» التي جمعت التنظيم المتطرف بالحكومة التركية، وتقاطع المصالح الذي أدى إلى تغاضي أنقرة عن عشرات آلاف الأجانب الذين دخلوا إلى سوريا عبر أراضيها للقتال في سوريا.. لكن بعد تفجير سروتش بدا وكأن «شهر العسل» غير المعلن بين التنظيم وتركيا قد انتهى، أو في طريقه إلى الانتهاء، ما قد يؤدي إلى إقفال «بوابة الجهاد» وهو الوصف الذي يطلقه المتشددون على الحدود التركية - السورية.
يهدف هذا التفجير، على ما يبدو، إلى ضرب «عصفورين بحجر واحد»، الأول توجيه إنذار إلى الحكومة التركية للتخفيف من إجراءاتها، التي كان آخرها إعلان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان عن توقيف 1300 شخص كانوا ينوون الالتحاق بالتنظيم في سوريا، فيما لا يكاد يمر يوم من دون صدور أنباء عن توقيف الشرطة التركية لأشخاص مرتبطين بالتنظيم في مداهمات باتت شبه روتينية في إسطنبول وجنوب البلاد. أما العصفور الثاني، فهو الانتقام من الأكراد الذين كانوا أول من هزم التنظيم في سوريا بمساعدة أميركية مباشرة، وبمساعدة من أكراد تركيا والعراق أيضا. ومن يعلم أن التجمع الذي تم استهدافه بالتفجير الأخير في بلدة سروتش كان يتوجه إلى بلدة كوباني يعرف الصلة الوثيقة بين الانفجار و«داعش» التي لم تتبنَّ بعد التفجير خلافا لما اعتادت القيام به.
وكان تنظيم داعش هدد تركيا، بعد إغلاقها موقعه الإلكتروني باللغة التركية في مدينة الرقة السورية، بدعوى ترويجه لـ«داعش». وقالت صحيفة «صول» التركية إن إدارة موقع «darulhilafe.com» الناطق بالتركية نشرت بيانا هددت فيه تركيا، بسبب العمليات التي تنظمها السلطات التركية مستهدفة بها التنظيم في مدن مختلفة من تركيا في الآونة الأخيرة وإغلاق مواقعه الإلكترونية. وجاء في بيان التهديد المنشور على موقع التنظيم باللغة التركية: «إن دولة تركيا الطاغوتية حظرت الوصول إلى موقعنا الإلكتروني. وقد شاهدنا ولمسنا بوضوح أعمال الضغط والقمع التي تمارسها الدولة التركية في الآونة الأخيرة تجاه المسلمين. ولذلك يمكن القول بأن الدولة التركية التي قبضت على إخواننا المهاجرين واعتقلت إخواننا من المواطنين الأتراك وسعت أخيرا لفرض قيود علينا في حرية الإعلام، أظهرت عداءها تجاه المسلمين الموحدين».
وقد أثر هذا التفجير بقوة على العلاقة بين الأكراد وحكومتهم التركية، فقد تصاعدت دعوات إلى التسلح تهدد بحرب أهلية جديدة في البلاد التي ما كادت تنسى الحرب السابقة مع الأكراد التي راح ضحيتها نحو 50 ألف شخص. وفي موقف لا يخلو من المغازي، أشار صلاح الدين دميرطاش رئيس حزب ديمقراطية الشعوب الكردي في كلمة له عقب الحادث، إلى أنه يتعين على المكون الكردي بعد هذا الحادث «أن يحمي نفسه بنفسه من الآن فصاعدا». ووجه دميرطاش في كلمته تنظيمات ومنتسبي حزبه لأخذ تدابير أمنية عاجلة في إشارة وصفها البعض من القوميين الأتراك بأنها إشارة إلى ضرورة تسلح المكون الكردي في تركيا لحماية نفسه، خصوصا أن جميل باييك المسؤول العسكري لتنظيم «حزب العمال الكردستاني» المحظور في تركيا دعا فيه أكراد تركيا إلى تنظيم صفوفهم والتسلح للمرحلة المقبلة. ودعا مسؤولي التنظيم للتحضر لمحاربة تنظيم داعش والقوى الاستعمارية التي تسانده والبدء بحفر الأنفاق والملاجئ الدفاعية في القرى ومنع سكانها من ترك قراهم، قائلا إن كان ضروريًا فإن عليهم الموت دفاعًا عن قراهم.
ويقول الباحث في مركز التفكير الاستراتيجي في أنقرة جاهد توز إن هناك قوى تريد أن تنقل الأحداث والمشكلات في المنطقة إلى تركيا، وهي تستغل نتائج الانتخابات (البرلمانية التي لم تعط حزب العدالة والتنمية الحاكم القدرة على تشكيل الحكومة منفردا) وتريد أن تلعب دورا بواسطة الأكراد، وتريد لهؤلاء أن ينزلوا إلى الشارع والصدام مع الشرطة والجيش. وأبدى توز أسفه للردود المتسرعة من قبل قادة أحزاب وجماعات تركية تحدثوا عن «حماية النفس»، مشددا على أن الذين استهدفوا لم يكونوا أكرادا بالخالص، بل من مناطق مختلفة من تركيا.
واعترف توز في حديث لـ«الشرق الأوسط» بأن ثمة كثيرا من الباحثين والجماعات والدول تتهم تركيا بدعم تنظيم داعش، لكنه رأى أن هذه العملية أثبتت بوضوح خطأ الاتهامات التي وجهت إلى تركيا. ورأى أن هذا الهجوم أثبت أن تركيا هي هدف لـ«داعش»، وأن هذا التنظيم هو تهديد لتركيا التي كانت أول من أعلنه منظمة إرهابية، وشدد توز على أنه من المبكر الحديث عن تدخل تركي في سوريا بسبب ما حصل. وقال: «تركيا سوف تبذل كل الجهود الممكنة لكشف من يقف وراء التفجير، ومن بعدها ستتخذ الإجراءات المناسبة لأنها لن تسمح بأي شكل من الأشكال لأي جهة أن تستهدف أمن البلاد، مشيرا إلى أنه إذا كان ثمة مبرر لدخول الأراضي السورية في ضوء ذلك، فستتخذ الحكومة التركية القرار.
ويورد التنظيم المتطرف تركيا خيارا وحيدا لدخول «دولة الخلافة» فالدخول إلى تركيا أمر قد لا يثير الشبهات لأي أجنبي باعتبارها مقصدا سياحيا عالميا، ولا يحتاج معظم الأجانب إلى تأشيرة لدخولها، كما أن قربها من الحدود السورية وسياسة الحدود المفتوحة يسهلان أمر الراغبين في الدخول إلى سوريا. وفي نشرة عممها مسؤولون في التنظيم على المنتديات المقربة منه للحض على «الجهاد»، يقول أحدهم متوجها للراغبين في «النفير» أي الالتحاق بالتنظيم ينصح فيها أي راغب بذلك بالقول: «لا تثق بأحد لا تعرفه معرفة شخصية على الفضاء الإلكتروني، فأنت لا تعرف من خلف الشاشة ولا تثق حتى بي أنا، لا تثق إلا بالله، بل توكل على الله واركب أول طائرة إلى تركيا، وهناك بصفتك سائحا لا تثر الشبهة حولك، وحاول أن تكون حالك حال بقية الشباب (...) وتحت جنح الظلام اركب تاكسي إلى الحدود السورية (...) وإن توكلت على الله ستجد نفيرك أسهل من النزهة».
ويتحدث الكثير من خصوم حزب العدالة والتنمية الحاكم عن «وقائع» تثبت تورط أنقرة مع التنظيم المتطرف، وأبرز هذه الوقائع الشاحنات التي داهمتها وحدات من قوات الدرك التركية في ديسمبر (كانون الأول) 2014 والتي تحمل شعارات منظمة الإغاثة الإنسانية والتي كانت تسير بحماية الاستخبارات التركية. وقد أدى الصراع الداخلي التركي بين الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وحليفه السابق الداعية فتح الله غولن إلى تفجير أزمة كبرى في البلاد عندما قامت وحدات الدرك التركية بأوامر من أحد المدعين العمومين بمصادرات الشاحنات وإثبات أن فيها أسلحة تردد كثيرا أنها موجهة إلى تنظيم داعش. وقال رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو من مكتب النائب العام في محافظة أضنة إن تركيا زوّدت المجموعات الإرهابية بالسلاح، وأضاف كليجدار أوغلو أنه يملك نسخة لمقابلة مصورة مع سائق شاحنة أوصل السلاح لتلك المجموعات. كما قال ليفنت تيزجان، نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري، إن الشاحنات تم تحميلها بالأسلحة في مطار إيسنبوجا، الواقع في أنقرة. السائقون قادوا الشاحنات إلى الحدود السورية، حيث كان ينتظر عملاء الاستخبارات التركية (MIT)، الذين استلموا الشاحنات وأدخلوها إلى سوريا، لإيصال المعدات الموجودة فيها إلى تنظيم داعش ومجموعات أخرى. ويضيف تيزجان قائلاً: «هذا الشيء حصل كثيرًا، فكلما تم توقيف الشاحنات من قبل الشرطة، تدخلت المخابرات التركية (MIT)، ومنعت المفتشين من النظر داخل الصناديق، التي وجد المفتشون في أحدها صواريخ وأسلحة ومعدات حربية».
وفي المقابل، قال رئيس الاستخبارات الأميركية جيمس كلابر إن محاربة تنظيم داعش «ليست أولوية بالنسبة إلى تركيا، وإن هذا الأمر يسهل عبور مقاتلين أجانب الأراضي التركية إلى سوريا». وأضاف أثناء جلسة استماع أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ أن تركيا «لديها أولويات أخرى ومصالح أخرى» غير تكثيف المشاركة في الحرب على التنظيم المتطرف. وأشار كلابر إلى أن استطلاعات الرأي في تركيا تشير إلى أن تنظيم داعش لا ينظر إليه باعتباره «تهديدًا رئيسيًا»، وأن شواغل المواطنين تتصل أكثر بالاقتصاد أو بالنزعة الانفصالية الكردية. وأضاف أن «نتيجة كل ذلك هي وجود أجواء متساهلة»، خصوصًا في المستوى القانوني إزاء عبور مقاتلين أجانب إلى سوريا. وتابع قائلاً: «وبالتالي هناك نحو 60 في المائة من المقاتلين الأجانب يصلون إلى سوريا عبر تركيا».
وفي مقالة نشرها مدير برنامج بناء السلام وحقوق الإنسان في جامعة كولومبيا، يقول الباحث الأميركي إنه خلال زيارته الأولى لتركيا «وصف أعضاء في البرلمان التركي وشخصيات تركية بارزة العلاقات بين تركيا، الأتراك والمنظمات المسلحة السنيّة، مثل (داعش). وهم يلمحون هنا إلى دور بارز للمنظمة التركية المسماة (إ هـ هـ) أو المؤسسة التركية لحقوق الإنسان والحريات والمساعدات الإنسانية». وقال: «بدلا من البحث عن أعذار والنفي، يجب على المسؤولين الأتراك إدانة (داعش). ولتظهر للعالم أنها جادة في محاربة الإرهاب.. على تركيا وضع آلية لمراقبة الحدود مشتركة مع الأمم المتحدة للتأكد من نقل أي أسلحة إلى (داعش)».
ويقول الكاتب التركي نعمان آرالك لـ«الشرق الأوسط» إن قادة حزب العدالة والتنمية الحاكم وجدوا في تنظيم داعش حليفا موضوعيا، من دون أن يعني ذلك أنهما حليفان متكاملان، فهما امتلكا خصوما مشتركين، سواء في العراق أو في سوريا التي كان نظامها حليفا، قبل أن يصبح عدوا، كما أن لديهما عدوا آخر مشتركا هو التنظيمات الكردية في سوريا التي تخشى تركيا أن تؤثر نزعتها الاستقلالية على أكراد تركيا أنفسهم، فيما يهدد نفوذ هؤلاء مشروع دولة الخلافة لدى التنظيم. ويشير آرالك إلى الكثير من النقاط التي بدا فيها التقارب وثيقا بين الطرفين، من دون أن يعني ذلك تحوله حلفا، فالاستخبارات التركية تمتلك الكثير من قنوات الاتصال مع هذه المجموعات، والدليل على ذلك حادثة خطف الرهائن الأتراك في مقر القنصلية التركية في الموصل التي انتهت بطريقة غير مفهومة حتى الآن، وإن كان واضحا أنها تمت بالتراضي بين الطرفين. ويشير آرالك في المقابل إلى عدة مؤشرات على تدهور العلاقة مع التنظيم المتطرف، خصوصا عندما رضخت أنقرة للضغوط الدولية، والأميركية خصوصا، وبدأت في التشدد في منع عبور المقاتلين الأجانب إلى الأراضي السورية، ما جعل التنظيم يحذر أنقرة في أكثر من مناسبة. وأوضح أن التنظيم أرسل عدة «إنذارات» إلى تركيا قبل أن يضرب ضربته هذه.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».