بينما كانت الممثلة الفرنسية إيزابيل هوبير تقدم عرضها المنفرد في مهرجان «أفينيون» العالمي للمسرح، هبت عاصفة شمالية عنيفة لكنها لم تحل دون مواصلة الممثلة القديرة لقراءتها نصًا يعود للماركيز دو ساد. وبفضل صمود هوبير، لزم المشاهدون أماكنهم رغم التشويش الذي اعترى الصوت، فكلما صفرت الريح رفعت الممثلة من نبرتها لكي يسمعها آخر الموجودين في الصفوف الخلفية.
يحتفل المهرجان، هذا العام، بدورته 69، كما تحتفل فئة عروض «الخارج» بمرور 50 عامًا على فتح الباب أمامها لتقديم فنونها في أفينيون، المدينة التاريخية التي كانت مقرًا لبابوات الكنيسة الكاثوليكية في القرون الوسطى والشهيرة بجسرها الحجري القديم المذكور في أغنيات الأطفال. وفرق الخارج هي تلك التي لا تقدم عروضها على المسارح الرسمية الكبرى، بل تستأجر أي فسحة تصلح لتقديم عرض تمثيلي أو استعراض موسيقي. ويشتمل مهرجان هذا العام على 1336 عرضًا لفرق جاءت من كل القارات، بمشاركة ما مجموعه 8 آلاف فنان ما بين ممثل ومخرج وتقني. ولا يكتفي الممثلون بالوقوف على المسارح التقليدية، بل تتوزع العروض في الشوارع والساحات العامة والحدائق والمدارس وضفتي النهر. وبهذه المواصفات فإن المهرجان يعتبر فريدًا من نوعه وقد زاره أكثر من مليوني متفرج في الدورة السابقة.
وعودة على عرض إيزابيل هوبير الذي اعترضته ريح بسرعة 80 كيلومترا في الساعة مترافقة مع موجة برد مفاجئة، فإن الممثلة قرأت مقاطع متداخلة من نصين روائيين لماركيز دو ساد، الكاتب المتحرر الذي منح اسمه لمفهوم «السادية» بمعنى التمتع بتعذيب الجنس الآخر. وقد تولى عملية تقطيع ووصل النصوص الفيلسوف رافاييل أنتوفان، الشريك السابق لكارلا بروني ووالد طفلها الأول. وأنتجت العرض فرقة «زوار الليل» للمخرج الفرنسي أوليفييه غلوزمان. وقد كان لصوت الممثلة وقع خاص على نفوس جمهورها الذي يحفظ لها أدوارها التي لا تنسى في السينما. وقد تطابق أداؤها المتخفف المقرون بالشغف والحسية، مع صوتها الرقيق وقامتها النحيلة ومع الثوب الأحمر الزاهي الطويل الذي كانت ترتديه من توقيع «ديور»، مع حذاء صيفي ذهبي مرتفع، وكأنها حورية طالعة من أعماق الليل لتجسد صراعًا بين شخصيتين، طيبة وشريرة. وجدير بالذكر أن مدينة أفينيون غير بعيدة عن المناطق التي أقام فيها المؤلف والقصور التي تنقل بينها.
أمسكت الممثلة بنص المسرحية بيدها وكانت تقرأ منه بانفعال واهتمام مثل تلميذة مجتهدة تتعرف على نص مثير. ورغم أنها رفعت شعرها الأصهب خلف رأسها فإن خصلات منه كانت تتطاير بفعل الريح وتختلط مع الوريقات المتطايرة من النص المطبوع. ورغم أن المسرح المقام في الهواء الطلق احتشد بقرابة 2000 مقعد فإن كل الكراسي كانت مشغولة في تلك السهرة الاستثنائية، فالممثلة التي باتت مقلة في ظهورها على الشاشة الكبيرة، كانت على درجة عالية من النضج والثقة بالنفس بحيث بدت وكأنها تلهو وتتألق على المسرح، وهي متأكدة من سحرها على مستمعيها الذين جاءوا من أماكن ومدن بعيدة خصيصًا لها. وهي قد نجحت بالفعل، لا في شد الجمهور إليها، بل إنها هزّته ببعض العبارات الصريحة والصادمة الواردة في النص. إنه صراع شقيقتين تمثلان الخير مع الشر، تختبئان تحت جلد فنانة مبدعة استحقت أن تطلق الصحافة عليها، بعد هذا العرض، لقب «ملكة الساحة».
إيزابيل هوبير وفستانها الأحمر.. ملكة الساحة في «أفينيون»
المهرجان المسرحي الشهير قدم الممثلة الفرنسية في نص للماركيز دو ساد
إيزابيل هوبير وفستانها الأحمر.. ملكة الساحة في «أفينيون»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة