دبلوماسيون عرب: سعود الفيصل علامة فارقة في العمل الدبلوماسي

أشادوا بالدور الذي لعبه في اتفاق الطائف وأحداث مصر

صورة للأمير الراحل سعود الفيصل مع تركي الفيصل تعود لعام 2006 أمام البيت الأبيض عقب لقائه الرئيس الأميركي جورج بوش الابن حول الأحداث في لبنان آنذاك (غيتي)
صورة للأمير الراحل سعود الفيصل مع تركي الفيصل تعود لعام 2006 أمام البيت الأبيض عقب لقائه الرئيس الأميركي جورج بوش الابن حول الأحداث في لبنان آنذاك (غيتي)
TT
20

دبلوماسيون عرب: سعود الفيصل علامة فارقة في العمل الدبلوماسي

صورة للأمير الراحل سعود الفيصل مع تركي الفيصل تعود لعام 2006 أمام البيت الأبيض عقب لقائه الرئيس الأميركي جورج بوش الابن حول الأحداث في لبنان آنذاك (غيتي)
صورة للأمير الراحل سعود الفيصل مع تركي الفيصل تعود لعام 2006 أمام البيت الأبيض عقب لقائه الرئيس الأميركي جورج بوش الابن حول الأحداث في لبنان آنذاك (غيتي)

لعب الراحل الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي السابق «رحمه الله» دورًا محوريًا بحسب سفراء وسياسيين عرب، في جمع الشتات اللبناني ووقف الحرب الأهلية في مطلع الثمانينات من القرن الماضي، من خلال رحلاته ولقاءاته الدائمة مع القيادات السياسية في لبنان والتي نتج عنها اتفاق الطائف.
وأسهم اتفاق الطائف الذي جاء في أربع مواد نصت الأولى على تأكيد استقلال لبنان وهويتها العربية وشكلها السياسي كدولة جمهورية برلمانية ديمقراطية. فيما نصت المادة الثانية على حل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتعزيز قوى الأمن الداخلي والقوات المسلحة. أما المادة الثالثة فنصّت على تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، فيما أكدت المادة الأخيرة من الاتفاقية على تميز العلاقات اللبنانية السورية.
وقال عبد الستار عيسى، السفير اللبناني في السعودية، إن الأمير سعود الفيصل لعب دوراً كبيراً في الجهود التي أفضت إلى وضع حد للحرب اللبنانية بين 1975 و1990، خصوصًا مع التوصل إلى اتفاق الطائف في 1989 وهو الحدث التاريخي الذي لن ينساه التاريخ اللبناني. كما أشار إلى أن الشعب اللبناني يقدر الأمير الراحل ويعتبره من الأصدقاء المقربين والقريبين جدا، فهو موجود دائما في قلوب اللبنانيين وكان يعير اهتماما بالغا لكافة قضايا الأمة العربية والإسلامية وله مواقف تاريخية مشرفه. وتابع أن وفاته تعد خسارة كبيرة للعرب وأنه سيترك فراغًا كبيرًا على مستوى العمل العربي السياسي والإنساني.
كما أضاف السفير اللبناني أنه التقى بالراحل خلال تسليمه أوراق اعتماده سفيرا للبنان في السعودية، لافتا إلى أنه كان يحرص على خدمة القضايا العربية ويركز على أهمية العمل المشترك الفعال الذي يخدم كل الأطراف ويحقق النهوض للأمة على كل الأصعدة. وقدم عيسى التعازي إلى الحكومة السعودية والأسرة المالكة الكريمة في وفاة الأمير سعود، داعيًا الله أن يتغمد الفقيد برحمته ويسكنه فسيح جناته.
من جهته، أوضح عفيفي عبد الوهاب السفير المصري لدى السعودية، أن الأمير سعود الفيصل مدرسة سياسية ويشكل نبراسا ليس للسياسيين الحاليين فحسب، بل للأجيال القادمة وهو ميراث سياسي يجب أن يدرس. ويتابع: «الأمير سعود كان يتمتع بخيال واسع وذكاء حاد وحسن الفهم عند مواجهة القضايا السياسية الحساسة ويفهم كل التطورات والأحداث ويتابعها باهتمام ويتحدث في الوقت الصحيح ويوصل الرسالة الهامة عن الحدث وهو يعرف ما يقول».
ويضيف عبد الوهاب: «لقد كانت لدي فرصة التقاء الأمير الراحل عندما كنت مساعدًا لأمين جامعة الدول العربية ومبعوثًا دائمًا لمصر في الجامعة، حيث كنت أستمع لمداخلاته وأطروحاته حول القضايا العربية وكان يقدم دروسًا خلال إدارته تلك النقاشات بعمق ومن خلال فهمه للأحداث ونظرته البعيدة والكاشفة لحقيقة تلك القضايا والأحداث. وكان يساعده في ذلك المهارات التي يمتلكها من حكمة وحسن تصرف وإلمام بالتاريخ والثقافات واللغات مما جعل منه سياسيًا له دور بارز وعلامة فارقة في العمل السياسي والدبلوماسي. كما التقيت به مرة أخرى عندما عدت سفيرًا لمصر لدى السعودية وكان يحرص على دعوتي إلى منزله بعيدا على المقابلات الرسمية، حيث كان يفضل هذا النوع من اللقاء الذي يتسم عادة بالود والمحبة والأخوية لكنه لا يخلو من مناقشة قضايا الأمة العربية دائما».
كما أشار إلى أن الأمير سعود كانت له مواقف مشرفة مع مصر في أعقاب الأحداث السياسية في عام 2013، فهو داعم أساسي للقضايا والحقوق العربية، وهذا الأمر مشهود له على مدى مسيرته الحافلة بالنجاحات، مبينًا أن الأمير الراحل عاصر أهم الأحداث السياسية مثل الحرب العراقية الإيرانية والحرب على العراق وغيرها من القضايا التي كانت تشغل الرأي العام العربي والإسلامي.
من جانبه، أكد أدور ولد ببانه، قنصل موريتانيا وعميد المجموعة الأفريقية للقناصل العاملين في السعودية، أن الأمير سعود الفيصل كان مدرسة دبلوماسية تعلمت منها الأجيال، منوهًا بأن رحيله يعد خسارة للعالم العربي والإسلامي والسعودي على وجه الخصوص، ومبينًا أنه عاصر أهم الأحداث السياسية التي كانت تشغل الرأي العام العربي والإسلامي وأنه كان بغاية الحكمة في التعامل معها.
كما استحضر القنصل آخر لقاء جمعه برفقة سفير بلاده مع الأمير سعود الفيصل الذي كان في نهاية شهر أغسطس (آب) الماضي، مبينًا أن الأمير كان بشوشًا دومًا ومحبًا للجميع. كما أنه لا يزال يتذكر مخاطبته لهم بكلمات حانية، قوله: «موريتانيا بعيدة عنا وإنما تسكن الفكر والوجدان».
ومن جانبه، قال السفير عبد الله عالم، الأمين المساعد للشؤون السياسية في منظمة المؤتمر الإسلامي، إن: «مواقف الأمير سعود الفيصل كثيرة حيث عاصرته من خلال العمل في وزارة الخارجية خلال عدة عقود، فكان خير المعلم وأنار الطريق للعاملين معه وقد زرع حبه في قلوبهم بالبساطة التي كان يتمتع بها، فقد كان يردد دائما أنه يجب أن نقول الصراحة وندلي بآرائنا بكل ثقة ودون خوف. وقد تعلمت منه الكثير من الدروس، عندما عملت سفيرا للصومال، حيث كنت أريد أن أكتب ردا مخالفا حول إحدى القضايا السياسية وعندما ذهبت لمقابلته في الخارجية قال لي (هذا رأيك ويجب أن تكتبه بكل صراحة). وكان يشجعنا على ذلك دائما ويحب الموظف المنتج المخلص لوطنه وقد لمست منه تقديرا كبيرا للموظف المنتج. وإلى حزمه وجديته في العمل، كان الأمير مرحا ويفرض احترامه وتقديره».
وأضاف عالم: «نقدم التعزية لمقام خادم الحرمين الشريفين وولي عهده وإلى الأسرة المالكة والشعب السعودي في وفاة الأمير سعود رحمه الله»، لافتًا إلى أن «فقدانه خسارة كبيرة للوطن».
أما المحلل السياسي حسين القحطاني فقال إن: «شخصية الأمير سعود الفيصل تميزت بالدبلوماسية وكانت له بصمة خاصة تختلف عن بقية العاملين في المجال السياسي. فهو يعد من أفضل الوزراء الذين يحرصون على العمل بشفافية عالية مما انعكس بشكل لافت في كسب احترام العالم». ويتذكر القحطاني خلال حضوره لكثير من المؤتمرات الصحافية التي كان يعقدها الراحل أن لديه حجمًا كبيرًا من الشفافية في حديثه لوسائل الإعلام ويعطي المعلومات الدقيقة دون أي تضليل أو تحريف، وأنه كان يستمع لأسئلة الصحافيين في ذروة الأحداث ويطلع الرأي العام السعودي والعربي على ما يدور. كما أشار إلى أن الكثير من الدبلوماسيين يتحدثون عن شخصية الأمير الراحل بكل إعجاب ويعتبرونه من الشخصيات البارزة لتميزه في عمله السياسي.
ودعا القحطاني إلى ضرورة تبني إنشاء معهد دبلوماسي متخصص في تدريس الإرث السياسي الكبير الذي خلفه الأمير سعود الفيصل والكلمات والمواقف والأحداث والدروس المستفادة منه.



«الخارجية» الأميركية: مفاوضات الرياض جعلتنا أقرب إلى السلام

محادثات جدة بين الولايات المتحدة وأوكرانيا برعاية السعودية في 11 مارس 2025 (رويترز)
محادثات جدة بين الولايات المتحدة وأوكرانيا برعاية السعودية في 11 مارس 2025 (رويترز)
TT
20

«الخارجية» الأميركية: مفاوضات الرياض جعلتنا أقرب إلى السلام

محادثات جدة بين الولايات المتحدة وأوكرانيا برعاية السعودية في 11 مارس 2025 (رويترز)
محادثات جدة بين الولايات المتحدة وأوكرانيا برعاية السعودية في 11 مارس 2025 (رويترز)

قال مسؤول أميركي إن العالم أصبح أقرب من أي وقت مضى إلى التوصل لوقف إطلاق نار بين روسيا وأوكرانيا بعد مفاوضات الرياض، معبّراً عن تقديره للدور السعودي في دفع الجهود الدبلوماسية المستمرة.

وقال مايكل ميتشل، المتحدث الإقليمي لوزارة الخارجية الأميركية، لـ«الشرق الأوسط» إن الولايات المتحدة تعرب عن تقديرها للمملكة العربية السعودية على استضافتها لهذه المحادثات الهامة، وتؤكد التزامها بالعمل مع جميع الأطراف المعنية لتحقيق سلام دائم في أوكرانيا.

محادثات بين الوفدين الأميركي والأوكراني في «قصر الدرعية» بالرياض يوم 18 فبراير الماضي (رويترز)
محادثات بين الوفدين الأميركي والأوكراني في «قصر الدرعية» بالرياض يوم 18 فبراير الماضي (رويترز)

وتابع ميتشل أن الولايات المتحدة «شاركت بشكل فاعل في الجهود الدبلوماسية في الرياض، حيث أجرت فرقنا التفاوضية محادثات منفصلة مع كل من الممثلين الأوكرانيين والروس، بهدف التوصل إلى حلول عملية لخفض التصعيد وتحقيق وقف شامل لإطلاق النار».

تقدّم ملموس

أكّد ميتشل إحراز «تقدّم ملموس، حيث وافق الطرفان من حيث المبدأ على اتخاذ خطوات نحو الحد من الأعمال العدائية، لا سيما فيما يتعلق بحماية البنية التحتية للطاقة وأمن الملاحة في البحر الأسود»، مشدداً على التزام الولايات المتحدة بـ«تعزيز هذه المناقشات، وتوسيع نطاق الاتفاقيات لضمان حرية الملاحة وحماية المنشآت المدنية من الاستهداف».

ولفت ميتشل إلى أن الرئيس دونالد ترمب أوضح أن وقف القتال من كلا الجانبين هو «خطوة ضرورية نحو تحقيق حل طويل الأمد». وفيما أقرّ بأن «هناك المزيد من العمل المطلوب»، إلا أنه اعتبر «أننا أقرب من أي وقت مضى إلى التوصل إلى وقف لإطلاق النار، بفضل الجهود الدبلوماسية المستمرة». وأشار المسؤول إلى أن ترمب ووزير الخارجية ماركو روبيو شددا على أن التسوية التفاوضية هي المسار الوحيد القابل للتنفيذ، ويتطلب ذلك التزام جميع الأطراف بتقديم تنازلات صعبة.

وقال ميتشل: «شملت المناقشات مع الجانب الأوكراني، قضايا إنسانية مهمة، مثل تبادل أسرى الحرب، وجهود إعادة الأطفال الأوكرانيين المختطفين. كما تواصل الولايات المتحدة العمل مع شركائها الدوليين لضمان أمن أوكرانيا على المدى الطويل، بما في ذلك حماية بنيتها التحتية للطاقة واستقرار اقتصادها».

مايكل ميتشل المتحدث الإقليمي لوزارة الخارجية الأميركية (الخارجية الأميركية)
مايكل ميتشل المتحدث الإقليمي لوزارة الخارجية الأميركية (الخارجية الأميركية)

وأضاف ميتشل: «في الوقت نفسه تظل العقوبات الأميركية المفروضة على روسيا سارية المفعول، لكننا نبحث في آليات قد تشجع على خفض التصعيد، بشرط اتخاذ موسكو خطوات ملموسة نحو تحقيق سلام دائم. يظل هدفنا واضحاً: دعم سيادة أوكرانيا، والحفاظ على استقرار المنطقة، ومنع المزيد من إراقة الدماء».

نوافذ أمل

ولأكثر من ثلاثة أعوام، بدت الحرب الروسية - الأوكرانية، وكأنها في تصاعد مستمر تنذر باتّساع الحرب لتشمل أطرافاً خارجية. غير أن مفاوضات الرياض الأميركية - الروسية - الأوكرانية الأخيرة فتحت نافذة أمل نحو حلّ يُسكت أزيز الرصاص، ويوقف إراقة الدماء.

في هذا الصدد، قال الدكتور سعيد سلّام، مدير مركز «فيجن» للدراسات الاستراتيجية، إن «السعودية بذلت جهوداً لدفع الأطراف الأميركية والروسية والأوكرانية، على مدار ثلاثة أيام، لإيجاد مخرج للحرب الروسية - الأوكرانية». وأضاف في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «رغم بعض المؤشرات التي توحي بالتفاؤل، فإن التحليل الدقيق للوقائع يكشف عن صورة أكثر تعقيداً، حيث تلوح في الأفق بوادر تنازلات أميركية ربما تخدم المصالح الروسية على حساب المصالح الأوكرانية». واستدرك سلام: «ومع ذلك، أعتقد أن مفاوضات الرياض، تعدّ خطوة نحو الأمام، لإيجاد حل دبلوماسي للحرب. وتم التركيز في هذه الجولة على قضايا حساسة، مثل الضربات على البنية التحتية للطاقة، والأمن في البحر الأسود، بجانب إشراك الأمم المتحدة في العملية التفاوضية، وتبادل الأسرى واستعادة الأطفال الأوكرانيين المخطوفين في روسيا».