«الأنجلو المصرية».. أعرق وأقدم مكتبات مصر عمرها 87 عامًا

ملتقى العقاد وطه حسين ونجيب محفوظ وتتيح كتبها إلكترونيًا وتطبعها فوريًا

TT

«الأنجلو المصرية».. أعرق وأقدم مكتبات مصر عمرها 87 عامًا

هنا كان المفكر والأديب الكبير عباس العقاد يعقد ندوته الثقافية، وعلى مقعد خشبي وثير كان يتصفح ما ظفر به من روايات أجنبية وعربية وتعرف على فكر الفلاسفة الأوروبيين.. هنا كان مجلس طه حسين وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ ومريديهم وغيرهم من الكتاب، وهنا في 165 شارع محمد فريد بوسط القاهرة، حيث تقبع مكتبة «الأنجلو المصرية» منارة ثقافية لم تبارح مكانها منذ عام 1928، حينما أسسها رجل مصري مستنير يُدعى صبحي جريس، كان صديقا لجميع الكتاب والمفكرين المصريين.
للوهلة الأولى منذ دخولك المكتبة ستشعر بهيبتها كمحراب علم بطرازها الإنجليزي، حيث الأرفف الخشبية العالية الزاخرة والعامرة بآلاف الكتب والمراجع والموسوعات في شتى فروع المعرفة، كما ستدهشك حفاوة الترحاب والتقدير البالغين من قبل العاملين بالمكتبة الذين سوف يفسحون لك المجال لكي تتنقل كيفما شئت بين أرجاء المكتبة دون أي إزعاج.
إنها التقاليد التي أرساها مؤسسها صبحي جريس منذ أن شيدها في وقت كانت مصر فيه ترزح تحت وطأة الاحتلال البريطاني وتموج بالثقافات الأجنبية، ما بين الإنجليزية والفرنسية واليونانية والإيطالية.
كان جريس راهبًا في محراب «الأنجلو المصرية»، الكتب هي شغله الشاغل ليلا ونهارا. يعتني بأرفف المكتبة ويحرص على متابعة واستقدام كل ما هو جديد من المؤلفات الإنجليزية، قد تخصصت المكتبة في بيع الكتب الإنجليزية إلى جانب كتب الفكر والثقافة والأدب باللغة العربية، لذا أطلق عليها «الأنجلو المصرية». وكان يشجع ويتبنى كتابا مصريين وعربًا جددًا، منهم رشاد رشدي، ومحمد عناني، وماهر شفيق فريد، أصبح لهم صيتهم فيما بعد، وكان أول من نشر للكاتبة اليمنية أبكار السقاف، ابنه السياسي اليمني البارز حمد سعيد السقاف الذي شارك في الثورة العربية الكبرى مع الحسين بن علي سنة 1916، كان يحثهم على الكتابة والإبداع ويساند الباحثين ويوفر لهم كل ما يحتاجونه من مراجع، بل إنه كان أحيانا لا يقبل ثمن ما يحتاجونه من مراجع.
واستمرت المكتبة منهلا للباحثين وطلاب العلم كما أرادها دوما صبحي جريس، وحافظ على تلك الغاية السامية ابنه أمير، ومن بعده حفيداه فادي وكريم جريس.
يدير المكتبة حاليا حفيده، فادي صبحي جريس، وهو عضو لجنة الملكية الفكرية في اتحاد الكتاب العرب، الذي روى لـ«الشرق الأوسط» نتفا من تاريخ المكتبة الحافل قائلا:«كانت المكتبة رائدة في استيراد كتب الأدب الإنجليزي وأهم الروايات لكبار الأدباء البريطانيين والأميركيين، وكانت أكبر مكتبة للكتب الأجنبية في مصر، فضلا عن كونها بيت الكتاب الأكاديمي في مختلف المجالات».
ويضيف:«اشتهر جدي بالذاكرة القوية، وكان يحفظ أسماء آلاف الكتب التي تضمها مكتبته ويعرف محتوياتها وأماكنها بالتحديد. وكان الجميع ينادونه (بابا صبحي)، وتم تكريمه عدة مرات من دور كبرى دور النشر الإنجليزية والأميركية والفرنسية لدوره في توطيد الروابط العلمية والثقافية بين مصر وبينهم».
ويؤكد: «ارتبط جدي بعلاقات وطيدة مع كبار المفكرين والكتاب المصريين والعرب، وكان دوما مشغولا باستقبالهم في مكتبه، ويتناقش معهم حول الجديد في عالم الكتب وصناعة النشر، وربطته علاقة خاصة جدا مع عباس محمود العقاد، الذي كان يأتي يوميا من الساعة 10 إلى 12 ظهرا لتصفح الكتب والنقاش حولها مع جدي».
تلك الصداقة القوية بين جريس والعقاد عبر عنها جريس في تقديمه لكتاب (مع العقاد) لطاهر الجبلاوي الذي نشر بعد وفاة العقاد عام 1964. قائلا عنه: «كان الصديق الأول للكتاب.. وقد جمعتني به صداقة زهاء 40 عامًا (رحمه الله)، لا يخرج من بيته إلا ويلقاني ويطلع عندي على كل حديث ونفيس من الكتب، ويقضي بمكتبي فترة من الوقت أعدها من أسعد الأوقات.. كان يشع النور في جوانب نفسي، كلما رأيته مقبلا من باب المكتبة ويملأ قلبي بهجة وسرورًا».
ويتعجب الحفيد جريس من أحوال القراء حاليا وعزوفهم عن القراءة بنسب كبيرة أو توجههم للقراءة في تخصص بعينه، قائلا: «القارئ في الماضي كان قارئا موسوعيا، كان يقرأ في علم النفس والسياسة والطب والهندسة والعلوم الحيوية إلى جانب الروايات، أما الآن فلا يقبل الشباب إلا على الروايات فقط».
اصطحبني فادي جريس في جولة رائعة بين أركان المكتبة العتيقة التي حافظ على كل ركن فيها، كما هو منذ تأسيسها، فالمكتبة مقسمة لأقسام وفقا للعوم الإنسانية واللغوية والتطبيقية وغيرها، يحفل الطابق العلوي بالكتب والموسوعات الإنجليزية والأجنبية، وفي الطابق الأرضي الذي نزلنا إليه بسلم خشبي عتيق، هالني ما وجدت من كنوز من الكتب والموسوعات في مختلف المجالات تعود طبعاتها إلى منتصف القرن الماضي وبحالة ممتازة».
سوف تسرقك الساعات في تصفح كتب نشرتها «الأنجلو المصرية» للعقاد وزكي طليمات وطه حسين وأمير الشعراء أحمد شوقي، وإذا كنت من عشاق الأدب والمسرح فسوف تندهش من كم المسرحيات الأميركية والإنجليزية المترجمة، لشكسبير وهنري ميللر وكونجريث وأونيل وسارويان وأنوي وتنسي ويليمز وأمهات كتب الفلسفة لكبار الفلاسفة نيتشه وهيجل ودريدا وهايدجر، بجوارهم كتب قيمة عن الأدب الإغريقي واللاتيني والآداب العربية والفارسية والتركية، على الجانب الآخر استوقفني رف الكتب المتخصصة في الموسيقى والفن التشكيلي وعلم الصوتيات.
حقيقة وأنت في رحاب «الأنجلو المصرية» لن تستطيع مقاومة الجلوس ومطالعة ما تقع عليه عيناك من عناوين في مجالات التاريخ، والجغرافيا، وعلم النفس والاجتماع، والهندسة، والفلسفة، والسياسة والاقتصاد والعلوم الإدارية، وعلوم الزراعة والتربية، وغيرها من العلوم المتنوعة حتى اللغة الصينية واليابانية!
تعتبر «الأنجلو المصرية» بلا مبالغة رائدة المكتبات ودور النشر في الشرق الأوسط، وظلت مشهورة على مدار القرن الماضي بأنها المقصد الرئيسي للباحثين والعلماء للحصول على الكتب الأكاديمية والمراجع الرصينة والموسوعات، ولا تزال كذلك إلى جانب كونها تزخر بأفضل الروايات الكلاسيكية وكتب الأدب المقارن والنقد والبلاغة، فهي لا تزال على مر العقود تؤدي دورها في تغذية وإمداد أقسام الجامعات المصرية المختلفة بالكتب الدراسية للأكاديميين المصريين أو العرب، لتغطي احتياجات الطلاب والأكاديميين في مختلف المجالات.
أهم ما يميز «الأنجلو المصرية» أنها لم تكتفِ بالاتكاء على تاريخها العريق، وإنما واكبت التطور التكنولوجي في أوعية المعرفة، يقول فادي جريس: «كل إصدارات المكتبة يمكن تصفحها إلكترونيا، عبر تطبيق Anglo Egyptian على جميع الأجهزة اللوحية لتشجيع القراء على القراءة الإلكتروني. يمكن للقارئ الاطلاع على محتوى أي كتاب كاملا لمدة شهر بدولار واحد فقط، وهو أوفر له من تكلفة الذهاب لشراء الكتاب. كما يمكن عبر خدمة (افتح وتصفح) أن يختار القارئ باقة لأي فرع معرفي كعلم النفس مثلا، وتمكنه من الاطلاع على مئات الكتب في هذا المجال بحد أدنى 250 عنوانًا، وذلك بـ20 دولارًا فقط».
وما أثار إعجابي حقا هو وجود ماكينة طباعة حسب الطلب Print on Demand لدى «الأنجلو المصرية»، التي تتيح لك أي كتاب نفدت طبعته أو أصدرته «الأنجلو المصرية» بداية من عام 1928 بجودة أفضل من الطباعة التقليدية. وحينما سألت الحفيد جريس عن إمكانية الحصول على كتاب عباس العقاد «ألوان من القصة القصيرة في الأدب الأميركي»، الذي نفدت طباعته من القرن الماضي قال: «يمكننا بالطبع إعادة طباعة أي كتاب من إصداراتنا خلال أربعة أيام فقط».



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.