جوزيف سميث والمذهب الجديد

«جوزيف سميث»
«جوزيف سميث»
TT

جوزيف سميث والمذهب الجديد

«جوزيف سميث»
«جوزيف سميث»

أذكر جيدًا أنني دُعيت منذ سنوات ضمن مجموعة من الأكاديميين والساسة والدبلوماسيين وممثلي الديانات السماوية الثلاث إلى مؤتمر حول الأسرة والحفاظ على قيم الأسرة في عصر العولمة بجامعة «بريغهام يونغ» بولاية «يوتاه» الأميركية، وكانت بالنسبة لي رحلة عبر التاريخ والتراث الديني لم أكن أتوقعها. فمنذ أن ركبت الطائرة متوجهًا إلى مدينة «سالت ليك سيتي»، فقد استمعت إلى سلسلة من التعليقات من قبل رجل وزوجته حول المذهب «المورموني» في هذه المدينة الأخيرة وكيف أنهم مختلفون تمامًا عن باقي المسيحيين في الولايات المتحدة وبقيت مستمعًا إلى أن وصلت لمقصدي، حيث كان منظمو المؤتمر في انتظاري فذهبنا إلى موقع جامعة «بريغهام يونغ» بالسيارة. فاندهشت كثيرًا عندما علمت أن سائق السيارة كان يعمل مدير أمن الجامعة ولكنه يساعد في جهود المؤتمر بالعمل سائقًا بلا أي خجل أو تعالٍ، وفي اليوم التالي وعقب الإفطار توجهنا إلى مقر المؤتمر وعندما سُئلت عما يمكن أن يقدموه لي من مشروب طلبت قدحًا من القهوة أو الشاي، فإذا بالمضيفين ينظرون لي نظرة غريبة للغاية وقالت لي أحدهما «أنت مسلم لا تشرب الخمر، ونحن من المورمون مُحرم علينا الشاي والقهوة لمضارهما بالجسم». فشعرت بحرج شديد لعدم معرفتي بخلفية هذا المذهب، ولم يمضِ وقت طويل حتى سألت أحد المشاركين عن خلفية المذهب «المورموني» وما إذا كان جزءًا من الكنائس المعروفة، فكان الرد واضحًا وصريحًا.. فهم فئة منشقة تمامًا عن أي مذهب مسيحي وكل الكنائس لا تعترف بهم، وعند هذا الحد بدأت رحلة دامت قرابة ثلاثة أسابيع أقرأ فيها عن هذا المذهب المحافظ والذي ترفضه أغلبية المذاهب الأخرى.
لقد أسس هذا المذهب «جوزيف سميث» في مطلع القرن التاسع عشر في ولاية نيويورك الأميركية، حيث تشير كتب هذا المذهب إلى أنه تلقي الوحي من ملاك يدعى «مورموني» والذي أوحي إليه بمكان وجود ألواح ذهبية بها الكتاب المقدس الذي يروي قصة جماعة من قبائل القدس والتي نجاها الله قبيل الأسر البابلي في نهاية القرن السادس قبل الميلاد وذهب بهم إلى أميركا والتي كانت تُلقب بأرض الميعاد بالنسبة لهم، ويشير الكتاب إلى مجموعة من القبائل وحياتهم في وسط أميركا، وهو المكان الذي حددته الأبحاث الحديثة بمنطقة وسط أميركا بين المكسيك وغواتيمالا، ويشير الكتاب إلى أن السيد المسيح قد زار هذه القبائل خلال الفترة بين صلبه وفقًا للمعتقد المسيحي وقبيل بعثه مرة أخرى للصعود إلى السماء، وفي هذه الأيام نقل إليهم تعاليمه.
وتروي المصادر المورمونية أن «جوزيف سميث» بمجرد أن كشف عن هذه الألواح أتته القدرة على ترجمتها من اللغة المصرية القديمة التي كانت مكتوبة بها، وقام بقراءة الترجمة على حوارييه والذين دونوها، وبالفعل صدر الكتاب متكاملاً في عام 1829 وبدأ يغزو الأسواق الأميركية بعدها، وعلى الرغم من الاتساع النسبي لدائرة التابعين لجوزيف سميث في الولايات المتحدة، إلا أن الغالبية العظمى وجدت في كتابه وسيلة لاستفزاز مشاعرها الدينية المستقرة، ورفضوا قبول هذه الفكرة، وخاصة أن هذا المذهب كان يسمح بتعدد الزوجات وعدد من العادات الأخرى التي كانت غريبة عليهم، وهو ما استدعى محاربة الرجل ومذهبه ومتبعيه. وعندما اشتد الحال بهم، بدأ جوزيف سميث يفكر في الخروج من نيويورك والتوجه إلى الغرب بعدما بدأت تلاحقه القضايا والتحقيقات، وبالفعل بدأ يتحرك، ولكن ليس قبل أن يؤسس لمذهبه الجديد البناء الاقتصادي من خلال مجموعة من الشركات ومصرف لتمويل نشاطه، ولكن رحلته إلى الغرب لم تكن سهلة أبدًا وسط رفض المجتمعات لما مثله من انشقاق للمفاهيم المسيحية الراسخة، وهو ما أدى إلى ملاحقته باستمرار بالقضايا، وسجنه عدة مرات وفي إحدى هذه المرات خرجت الجموع إلى سجنه وقامت بقتله.
على الرغم من موت جوزيف سميث مؤسس المذهب المورموني، فإن مذهبه ظل حيًا من خلال أتباعه، فبعد موته حدث خلاف بين قيادات الكنيسة، فآلت القيادة إلى شخصية أخرى عرفت بالحزم والقوة وهو «بريغهام يونغ» والذي عمل في سلك التبشير في كندا ودول أخرى لجذب الأتباع لهذا المذهب الجديد، والزائر لمدينة سولت ليك سيتي سيجد تمثالاً كبيرًا لهذا الرجل وهو يبسط يديه أمامه في إشارة إلى أن هذه المدينة ستكون أرض الميعاد لهذه الطائفة الجديدة، وقد قاد هذا الرجل وفقًا لـ«المورمون» المؤمنين إلى أرض الميعاد في هذه المدينة الجديدة بعيدًا عن الاضطهاد والملاحقات المختلفة، وبالقرب من هذه المدينة شيدت جامعة حملت نفس اسم هذا الرجل، وقد كان «يونج» قوى العزيمة، حيث استطاع خلال قيادته لهذا الطائفة أن يحصل على تفويض من الرئيس الأميركي بإدارة ولاية «يوتاه» نيابة عنه ممسكًا بذلك بالشرعية الدينية وفقًا لأتباعه والشرعية السياسية وفقًا للدستور الأميركي، وقد تميز هذا الرجل بتحويل مدينة «يوتاه» إلى قوة اقتصادية وعلمية وفكرية جديدة، فكانت له قدراته التنظيمية المتميزة، وفي مجال المذهب المورموني، مثل الرجل قوة دفع كبيرة أنقذ بها هذا المذهب من التشرذم والتفتت واستطاع حشد القوة اللازمة لكنيسته، وهو بذلك المؤسس السياسي أو التنظيمي لهذا المذهب وفقًا لتاريخه، وحتى بعد موته في عام 1877 ظل المذهب المورموني محافظًا على قوته من خلال كنيسته وقياداتها المتتالية والتي يرى الكثيرون أنها كانت قيادة دينية إلى جانب كونها سياسية واجتماعية الطابع، ويقدر أصحاب هذا المذهب اليوم بقرابة خمسة عشر مليونًا.
وأذكر خلال مشاركتي في المؤتمر المشار إليه عليه أنني تحدثت مع كثير منهم للتعرف عن كثب عن طريقة حياتهم، خاصة ما أشيع حول تعدد الزوجات والإنجاب الكثير، فأوضحت المناقشات أن تعدد الزواج كان مسموحًا به، ولكنه حُرم وفقًا لقائد الكنيسة عام 1890، حيث رؤي ضرورة الاكتفاء بزوجة واحدة، ولكن على الرغم من ذلك فإن هناك مذاهب منشقة لا تزال تؤمن به وتجهر به في الولايات المتحدة على الرغم من معارضة ذلك للقانون، وهنا يكتفون بالزواج الأول بصيغته الرسمية وبالزيجات الأخرى بأشكال أخرى. كذلك فقد نظمت الكنيسة نفسها بشكل متميز للغاية لضمان بقاء المذهب بشكل عملي، فهي تتميز عن سائر الكنائس بعدد من المعايير والممارسات، أولها الاسم فهي في الولايات المتحدة والعالم معروفة باسم «كنيسة القديسين الأخرى» (Church of Latter Day Saints) لفصلها عن باقي الكنائس، وتنظيمها الداخلي مبني على أسس تصاعدية، ولا يسمح بدخول غير معتنقي المذهب بمجرد ترسيم الكنيسة. وتفرض الكنيسة على أتباعها التبرع بُعشر دخلهم السنوي، وهي بالتالي كنيسة ميسورة الحال مقارنة ببعض الكنائس الأخرى في الولايات المتحدة، ويضاف إلى ذلك أن لديها نوعًا من التجنيد التبشيري، حيث يفرض على الشباب في سن معينة التطوع للتبشير بالكنيسة في مناطق مختلفة من العالم، فضلاً عن كونها من أوائل المتقدمين بالمساعدات الإنسانية للمناطق المنكوبة في العالم حتى ولو بمساهمات ضئيلة.
ومع ذلك فإن هذه الكنيسة التي أسسها جوزيف سميث وعلى الرغم من انتشارها بشكل ملحوظ في الولايات المتحدة فإنها تمثل طائفة كثيرًا ما يحذر الأميركيون منها نظرًا لاختلاف معتقداتها، وكثيرًا ما أثرت في بعض السياسات الأميركية حتى على الرغم من أن أعداد هذه الطائفة تقدر عالميًا بقرابة خمسة عشر مليونًا.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».