ماذا نأكل اليوم؟ السؤال السرمدي الذي تطرحه المرأة على أهل الدار، يصبح ثانويًا في رمضان، رغم ما له من مدلولاته. فغالبًا ما نجد أن المقبلات ذاتها ستتكرر، مع تعديلات فيما يسمى الطبق الرئيسي الذي يتوسط السفرة، رغم أن هذا قد لا يكون هو الأهم، إذ لا يأتي دوره إلا متأخرًا، وبعد أن يكون الشبع قد نال من الجالسين حول الطاولة. فالمائدة اللبنانية عرفت باستمرار بمقبلاتها التي يصل عدد أنواعها إلى 120 صحنًا صغيرًا لكل منها مذاقه المختلف عن الآخر، فمن النقانق والسلاسل والنخاعات إلى الشنكليش والأجبان على أنواعها، كما المتبلات والمقليات بالزيت مثل اللوبياء والهندباء، كذلك ورق العنب بالزيت والكبيس على أنواعه، واللائحة تطول. وإن كانت هذه الصحون ذات الألوان والتزيينات المبتكرة لا تشغل سيدة الدار خلال الأشهر العادية، وفي الوجبات اليومية، ويكون التركيز على الطبق الرئيسي، وربما لا يكون غيره على الطاولة، فإن المقبلات في رمضان تصبح بمثابة ضرورة إفطارية لا يستغنى عنها، ولها الأولوية القصوى.
* المقبلات
* فإضافة إلى الحساء الذي يتنوع بين شوربة البندورة باللحم والشعيرية، أو شوربة الخضار، هناك أنواع من المقبلات تكاد تكون مشتركات على مائدة الإفطار اللبنانية، ومنها الكبة النيئة، وفتة الحمص باللبن، والفتوش أو التبولة، ومعها رقائق السنبوسك بالجبن أو اللحم أو الخضار، يضاف صحن الحمص المدقوق بالطحينة، وأحيانًا متبل الباذنجان، وربما صحن من الهندباء. والتركيز الكبير على صحن التبولة والفتوش على مائدة الإفطار، هو ما يرفع من أسعار باقات البقدونس والنعناع والخس، وباقي أنواع الخضار، بشكل مستمر في الشهر الفضيل، نظرًا للاستهلاك الكبير الذي يسجل لمكونات هذين الطبقين الرمضانيين، اللذين لا تخلو سفرة من أحدهما.
* رمضان بعيدا عن المحاشي
* وتقول سعاد التي لها ثلاثة أولاد أكبرهم في الخامسة عشرة، إنها لا تطبخ أيا من المأكولات التي يصاحبها الأرز، خلال رمضان، فلا مكان للفاصولياء أو الملوخية أو البامية بلحمة على المائدة خلال هذا الشهر أو حتى ورق العنب باللحم الذي يعرف بدسمه ويترك للعيد أو ما بعده. والبعض يبتعد عن المحاشي عمومًا مثل الكوسا أو الباذنجان المحشي نظرًا لثقله على المعدة. وتعتبر ناريمان أن مشكلة الطبق الرئيسي في رمضان، أنه لا يؤكل منه إلا القليل وفي اليوم التالي، لا يرغب فيه أحد، وبالتالي فإنه يهدر ويرمى، وهو ما ليس بمستحب. لذلك تلجأ ربات البيوت إلى طبخ طبق رئيسي لا يختلف كثيرًا، في الغالب، عن روح المقبلات نفسها. فيشيع أكل الكفتة أو شيش الطاووق، وربما اللازانيا، أو طبق صيني بالخضار، وربما الستيك، وهي أكلات تتناسب مع طبق البطاطا المقلية الذي غالبًا ما يزين السفرة. أما حين يطبخ الأرز فيفضله البعض مع الدجاج أو اللحم والمكسرات.
وبالتالي فإن سيدة المنزل اللبنانية، تعرف أن الأصعب ليس الطبخة الرئيسية التي ستوضع وسط الطاولة، ولن تمس إلا في نهاية المطاف، وقد لا يستهلك منها الكثير، وإنما في الأفكار الثانوية إذا صح التعبير، وفي الصحون الصغيرة التي ستزين السفرة، ويتناول كل فرد منها عدة لقيمات، لتشكل في النهاية إفطاره السعيد.
* أطباق أجنبية
* وهنا تتحدث هند عن صعوبة إيجاد أفكار جديدة في النصف الثاني من رمضان، حيث يصبح عليها أن تجد مقبلات مشهية لم تكن قد قدمتها من قبل، وتشرح بأنها تلجأ إلى بعض ما هو غير لبناني، مثل سبرينغ رولز أو السلطات ذات التتبيلات الإفرنجية التي تحتوي المايونيز والخردل وقد يذهب بها الأمر إلى الهمبرغر كطبق رئيسي حين تكون قد استنفدت كل مخيلتها في تصور أكل يمكن أن يغري من بلغ به الشبع مبلغه.
وإذا كانت المقبلات هي ملكة السفرة اللبنانية في رمضان أكثر من أي وقت آخر، فإن الحلويات تختلف أحيانًا من منطقة إلى أخرى، ولعل أهل طرابلس وصيدا هم الأشهر في هذا المجال، مع ميزة للأولى التي استطاعت أن تطور حلوياتها، لتصل بها إلى العالمية. وتعتبر الحلويات بالقشطة، مثل ورد الشام والقطايف صغيرة الحجم كما الكنافة والمفروكة، من أكثر الحلويات استهلاكًا في الشهر الفضيل. فيما يعتبر الجلاب والخرنوب، كما عصير التوت الذي شاع مؤخرًا من أقرب المشروبات إلى قلوب الصائمين.