لا تكتمل زيارة مدن الساحل اللازوردي، جنوب فرنسا، إلا بالتنزه في كورنيش مدينة «نيس» المطل على استدارة بحرية تسمى «خليج الملائكة». ويحمل الكورنيش الذي جرى البدء في تشييده قبل قرنين، تقريبا، لقب «نزهة الإنجليز» لأن التمويل جاء من الجالية الإنجليزية المرفهة التي كانت تعتبر «نيس» مشتى لها، ثم تحول إلى الوجهة المفضلة لاصطياف النخبة من السياح الآتين من الجزر البريطانية. وبسبب شهرة هذا الموقع وحولته التاريخية، يسعى عمدة المدينة كريستيان استروزي إلى إدراجه على قائمة «اليونيسكو» للتراث الإنساني العالمي.
ماذا تضيف القائمة لجادة سياحية تمتد بطول 7 كيلومترات، تحاذيها رمال الشاطئ ونوادي السباحة من جهة البحر، والفنادق والمطاعم الشهيرة من جهة المدينة؟ إن تصنيف الجادة كإرث وطني فرنسي يعني الحفاظ عليها من عبث المستثمرين ومحاولات تغيير معالمها الأساسية التي اشتهرت بها. كما أن إضافتها إلى قائمة اليونيسكو تضمن لها اهتماما مستمرا بصيانتها وحماية منشآتها. فالكورنيش ليس مجرد شارع يطل على البحر فحسب، بل هو شريان الحياة لمدينة «نيس»، خامس أكبر مدن فرنسا، وهو يتميز بطريق للسيارات من وجهتين، ورصيف عريض للمشاة، مرصوف بأرضية ذات لون بني، تتوزع عليها مقاعد الاستراحة والكراسي الحديدية المصبوغة باللون الأزرق البحري والتي أصبحت من العلامات الشهيرة للموقع ولمنتجعات الساحل الجنوبي.
أوائل القرن التاسع عشر كان الكورنيش عبارة عن ممر ترابي لا يزيد عرضه على المترين يدعى «ممر الإنجليز». وفي عام 1835 منح الملك شارل ألبير، عاهل سردينيا ودوق سافوا، لبلدية المدينة حق التصرف في الممر، فوضعت مشروعا لشق طريق جديدة واسعة بعرض 23 مترا، وعُهد إلى المهندس أنطوان شوفييه برسم مسارها الذي آلت إليه اليوم. وقد ابتدأت الأشغال في عام 1844 برفع الكورنيش عن سطح البحر بارتفاع 5 أمتار. ومع السنوات تم استكمال المشروع وأضيفت 11 مترا لعرض الكورنيش.
كان المشروع أول منشأة للتخطيط المديني في فرنسا يركز على الترويج للهو البحري. ومع ازدهار الحركة السياحية في «جادة الإنجليز» خلال القرن العشرين، بدأت المنازل المطلة عليها، ذات الحدائق المزهرة، في الاختفاء تاركة المكان لقصور فخمة وفنادق حصلت على شهرة عالمية، أهمها «نيغريسكو» الذي أقام فيه عدد من أصحاب التيجان والأمراء وكبار السياسيين والفنانين. وكعادة المدن الكبيرة والمنتجعات المزدحمة، تشكو «جادة الإنجليز» حاليا من اختناقات المرور في بعض مناطقها، رغم أنها تتألف من طريقين للذهاب وطريقين للإياب، لا سيما بعد أن تحولت إلى نقطة جذب للسياح العابرين ما بين منتجع «كان» وإمارة موناكو.
لضمان دخول قائمة اليونيسكو شكل عمدة المدينة «لجنة عرابين» لدعم حملة إدراج «نزهة الإنجليز» فيها، وتتألف من شخصيات فنية وثقافية واجتماعية معروفة، برئاسة وزير الثقافة السابق جان جاك أغيون. فهذا الموقع صار رمزا لـ«نيس» ينافس في شهرته شاطئ «كوباكابانا» في مدينة ريو البرازيلية و«ماليكون» في العاصمة الكوبية هافانا و«شاطئ فينيس» في مدينة لوس أنجليس الأميركية. والملف الآن هو بعهدة الحكومة الاشتراكية ووزيرة ثقافتها فلور بيلران. فهل يدعم الاشتراكيون مشروعا يتبناه عمدة «نيس» النائب أستروزي، أحد غلاة معسكر اليمين وأشد أنصار الرئيس السابق ساركوزي؟
يذكر أن هناك 35 موقعا فرنسيا على لائحة اليونيسكو للتراث الإنساني، بينها 4 كاتدرائيات وجبل «سان ميشال» وقصر «فيرساي» وحدائقه والمركز التاريخي لمدينة أفينيون، دون أن يكون بينها أي مرفق يقع على الساحل الجنوبي.
جهود لضم «نزهة الإنجليز» في «نيس» إلى قائمة التراث العالمي
تطل على «خليج الملائكة» وتعتبر أجمل كورنيش في فرنسا
جهود لضم «نزهة الإنجليز» في «نيس» إلى قائمة التراث العالمي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة