في بداية الثمانينات أراد صدام حسين تغيير اسم شارع «أبو نؤاس» إلى الشارع العباسي أو أي اسم آخر باعتبار أن أبا نؤاس شاعر فارسي، لكن الكاتب والناقد جبرا إبراهيم جبرا أوضح له وأمام حشد من المثقفين والسياسيين أن الشاعر أبا نؤاس شاعر عربي، ونشأ ببغداد وتتلمذ على على يد علماء بغداد في عصر نهضة الحضارة العباسية وقال كل شعره بالعربية، وأضاف جبرا «أينما أذهب في العالم يسألونني عن شارع (أبو نؤاس) كونه علامة حضارية من علامات بغداد فرد عليه صدام حسين بأنه اقترح تغيير اسم الشارع ولم يأمر وشكر جبرا لملاحظاته وأبقى على اسم الشاعر وتمثاله الذي نحته الفنان الراحل إسماعيل فتاح الترك عام 1972، تخليدا لأحد أشهر شعراء العصر العباسي عاش وتوفى في بغداد سنة 198 هجرية».
اليوم تشن حملة «متخلفة» لتهديم تمثال الشاعر أبي نؤاس، حيث تم تخريب قاعدته واقتلاع اللوحات النحاسية المنحوتة التي تعرف به وبالفنان الذي أبدعه دون أن تحرك وزارة الثقافة أو أمانة بغداد أي ساكن. وكانت أمانة بغداد ذاتها ووزارة الثقافة لم تستطيعا إيقاف تهديم الكثير من النصب والتماثيل بعد 2003، بحجة أنها ترمز أو تمثل النظام السابق، مثل نصب المسيرة للنحات خالد الرحال، أو حماية تمثال أبو جعفر المنصور باني بغداد، للرحال أيضا «لأسباب طائفية»، كما لم يتم الاعتراض على تهديم نصب اللقاء للفنان الدكتور علاء بشير، بل إن عمليات التخريب والتهديم تمت بمباركة رسمية، وكانت هناك محاولة لتهديم نصب النسور للنحات ميران السعدي في جانب الكرخ من بغداد.
أمانة بغداد فندت، يوم أمس، ما سمته بـ«الإشاعات» التي تداولتها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، بشأن هدم أهم نصب يتوسط شوارعها تمثال الشاعر (أبي نؤاس)، وتغيير اسم الشارع الذي يحمل اسمه إلى تسمية جديدة، تماما مثلما أراد أن يفعله الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، الأمر الذي عده ناشطون ومثقفون عراقيون مظهرًا آخر لمشروع تخريب حضارة وادي الرافدين العريقة، وعمل يشابه أعمال «داعش» الإرهابية.
ويقع نصب الشاعر أبي نؤاس على ضفاف نهر دجلة من جانب الرصافة وفي الشارع الذي حمل اسمه منذ عقود طويلة وقبل وضع التمثال، ويتوسط أحد أهم وأكبر حدائقه، سمي هذا الشارع على اسم الشاعر أبي نؤاس تخليدا له، ويحمل النصب وساحته علامة مميزة في الذاكرة العراقية وذكرياتهم وطقوسهم الإنسانية والتاريخية.
المثير في قضية التمثال أن ناشطين ومثقفين تداولوا على صفحات التواصل الاجتماعي صورًا جديدة له وهو يعاني الإهمال والتخريب في بدنه وقاعدته وسرقة لوحاته التعريفية المصنوعة من النحاس، وأكدوا أن إهماله من قبل الجهات المختصة بداية لأجل الشروع بهدمه ومن ثم تغيير اسم الشارع الذي يحمل اسمه.
تقول الفنانة والناشطة وجد طوفان في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «هذا النصب الجميل يتعرض منذ 5 أشهر إلى عملية قرصنة مقصودة بدأت تدريجيًا بحجة واهية أﻻ وهي (الترميم)، ولكن القضية أكبر من ذلك بكثير، والآن سرقت جميع الألواح المعدنية التعريفية للتمثال».
واستغربت طوفان من صمت الجهات المعنية للإضرار التي تعرض لها التمثال وكذلك المعالم الجمالية في البلاد، وقالت: «أتخيل أن يد (داعش) التخريبية موجودة في بغداد وبإمكانها أن تحطم حتى أحلامنا».
وطالبت الإعلامية حذام يوسف منظمات المجتمع المدني والحكومة بوقف تهديم وتخريب النصب والتماثيل المهمة في العاصمة كونها ترتبط بالذاكرة الشعبية للعراقيين، ووصفت المتفرجين على تواصل تخريبها بـ«داعش» جدد يعيثون في البلاد الخراب. بينما دعا الإعلامي والشاعر أحمد عبد الحسين المثقفين ومحبي أبي نؤاس إلى التجمع أمام النصب مساء كل يوم وقراءة أشعاره كجزء من حملة الحفاظ عليه واستنهاض الجهات المعنية لأجل حمايته وتأهيله. بدورها ردت أمانة بغداد على المشككين ومطلقي الحملة بألا أساس لها من الصحة، وأنها وجهت دوائرها الخدمية لأجل الشروع بإصلاح ما أصابه من أضرار.
وقال حكيم عبد الزهرة الناطق الإعلامي للأمانة في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «سبق أن قمنا بتطوير كل النصب والتماثيل في بغداد، بالتعاون مع خبراء ومختصين في وزارة الثقافة العراقية، واستغربنا من حملة نشطاء ووسائل إعلام تروج لنية الحكومة أو العاملين في الأمانة إزالة النصب أو تغيير اسم الشارع، إذ لا صحة لكل تلك الشائعات، وقمنا بنقل صور الأضرار التي أصابته وسنشرع بالقيام بعمليات صيانة قاعدته من جديد، ومخاطبة وزارة الثقافة للشروع بتكليف مختصين لتأهيل بدنه».
وأضاف: «كنا معنيين بالأمس بصيانة كل النصب والتماثيل في بغداد، لكن كتابًا رسميًا وردنا قبل عام تقريبا من وزارة الثقافة بشأن قيامها بهذه المهمة كونها المعنية بالأمر وكان لهم ما يريدون، لكن يبدو أنهم لم ينجزوا مهامهم بالصورة المطلوبة، وذلك ما نلاحظه في موضوع نصب ساحة الفردوس الذي أحيل لهم، ولكن ورغم مرور أكثر من ثلاث سنوات ما زال خرابة، وشوه كثيرا من وجه بغداد».
وأكد: «وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي أحيانا تقوم بتضخيم الأمور وتهويلها والتصديق بالأكاذيب دون التأكد من الجهات الرسمية، وزارة الثقافة العراقية أكدت عزمها على صيانة التمثال بالتعاون مع أمانة بغداد في حال طلبوا ذلك»، وقال الدكتور شفيق المهدي مدير عام دائرة الفنون التشكيلية في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «تابعنا بألم الأضرار التي أصابت التمثال وسرقة لوحاته التعريفية عبر الصور التي تداولتها مواقع التواصل الاجتماعي ونحن مستعدون لأجل ترميمه وصيانته من قبل مختصين وخبراء في فنون النحت والتماثيل بعد أن تطلب منا الأمانة ذلك».
وحول إشاعات هدمه وتغيير اسم الشارع القريب منه، قال: «نرفض ذلك جملة وتفصيلا، كونه شاعرا بغداديا يرتبط شعره بعصر نهضة الشعر العربي، اشتهر بصوفياته كما اشتهر بخمرياته، وأي إساءة له، أو للشارع الذي يحمل اسمه تعني الإساءة لتأريخ بغداد وعراقتها، وسنقف بالضد منها».
الشاعر أبو نؤاس يستغيث بأمانة بغداد ووزارة الثقافة لإنقاذه من التخريب
بعد تهديم نصبي المسيرة واللقاء.. وتفجير تمثال المنصور ببغداد
الشاعر أبو نؤاس يستغيث بأمانة بغداد ووزارة الثقافة لإنقاذه من التخريب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة