أظهر الطالب التونسي الذي قتل 39 سائحا بفندق على شاطئ مدينة سوسة التونسية يوم الجمعة، والذي اتصف بالانعزالية والصمت، علامات التطرف خلال العام الماضي، إلا أنه أخفى نواياه الحقيقية، حسب أقاربه وجيرانه، وزملائه الطلبة على صفحة الـ«فيسبوك».
وأفادت عائلة الطالب سيف الدين الرزقي بأن عمره الحقيقي كان 24 عاما، في تصحيح لتقارير سابقة ذكرت فيها عمرا أقل من ذلك. وقال أقارب سيف الدين إنه بدا طبيعيا تماما عند عودته مساء الخميس لبيت أبيه في بلدة جعفور الريفية، وإنه عندما غادر البيت صباح الجمعة قال إنه ذاهب للصلاة في المسجد.
«لا نعرف كيف حدث هذا»، حسب إفادة جده محمد بن صغير (86 عاما)، الذي وقف متكئا على عصاه ليستقبل المعزين يوم الأحد. وأضاف «حاول كل أبنائي أن يكونوا مثلي ومثل أسلافي، فقد تربينا على الاحترام المتبادل وعلى احترام المبادئ».
وفي تلك اللحظات، وصل إلى البيت حكيم الرزقي، أبو سيف، وهو رجل قوي البنية بدا عليه الحزن بينما يحتضنه أحد جيرانه. وخضع حكيم الرزقي وزوجته وابنته المراهقة للاستجواب من قبل الشرطة على مدار 48 ساعة. «فقد ابني حياته ودراسته ومستقبله، وجعلنا نفقد مستقبلنا كذلك»، حسب الأب الذي غالب دموعه وأمسك رأسه في أسى، مضيفا «ليته ما فعل ذلك بنا».
وقال الأب إنه لا يعرف الدافع وراء الهجوم المسلح الذي قام به ابنه على فندق «إمبريال مرحبا» بمدينة سوسة الساحلية التي تبعد عن بلدتهم نحو ساعتين بالسيارة. وأضاف «لا أعرف أصدقاءه، ولا نعرف من وضع هذا الفكر في رأسه، لكنهم بالتأكيد أدركوا أنه من أفضل الطلاب وجروه إلى ذلك. لا أعرف، الكل يعرف أنه كان دوما بعيدا عن المشاكل».
وأصر الأقارب والجيران الذين تجمعوا في البيت ذي اللون الأبيض على أن سيف الدين الرزقي الذي لقي مصرعه برصاص الشرطة كان إنسانا عاديا ويلعب كرة القدم عندما يعود لبلدته في إجازة من الكلية، وأنه كان يتجول في البلدة ويجلس على المقهى ويحيي الناس في الشارع.
وقال رشيد، مدرس بنفس المدرسة التي درس فيها سيف الدين قبل دخوله الجامعة «لقد أصابتنا الدهشة والذهول»، وطلب رشيد عدم ذكر اسم عائلته بسبب اهتمام الشرطة الكبير بالحادث وكذلك من أجل مراعاة مشاعر عائلة سيف الدين.
وأفاد الجيران بأن عائلة سيف الدين فقيرة، حيث إن الجد يعمل مزارعا، بينما يعمل الأب عاملا بالسكك الحديدية والأم تبيع الخبز. وقالت واحدة من الجيران إن لسيف الدين ثلاثة أشقاء أحدهم أصغر منه، وقد مات عندما ضربته صاعقة منذ نحو ست سنوات، والأصغر عمره خمس سنوات ومصاب بمرض التوحد.
وبدا سيف الدين ناجحا في حياته، حيث رحل ليكمل دراسته في مدينه القيروان العريقة، وحصل على مؤهل فني، قبل أن يلتحق ببرنامج للحصول على درجة الماجستير هناك، واستأجر شقة مع طلاب آخرين وكان يعود لبلدته لقضاء العطلات وسط عائلته.
وأفاد العديد من الجيران بأن سيف الدين انضم كغيره من الشباب لفريق الـ«بريك دانس» بمدينه جعفور، إلا أنه أبدى اهتماما بالدين أثناء دراسته بالكلية. «اعتاد سيف الدين ممارسة رقصة البريك دانس منذ نحو خمس أو ست سنوات»، حسب كمال جبلي (39 عاما)، الذي أضاف أنه «لم يكن يصلي طول السنوات الماضية، ربما بدأ الصلاة منذ عامين فقط». أردف جبلي أن سيف الدين لم يكن يرتدي زي المتشددين، ولم يكن يمارس عاداتهم. بيد أن صفحته على الـ«فيسبوك» أظهرت ميلا للتطرف، فصفحته الرئيسية تضمنت شعار فريقه المفضل لكرة القدم «النادي الأفريقي» إلا أن الصفحة تضمنت كذلك شعار «داعش» الذي وضعه كصورة رئيسية في يونيو (حزيران) 2014، قبل أن تُحذف الصفحة السبت الماضي.
وحملت آخر تعليقاته على صفحته على الـ«فيسبوك» في 31 ديسمبر (كانون الأول) هجوما على احتفال رأس السنة باعتباره عيدا للكفار لا يجب على المسلمين الاحتفال به، حسب كونور ماكروميك كافانغ، منسق مركز الركن الأميركي الثقافي في تونس، الذي كان آخر من شاهد صفحة سيف الدين قبل حذفها. وأضاف أنه كان من الغريب أن يعلن سيف الدين عن تأييده لـ«داعش» على الملأ دون أن يلحظ ذلك أحد.
وقال الجيران والأصدقاء إن تغيرا طرأ على سيف الدين أثناء دراسته في الكلية في القيروان أو عن طريق الناس الذي قابلهم هناك. فمدينة القيروان مليئة بالأضرحة والمساجد وأصبحت قبلة للحركة السلفية المتشددة وأنصار الشريعة منذ قيام ثورات الربيع العربي في 2011. وبعد حظر نشاط جماعة أنصار الشريعة ألقي القبض على العديد من أعضائها وفر الكثيرون للخارج، واستمرت السلطات التونسية في الكشف عن شبكات المتشددين داخل البلاد.
«أعتقد أنه لو كان بقي هنا لكانت الأمور على ما يرام»، حسب جبالي. بيد أن رشيد، مدرس سيف الدين خلال المرحلة الابتدائية، أشار إلى أن «مشكلات سيف الدين ربما كانت أعمق من ذلك. فقبل رحيله وعندما كان يدرُس الـ(بريك دانس)، كان ودودا جدا ومحترما مثل باقي أفراد عائلته. إلا أننا لاحظنا في الفترة الأخيرة ميله للعزلة حتى في المقهى، وكانت تصرفاته غريبة، ربما كان بسبب خلفيته الاجتماعية ومشكلاته مع عائلته ومع أصدقائه».
وفي بلدة القرقبية القريبة من القيروان حيث درس وعاش سيف الدين فترة دراسته بالكلية، وصف الناس سيف الدين بالشخص الهادئ المنطوي، إلا أن أحدا لم يلحظ عليه علامات التطرف.
وأفاد العاملون في المخبز المجاور لشقة سيف الدين بأنه كان عادة يأتي لشراء الخبز، مضيفا «لقد عرفناه عندما رأينا صورته في التلفزيون» في إشارة إلى الصور التي بثها الإعلام لشخص مسلح يهاجم فندقا باستخدام بندقية آلية، بينما قال عامل آخر بالمخبز إنه رآه «يسير على البحر كنجم سينمائي». وأفاد وليد، الذي يعمل بالمخبر منذ عشر سنوات، بأن سيف الدين عاش بالبلدة مع طلاب آخرين لمدة عام، وأنه «صُدم عندما اكتشف أنه هو من فعل ذلك. لم يكن يتكلم كثيرا لكنه لم يرتكب أي خطأ هنا، وإلا لكانت الشرطة ألقت القبض عليه. لم يرتكب أيا منهم خطأ».
* خدمة «نيويورك تايمز»