تعتبر زيارة ارة الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع إلى باريس محطة مهمة في العلاقات السعودية - الفرنسية المبنية على المصالح المشتركة والصداقة التاريخية بين البلدين. وحيث تعد فرنسا من أوائل الدول التي أعلنت اعترافها بالسعودية، بعد إعلان تأسيسها عام 1926، ومعه كسبت الدولة الناشئة وفي ظل ظروف بالغة الصعوبة عالميًا في مختلف المجالات، دولة لها ثقلها العالمي سياسيا، ونافذة ثقافية مؤثرة، فقد كانت باريس محطة للسياسيين، وقبلة للسائحين، ومنارة للمثقفين.
وتاريخيا، سعت فرنسا إلى منافسة المصالح البريطانية والإيطالية في الجزيرة العربية، وإلى الهيمنة على أجزاء مترامية الأطراف من المنطقة العربية، وعملت من أجل ذلك على مراقبة شؤون الحجاز بتعيين بعثة دبلوماسية فرنسية في جدة منذ عام 1825، ليتسنى لها متابعة كل ما يجري في الجزيرة العربية، ولترعى شؤون رعاياها من المسلمين الذين يقصدون البقاع المقدسة بأعداد كبيرة خلال موسم الحج، وازداد الاهتمام بعد نجاح قوات الملك عبد العزيز في الدخول إلى مكة المكرمة عام 1924، ثم دخول جدة بعد عام، حيث رأت فرنسا أن جهود الملك عبد العزيز آل سعود لتوحيد الجزيرة العربية لا تمثل حدثًا محليًا فحسب، وإنما تشير إلى وجود قوة سياسية عازمة على تلمس طريقها نحو توحيد معظم المناطق في الجزيرة العربية، لذلك سارعت للاتصال به، وإلى عقد معاهدات واتفاقات معه، كما راجعت أهدافها في المشرق العربي ووضعت خططًا استراتيجية جديدة لسياسة فرنسية جديدة خاصة في الجزيرة العربية
وفي تناوله لإحدى الوثائق الخاصة بالعلاقات السعودية الفرنسية أوضح الباحث المنذر بن عبد اللطيف سوقير من مكتبة الملك فهد الوطنية، أن فرنسا بعد أن نجحت في التوقيع مع حكومة مملكة الحجاز وسلطنة نجد وملحقاتها على معاهدة حسن الجوار باسم سوريا، في 19 مارس (آذار) 1926، صدر تقرير سري عن دائرة الاستعلامات التابعة لهيئة الأركان الحربية الفرنسية عام 1927، ينتقد «انعدام محاولات التقارب والتفاوض الفرنسي مع الملك عبد العزيز آل سعود»، ويرى كاتب التقرير أن ذلك ليس من مصلحة فرنسا وآلاف المسلمين من رعاياها (حيث كانت فرنسا تروج لنفسها بأنها القوة الإسلامية العظمى)، ويخلص إلى القول: «إن الجولات التي تنفذها بانتظام سفن الفرقة البحرية الفرنسية في المشرق تمثل فرصة الاحتكاك الوحيدة لفرنسا في موانئ البحر الأحمر، إلا أن زيارات المجاملة هذه لم تؤد بعد إلى تحقيق نتيجة تذكر».
وأضاف الباحث سوقير: «لتفادي تلك النقائص عينت وزارة الخارجية الفرنسية جاك روجيه ميغريه ممثلاً لها في جدة بعد أن أثبت كفاءته المهنية طيلة السنوات السبع التي قضاها قنصلاً لفرنسا في بغداد ثم وكيلاً للقنصلية في جدة، ثم مندوبًا فوق العادة ووزيرا مفوضًا، فوزيرا مقيمًا، وذلك قبل أن يشغل وظيفة مندوب حكومة فرنسا الحرة في جدة خلال السنوات من 1942 إلى 1945، وقد عمل هذا الدبلوماسي المحنك بجد، في أداء مهامه لضمان علاقات جيدة بين بلاده والسعودية، وكتب ميغريه عام 1943 بتكليف من اللجنة الوطنية الفرنسية تقريرًا لخص فيه نتائج خبرته المهنية وسنوات عمله الطويلة في المملكة مسلطًا الأضواء على الكثير من المسائل التاريخية والموضوعية التي تعود إلى تاريخ الدولة السعودية الأولى، حيث كشف عن اتصالات بين نابليون بونابرت والإمام سعود الكبير موردًا على لسان الملك عبد العزيز حصول هذه الاتصالات من خلال مصادر دبلوماسية ذكرت أن نابليون كلف في نهاية عام 1811 أحد جنوده ويدعى دي لاسكارس لزيارة الدرعية ومقابلة الإمام سعود الكبير لحثه على التحالف معه لضرب النفوذ البريطاني في الهند، وذلك بغزو ولاية الشام التي كانت خاضعة في ذلك الوقت للنفوذ العثماني، وتضيف تلك المصادر أيضا أن دي لاسكارس ارتبط بعلاقة صداقة مع شخص حلبي يدعى فتح الله الصايغ وطلب منه أن يساعده على تحقيق تلك المهمة التي كلف بها بعد أن وثق به وتعلم على يديه اللغة العربية إلا أن فشل نابليون في غزو روسيا عام 1812 أفشل ذلك الاتصال السعودي الفرنسي، واطلع ميغريه على أن الملك عبد العزيز كان يتمتع بثقافة موسوعية متصلة بالتاريخ الحافل بالإنجازات لآبائه وأجداده الذين كانوا - منذ عهد الدولة السعودية الأولى - متفتحين على محيطهم الخارجي ويسعون إلى عقد التحالفات والتعامل مع الأحداث والقوى السياسية الفاعلة في ذلك الوقت لحكمة واقتدار وقدم ميغريه في التقرير بعض المعطيات الجغرافية والإدارية وبعض الجوانب المتعلقة بالتركيبة السكانية للمملكة، بالإضافة إلى حالة بنيتها الأساسية وتطور قطاعاتها الإنتاجية والتجارية خلال الحرب العالمية الثانية
وتعد زيارة الملك فيصل بن عبد العزيز إلى فرنسا عام 1967، تطورًا في العلاقة بين البلدين، حيث بحث الملك فيصل مع الرئيس شارل ديغول دعم هذه العلاقة وتعزيزها لتشمل مجالات أرحب بما يحقق المصالح المشتركة، كما قام حكام الدولة السعودية بزيارة إلى فرنسا وبادلهم الرؤساء الفرنسيون الزيارة ذاتها. وارتبط البلدان بعلاقات اقتصادية وثقافية حيث تمثل فرنسا المستثمر الثالث في السعودية. كما نظم البلدان معارض متبادلة، حيث افتتح الملك سلمان بن عبد العزيز عندما كان أميرا للرياض معرض المملكة بين الأمس واليوم في عام 1986.
وستشكل زيارة الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز إلى فرنسا إضافة في نمو تطور العلاقات بين البلدين الصديقين حيث سيلتقي القادة وكبار المسؤولين الفرنسيين.
وكان الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز قد التقى في أبوظبي فبراير (شباط) الماضي وزير الدفاع الفرنسي جان ايف لو دريا وذلك على هامش انعقاد معرض ومؤتمر الدفاع الدولي الثاني عشر آيدكس 2015 وجرى خلال اللقاء استعراض علاقات التعاون المثمرة بين البلدين الصديقين وسبل دعمها وتعزيزها، وتسلم رسالة منه سلمها سفير فرنسا لدى المملكة براتران بزانسنو خلال استقباله في مكتبه بالرياض في مارس الماضي، كما التقى الأمير محمد بن سلمان وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس والوفد المرافق له، وجرى خلال اللقاء استعراض أوجه العلاقات الثنائية بين المملكة وفرنسا ومجالات التعاون في مستجدات الأحداث في المنطقة.، كما تسلم الأمير، رسالة من وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان.
وفي مايو (أيار) الماضي التقى الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز في قصر الدرعية للمؤتمرات بالرياض الرئيس فرنسوا هولاند رئيس الجمهورية الفرنسية، وجرى خلال اللقاء استعراض العلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين وسبل دعمها وتطويرها في مختلف المجالات وخاصة الجانب الدفاعي، بالإضافة إلى بحث تطورات الأوضاع في المنطقة.
ويأتي استقبال الرئيس هولاند لولي ولي العهد السعودي للتأكيد على العلاقات التاريخية بين البلدين وبحث أطر توسيع تلك العلاقات، بناء على تاريخ الصداقة والمصالح المشتركة.
فرنسا والسعودية.. علاقات تاريخية مبنية على المصالح والصداقة
فرنسا والسعودية.. علاقات تاريخية مبنية على المصالح والصداقة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة