تحت شعار «أفكار للتغيير» ينتظم بينالي فيينا الأول في الفترة من 11 يونيو (حزيران) إلى 4 أكتوبر (تشرين الأول) 2015 بتعاون مشترك بين متحف الفنون التطبيقية «ماك» وصالة الفنون «الكونست هالة» وجامعة الفنون التطبيقية «الانغفانتا» ومركز الهندسة المعمارية ومتحف الفنون الحديثة بنيويورك.
يتميز بينالي فيينا بمحاولته التوحيد بين الفن والهندسة المعمارية والتصميم في ظل الحداثة والتقنية الرقمية، وعلى عكس السائد في «البيناليات» عادة لن ينتظم بينالي فيينا في أجنحة تخصص لمشاركات دولية تعرض فيها دول وحكومات فنون فنانيها وإنما يزخر بمشاركات عالمية فردية.
هذا وتزدان شوارع فيينا بدعايات وإعلانات عن أحداث وفعاليات وبرامج البينالي التي انتشرت ما بين مقار وصالات الماك والكونست هالة والانغفانتا. من موقع لآخر اختلفت المعروضات والمناسبات اختلافا واضحا مما يضاعف من الرغبة في استيعاب «فكرته» كاملة بزيارات تتوالى من موقع لآخر حول المدينة الجميلة التي تزيدها أجواء الصيف الممطر جمالا سيما أن موضوعات البينالي عالمية مستقبلية تهم كل مدينة تخطط لمستقبلها كما تهم كل مواطن يبحث عن خصوصيته في ظل ما يحيط به من كميات «ضوء» قد تسلبه الخصوصية المرجوة.
تقوم فكرة بينالي فيينا على تقديم سيناريوهات للحياة مستقبلا وكيف يكون الحال في الـ30 سنة القادمة وما قد يصل لعام 2051 بحثا عن مزيد من التنمية الحضرية المستدامة والمطلوبة مما يمتع المواطن ويجعل حياته أكثر رفاهية مما يتناسب وإنسانيته.
وفي هذا السياق ضمت صالة عرض ضخمة بمتحف الماك أكثر من جزئية منها تلك التي لم تزد في طريقة عرض مبتكرة عن توزيع ألواح خرسانة بأحجام مختلفة ونشرها على أرضية ممتدة إشارة لأهمية البناء والتشييد وفق خطط مدروسة في مراعاة تامة للبيئة.
وفي ذات الشأن تمت تغطية سيارة «بورش» تماما بقصدير مذهب فيما أفرغت أحشاؤها واستبدال ماكينتها بدراجة في إشارة إلى أن الثراء ولو كان فاحشا لا بد أن يحافظ على البيئة.
وبتلاعب زكي بالأنوار وطرق الإضاءة زين جزء آخر بعدد منسق من اللوحات والمجسمات بما في ذلك ستائر معدنية وخشبية معلقة إشارة لأثر الضوء والعتمة والظل وانعكاساتهم في حيوات المدن وسكانها. ويشارك الفنان اللبناني، وليد رعد، بأكثر من لوحة تسهل قراءتها بالعودة لتراكمات الحرب الأهلية اللبنانية وتأثيراتها على الفنان كشاب عاش واقعها وآلامها وعنفها مستخدما الضوء والظل كآليات لتشكيل خيالات تدعم فكرته كما تتماشى والإطار العام لجزئية أثر «الضوء» فينا وعلينا ومن حولنا. من جانبها تشارك الفنانة الإيرانية، منير شاهرودي فرمانفرمايان، 91 عاما، بلوحتين من أشهر أعمالها المكونة من قطع من المرايات التي ترصها بطرق تعكس الضوء في موزاييك لافت.
داخل صالة ثانية بمعرض الماك هناك طرح موسع لأفكار قد تساعد في تخطيط مستقبل المدن وكيفية الاستعانة بأحدث الوسائل الرقمية لتوفير خدمات المواطنين بما يسع أكبر عدد، وكيف يمكن أن تساهم الجامعات المفتوحة وحتى المدارس المفتوحة (أونلاين) في نشر أسس التعليم ومناهجه لأكبر عدد.
والفكرة أن تتم الخدمات كافة في وحدات مصغرة تقدم أكثر من خدمة في سرعة وإتقان مما يسهل على المواطن، ليس ذلك فحسب بل طرح المعرض إمكانية الاستفادة من أفلام الفيديو والألعاب من مجرد وسائل ترفيه لوسائل تعليم مفتوح أكثر جدية.
وفي رحلة عبر مدن المستقبل يطرح المعرض أفكارا جديدة من أجل تنمية أوسع واستفادة اشمل من الثورة الرقمية في محاولة للتوصل لحول عملية للمشاكل اليومية. وفي هذا المضمار يستمتع الزائر بجناح كامل يتابع بعض أنماط الحياة اليومية في ست مدن هي هونغ كونغ ونيويورك ولاغوس ومومباي وإسطنبول وريو دي جانيرو. مدن تم اختيارها كأمثلة لأجزاء مختلفة من العالم ولنظم إدارية مختلفة ومستويات معيشية مختلفة حتى داخل المدينة الواحدة. مدن كل منها لها مميزاتها ومشاكلها، وكل منها تطمح لاستضافة فعاليات عالمية واستثمارات ومزيد من التطور، فكيف تتفاعل مستقبليا وما أحسن الخيارات لها مستقبلا؟
لم يكتف المعرض بأفكار لمعماريين شقوا البحار وردموها كما لم يكتف بتصورات فنانين مزجوا شطحات خيالاتهم بالواقع فحسب بل يطرح الأمر إلكترونيا لمساهمات أوسع واستقبال ردود أفعال ورؤى المواطن مهما كان شأنه من مختلف دول العالم باعتباره المكتوي الأول بالنار.
ومما يتفق محاولة تغيير الدور السلبي للمواطن واستكانته واستحواذ الساسة والحكام بكل أمر رغم ما قد يرتكبون من أخطاء وسوء تخطيط لعدم اهتمام أو لعدم دراية.
بعض هذه المساهمات الشعبية يتم عرضها حاليا ضمن معرض حول فعاليات بينالي فيينا في نيويورك.
ووصولا لهذا القصد لمح المعرض لأهمية الابتعاد عن الخطابة السياسية الموجة لكسب الأصوات انتخابيا والتركيز على أهمية التعامل مستقبليا مع وسائل التقنية اعتمادا على أفكار أكثر عملية تنبع من واقع المعانات والتجربة لمزيد من التطور وتوفير حلول واقعية للمشاكل اليومية كالتوسع أفقيا في البنايات لتوفير مساحات خضراء أكبر وفضاءات للعب والتسلية حتى في أفقر الأحياء، وبحيث يتثنى الوصول لتخطيط حياة أسهل أكثر أمانا وصحة.
من جانبه ركز معرض صالة الفنون أو «الكونست هالة» على عروض مصورة (أفلام) لطرح فكرة إثر الضوء والعتمة في حياتنا اليومية، وكيف يمكن للمواطن أن يفرض ما يتناسب وأسلوبه في الحياة رغم كم المراقبة والكاميرات التي تلاحقه في كل موقع في عالم أصبح أشبه بتلفزيونات الواقع وبرامج «الأخ الأكبر» حيث يتابع الجميع ما يفعل الجميع دون أي خصوصية.
مثله مثل الجزئية السابقة بمتحف الماك يهتم الجزء بالكونست هالة أن يكون للزائر دور إيجابي بالمشاركة وكأنه أحد الممثلين في الأفلام المعروضة التي تعمل إلكترونيا كل فترة زمنية لمدة محددة من الوقت لا تتجاوز 15 دقيقة. ومن أجل ذلك تم تصميم القاعة المخصصة بمجملها كصالة مسرح مظلمة تظللها ستائر مختلفة الألوان وعد من خشبات العرض، كما تتوفر فيها آلات موسيقية يتثنى للزائر تشغيلها مغناطيسا بتحريك يديه وكأنه أحد العازفين.
يتعين على الزائر الانتقال من خشبة عرض لأخرى لمتابعة 3 أفلام تعكس في مجملها كيف أمست الحياة بالمدن الكبرى وكأنها «فيلم» معروض أمام الجميع مما يستحث ويستفز الزائر للتفكير في تلك الحقيقة وكيفية التعامل معها لعله يستمتع بخصوصيته، وحتى يكون له القول الفصل في الطريقة التي يرغب أن يكيف بها حياته.
بينالي فيينا الأول.. سيناريوهات الحياة في المستقبل
يهدف إلى التوحيد بين الفن والهندسة المعمارية والتصميم
بينالي فيينا الأول.. سيناريوهات الحياة في المستقبل
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة