فتوى لداعية إخواني تجيز للمحكوم عليهم بالأشغال الشاقة الإفطار في رمضان تثير جدلاً

وجهها لمرسي وقادة الجماعة في السجون.. وعلماء دين: متسرعة وهدفها مصالحهم فقط

إفطار جماعي في أحد شوارع القاهرة القديمة أمس (رويترز)
إفطار جماعي في أحد شوارع القاهرة القديمة أمس (رويترز)
TT

فتوى لداعية إخواني تجيز للمحكوم عليهم بالأشغال الشاقة الإفطار في رمضان تثير جدلاً

إفطار جماعي في أحد شوارع القاهرة القديمة أمس (رويترز)
إفطار جماعي في أحد شوارع القاهرة القديمة أمس (رويترز)

«من باب فتاوى علماء الدين الذين أجازوا لأصحاب المهن الشاقة كالزراع والحدادين وعمال البناء، الإفطار في نهار شهر رمضان.. لصعوبة العمل الذي يقومون به»، أفتى داعية إخواني بجواز إفطار المحكوم عليهم بالأشغال الشاقة المؤبدة داخل السجون من قيادات جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية.
وأثارت الفتوى الإخوانية جدلاً دينيًا في مصر، خصوصًا أنها تعد استكمالاً للفتاوى السياسية التي أطلقها عدد من المحسوبين على الإخوان أول أيام شهر رمضان، ومن هذه الفتاوى، أنه «لا يجوز صلاة التراويح خلف إمام من وزارة الأوقاف (المسؤولة عن المساجد) أو خلف شيخ من حزب النور (أكبر الأحزاب الدينية الذي يضم دعاة غير رسميين)، فضلاً عن جواز الإفطار وعدم الصوم للمشاركين في مظاهرات الإخوان باعتبار المظاهرات عملا مقربا إلى الله، وذلك في إشارة للمظاهرات التي دعت لها الجماعة أمس، احتجاجًا على أحكام القضاء الأخيرة.
وبينما اعتبرت هيئة كبار العلماء بالأزهر، أن «مثل هذه الفتوى وغيرها من فتاوى الإخوان لا تمت للدين بصلة، لكن الهدف منها فقط هو تحقيق مصالح الإخوان»، رفض علماء الأزهر، فتوى إفطار المحكوم عليهم بالإشغال الشاقة، وقالوا لـ«الشرق الأوسط»، إنها «فتوى متسرعة من دون دراسة.. وتعد تمسكًا بالشبه طلبًا للرخصة في الإفطار».
وأفتى الداعية الإخواني عصام تليمة، عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، المدير السابق لمكتب الشيخ يوسف القرضاوي (المقيم في قطر الذي صدر بحقه حكم بالإعدام)، بأن الشريعة الإسلامية رخصت للمحكوم عليهم بالأشغال الشاقة بالإفطار في رمضان والقضاء بعده، وإن عجز عن ذلك، فله الإطعام عن كل يوم مسكينًا.
وقال تليمة وفقًا لنص الفتوى التي نشرها عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» ونقلتها عنه الكثير من المواقع الإخوانية، إنه «من كانت مهنته عملاً شاقًا يصعب معه الصوم كمن يعمل في أفران الخبر أو محكومًا عليه بالأشغال الشاقة، رخص الشرع له بالفطر والقضاء بعد رمضان، فإن عجز عن ذلك فله الإطعام عن كل يوم مسكينًا، لقوله تعالى: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين)».
وقضت محكمة مصرية الثلاثاء الماضي، بإعدام الرئيس الأسبق محمد مرسي والمرشد العام لجماعة الإخوان محمد بديع ونائبه رشاد بيومي وسعد الكتاتني القيادي الإخواني وآخرين في القضية المعروفة إعلاميًا بـ«اقتحام السجون»، بينما قضت بالسجن المؤبد لمرسي وبديع والكتاتني وعصام العريان وآخرين في «التخابر مع حماس».
وردًا على الفتوى، قالت الدكتورة إلهام شاهين، أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر، إن «ما ورد بالفتوى هو من باب التسرع في الفتوى، وعند أهل العلم أن من عرف بالتساهل والتسرع في الفتوى يحرم استفتاؤه، وذلك لأن المتساهل لا يتثبت ويسرع بالفتوى قبل استيفاء حقها من النظر والفكر»، لافتة إلى أن «من التساهل أن يحمل صاحب الفتوى الأغراض والأهواء على تتبع الحيل المحرمة أو المكروهة، والتمسك بالشبه طلبًا للترخيص لمن يريد نفعه أو التغليظ على من يريد ضره».
وتابعت شاهين بقولها لـ«الشرق الأوسط»: «وإلا فلماذا لم تصدر تلك الفتوى قبل صدور الأحكام القضائية بحق قادة الإخوان؟»، مضيفة أنه «من اضطر من أصحاب المهن الشاقة للفطر أثناء النهار، فيجوز له أن يفطر بما يدفع اضطراره، ثم يمسك بقية يومه ويقضيه في الوقت المناسب، ومن لم تحصل له ضرورة وجب عليه الاستمرار في الصيام، هذا ما تقتضيه الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، وما دل عليه كلام المحققين من أهل العلم من جميع المذاهب».
بينما قال الدكتور على النجار، الأستاذ بجامعة الأزهر، إن «هذه الفتوى من الناحية الشرعية لا تجوز»، مضيفًا: «لا يتأتى الفطر إلا لمن يمارس عملاً فوق طاقته، لا يستطيع أداءه إلا بتناوله للطعام في نهار رمضان، فإذا استطاع أن يؤدى عمله دون حاجة إلى طعام أو شراب، فهو مطالب شرعًا بالصيام».
وأوضح النجار لـ«الشرق الأوسط»، أن «المساجين لا يؤدون أي عمل على وجه الإطلاق، كما أن الذين صدرت ضدهم أحكام بالأشغال الشاقة (في إشارة لمرسي وقيادات الجماعة) لا يخلو حالهم من أمرين، إما أن التنفيذ صدر بالفعل ويكون العمل يتطلب الفطر حتى لا تكون التهلكة.. وهنا يجب الفطر، وإما إذا كانوا قادرين على أداء هذه الأعمال دون حاجة للطعام والشراب في نهار رمضان، فلا يؤذن لهم بالفطر شرعًا».
في السياق ذاته، اعتبرت هيئة كبار العلماء (أعلى هيئة دينية في مصر)، أن مثل هذه الفتاوى لا تمت للدين بصلة، والهدف منها فقط هو تحقيق مصالح الإخوان في عودة مرسي المنتمي للجماعة للسلطة.
وعزل الجيش مرسي عن السلطة في صيف العام قبل الماضي، إثر مظاهرات حاشدة في 30 يونيو (حزيران) عام 2013 طالبت برحيله بعد عام من حكمه، وقال عضو الهيئة، الدكتور أحمد عمر هاشم، لـ«الشرق الأوسط»، إن «فتوى جواز إفطار المحكوم عليهم بالأشغال الشاقة وغيرها من الفتاوى التي تتعلق بالصيام وتطلقها عناصر الجماعة، تلاعب بالدين ونصوص الشرع من أجل تحقيق أهداف شخصية.. وهذا أمر غير مقبول، ولا يجوز أن تكون الفتاوى الدينية لدى الإخوان هدفها فقط تحقيق طموحاتها ومطالبها».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.