الطريق على بدايات الحياة المتواضعة ليس بجديد في سجل الطامحين للرئاسة الأميركية، بدءا من حديث الرئيس الأميركي السابق أبراهام لينكولن عن نشأته البسيطة بداية القرن التاسع عشر وحتى أول من أمس حيث تحدثت السيدة الأولى الأميركية ميشال أوباما عن كونها أول من تخرج من الجامعة في بلدها. لكن الآملين في خوض سباق عام 2016 يعملون بجهد أكبر لإقناع الناخبين بأنهم بسطاء تماما.
يبرز الطامحون في الرئاسة أوراق انتسابهم للطبقة العاملة والمتوسطة على نحو انتقل بالسجال السياسي من توفير فرص العمل وإنعاش الاقتصاد الهش في حملة 2012 إلى المساواة في الأجور في الحملة الحالية. ويعكس هذا شعور متزايد بأن أي مكاسب حلت بعد سبع سنوات من الكساد العظيم صبت في خزائن الأثرياء في حين يواصل ملايين الأميركيين الكفاح لتوفير سبل العيش. وشرح الاستراتيجي الجمهوري ديفيد كارني لوكالة رويترز: «هذه الفجوة بين النخبة الحاكمة والناخبين لم تكن بهذا الحجم قط». وأشار إلى أن معظم الطامحين في الرئاسة لهم خلفيات متميزة مما يجعلهم عرضة للاتهام بأنهم لن يحسوا بالمصاعب المادية التي تؤرق كثيرا من الأسر. ويؤكد المستشار السابق لجون مكين المرشح الجمهوري في انتخابات 2008 جون ويفر أن «المرشحين يدركون ذلك».
وفي استطلاعات للرأي أجرتها وكالة «رويترز» أجاب كثير من المشاركين بأن ثروة المرشح ستؤثر على التصويت له. وارتفعت نسبة من رجحوا عدم تأييد مرشح «فاحش الثراء» إلى 42 في المائة في مارس (آذار) الماضي من 39 في المائة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2012. ولكن الأميركيين سبق وأن انتخبوا الكثير من الرؤساء الأغنياء من أمثال جون كيندي الذي اختير عام 1960.
وأطلق الاستراتيجي الجمهوري تيم ألبرخت على الظاهرة الحالية المتمثلة في تهوين المرشحين من شأن ثرواتهم اسم «تأثير رومني».
فالمرشح الجمهوري ميت رومني كان في نظر الغالبية خلال حملة 2012 بمعزل عن العامة أو غير مكترث بهم وهو ما أدى لخسارته. ولم تساعده ثروته التي جمعها من المشاركة في تأسيس شركة برين كابيتال والتي بلغت 250 مليون دولار. ومع ازدحام الساحة بالطامحين في الرئاسة، مع إعلان 12 جمهوريا على الأقل سعيهم للترشح حتى الآن، فإن النقاط المئوية البسيطة يمكن أن تحدث فارقا مما يجعل التقرب إلى أكبر عدد من الناخبين أمرا حاسما.
لذا يرفع كثيرون بطاقة الخلفية المتواضعة حتى وإن ظل معظمهم من أثرى أثرياء أميركا.
ورغم أن إمارات الثراء بادية على كثيرين مثل الرئيسة التنفيذية السابقة لشركة «هيوليت - باكارد كارلي فيورينا»، والتي تقدر ثروتها بنحو 59 مليون دولار.. تنحدر قلة قليلة من مستوى أكثر تواضعا مثل سكوت ووكر حاكم ويسكونسن الذي يكشف أحدث إقراراته المالية عن ثروة لا تتجاوز عشرات الآلاف.
ولعبة «مستواي المادي أقل من مستواك» تصب في صالح مرشحين مثل ماركو روبيو عضو مجلس الشيوخ عن ولاية فلوريدا الذي كثيرا ما يتحدث عن أبويه المهاجرين من كوبا ووالده الذي كان يعمل في حانة وأمه التي عملت خادمة واستدانته في مرحلة الدراسة. وليس من قبيل المصادفة أن يكون إصلاح قروض التعليم أحد مقترحاته. ويشير مركز سياسات رد الفعل وهو مؤسسة غير ساعية للربح تتعقب الأموال على ساحة السياسة الأميركية إلى أن حجم صافي ثروته بلغ 44.3509 دولارات في 2013.
أما ووكر فكثيرا ما يتحدث هو الآخر عن الاقتصاد والتدبير حتى أنه تباهى في حديث ألقاه في نيو هامبشير هذا العام بأنه جمع ذات مرة كوبونات كثيرة وخصومات أتاحت له شراء سترة بدولار واحد فقط. وإقرار ذمته المالية لعام 2014 يظهر أصولا متواضعة. وعلى الطرف الآخر من الصورة يقف جمهوريون مثل فيورينا وحاكم فلوريدا السابق جيب بوش والديمقراطية هيلاري كلينتون. فهم أكثر الطامحين للرئاسة عرضة للاتهام بأنهم على مبعدة من المواطن العادي.. ليس لما لديهم من ثروات شخصية ضخمة وحسب ولكن أيضا لارتباط أسمائهم بعائلات سياسية قوية.
فالرئيس السابق بيل كلينتون، زوج هيلاري، واجه سيلا من التهكمات عندما قال في الآونة الأخيرة إنه «سيستمر في تلقي أجر عن إلقائه» خطبا أثناء سعي زوجته لتولي الرئاسة حتى «ندفع فواتيرنا».
فهو يتقاضى مئات الألوف من الدولارات مقابل ما يلقيه من كلمات. وجنى الزوجان أكثر من 25 مليون دولار ثمنا لكلمات ألقياها منذ 2014 فقط. ويبدو أن هيلاري كلينتون تدرك جيدا أن معارضيها الجمهوريين وغيرهم يمكن أن يجعلوا من مسألة ثروتها قضية مثارة في الحملة الانتخابية.. فتحدثت في أول تجمع انتخابي لها يوم السبت الماضي عن السنوات الأولى من عمر والدتها قائلة إنها لم تكن لتجد طعاما كافيا وإنها عملت خادمة في البيوت في سنوات الصبا.
أما بوش سليل الحسب والنسب فقد جنى الملايين منذ أن ترك عمله كحاكم ولاية منها 2.3 مليون دولار مقابل عمله في مجالس إدارات ومن أسهم مجانية منحت له حسبما ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» عام 2014. وهو يتجنب حتى الآن التحدث عن هذه المسألة.
وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة ماساتشوستس أمهرست جيسي رودس إن «اتساع الفجوات الاقتصادية في الولايات المتحدة صحبه إشارات أكثر توترا من جانب السياسيين عن الطبقة الاجتماعية التي ينحدرون منها». وشارك رودس في كتابة بحث في الآونة الأخيرة حلل مواد حزبية تعود لحملة 1952 الانتخابية وتظهر استخداما متزايدا لعبارات مثل الطبقة الكادحة أو الطبقة العاملة أو الطبقة المتوسطة.
وفيورينا كانت ضمن من قاوموا وصفها بأنها من النخبة.. وتحدثت عن عملها سكرتيرة في شركة عقارية صغيرة أكثر مما تحدثت عن ثروتها أو تعليمها في جامعة ستانفورد.
ويشير تقرير قدم إلى اللجنة الانتخابية الاتحادية إلى أن ثروتها وثروة زوجها تقدر بنحو 59 مليون دولار. ويقول حاكم نيوجيرسي كرس كريستي إنه «لا يعتبر نفسه ثريا». وتظهر وثائق ضريبية أعلنها مكتبه إلى أنه جنى وزوجته نحو 700 ألف دولار عام 2013.
أما حاكم أركنسو السابق مايك هاكابي فيقول إنه «من أبناء الطبقة العاملة لا ذوي الدماء الزرقاء». ومع هذا يقال إنه الآن من أصحاب الملايين لأسباب منها عقد مبرم مع إذاعة «فوكس نيوز» يدر عليه نصف مليون دولار سنويا. وحين سئلت المتحدثة باسمه أليس ستيوارت عما إن كان الناخبون قد يعتبرونه بمعزل عن همومهم اليومية قالت: «الحاكم هاكابي ابن عامل إطفاء من بلدة صغيرة في هوب بولاية أركنسو. وقد عمل في وظائف كثيرة ولفترات عمل كاملة كي يتمكن من إتمام تعليمه».
وتكشف نظرة إلى الكلمات التي افتتح بها الطامحون في الترشح لانتخابات 2012 و2016 حملاتهم الانتخابية عن تحول ملحوظ فالأمر لا يقتصر على تحدث المجموعة الحالية عن انتمائها أو انتماء آبائها للطبقة العاملة لكنها أيضا تخصص وقتا أكبر بكثير لتلك الموضوعات.
وعلى سبيل المثال تحدث السيناتور الجمهوري تيد كروز هذا العام عن «الطبقة العاملة» التي تنتمي إليها والدته وكيف أن أباه بدأ عمله كغاسل للأطباق يتقاضى 50 سنتا في الساعة. ولكن ليس كل الطامحين للوصول إلى البيت الأبيض يشعرون بأن لزاما عليهم التهوين من حجم ثروتهم.
وهناك مثلا دونالد ترامب قطب قطاع العقارات الذي ألقى الضوء على ثروته عندما أعلن أول من أمس أنه سيدخل سباق الرئاسة وتباهى بأن لديه ثروة حجمها 8.7 مليار دولار سيستغلها في تمويل حملته، «أنا غني فعلا.. أقولها لكم».