عادت أمينة إلى موسكو وسط صخب إعلامي منقطع النظير، وحملة دعائية كاملة العدد بعد أن نفضت عن كاهلها توابع ذلك الاسم الإسلامي الذي كانت اختارته لرحلة الذهاب. عادت أمينة إلى أرض الوطن وهي تحمل اسمها السابق - فارفارا مصحوبة بوالدها بافيل كاراؤلوفا ذي النفوذ الواسع والقدرة الهائلة على تجييش الأجهزة الأمنية المحلية والأجنبية بحثا عن ابنته التي كانت هربت من روسيا بحثا عن «المجهول» بين صفوف «داعش».
عادت فارفارا طالبة جامعة موسكو لتفجر بعودتها عددا من المشاكل والقضايا التي لا تزال محور اهتمام الأوساط الإعلامية والاجتماعية، وقبلها وبطبيعة الحال أجهزة الأمن والمخابرات. وقد باتت هذه الأجهزة اليوم وعلى نحو أكثر من ذي قبل، مدعوة إلى العثور على حلول جذرية لإنقاذ شباب روسيا من الوقوع في براثن الدعاية الإرهابية التي تتستر تحت شعارات دينية وقد بلغ عددهم ما يقرب من الألفي شاب وفتاة اختاروا الانخراط في صفوف «داعش» ولم تكن فارفارا سوى واحدة منهم.
وكانت «الشرق الأوسط» سبق وأشارت في الأسبوع الماضي إلى قضية هروب فارفارا كاراؤلوفا طالبة كلية الفلسفة جامعة موسكو ذات التسعة عشر ربيعا في نهاية مايو (أيار) الماضي إلى تركيا التي كانت تبتغيها رأس جسر إلى الانضمام إلى فصائل «داعش» مع نفر قليل من مواطنيها ومواطني عدد من بلدان الفضاء السوفياتي السابق. واليوم نستكمل حكاية أمينة أو فارفارا التي أقامت الدنيا ولم تقعدها بعد، والتي عادت إلى الوطن تحت حراسة مشددة فرضها عدد من الأجهزة الأمنية ومنها الروسية والتركية خشية ملاحقتها واختطافها من جانب مقاتلي الدولة الإسلامية في المناطق المتاخمة للأراضي التركية، وكانت قاب قوسين أو أدنى من الوقوع في براثنهم. وقد توقف الإعلام المحلي والدولي طويلا عند وضعية فارفارا التي عادت إلى الوطن بوثيقة سفر روسية مؤقتة بدلا من جواز سفرها الذي كان ممثلو «داعش» احتفظوا به للحيلولة دون حركة الفتاة الروسية بعيدا عن سيطرتهم. وأشارت صحيفة «موسكوفسكي كومسوموليتس» واسعة الانتشار أن مثل هذه التفسيرات ليست سوى محاولة من جانب محامي الحسناء الشابة وأسرتها لتأكيد أن الفتاة كانت مرغمة على السير في طريق لا تعرف منتهاه، وربما تحت تأثير مخدر تناولته قسرا أو طوعا عن غير علم، وهو ما قد يقيها شرور وتبعات مواد القانون الجنائي الروسي الذي قد يجرمها بمحاولة الانضمام إلى تنظيم مدرج ضمن قوائم المنظمات الإرهابية المحظورة في روسيا. وفي تقرير تلفزيوني مصور كشفت قناة «لايف نيوز» الاجتماعية الإخبارية الروسية عن بعض خفايا قصة اختفاء فارفارا ومنها ما طرأ على شخصيتها من تغيرات لاحظتها أمها على سلوكها منذ ظهور اهتمامها بدراسة اللغة العربية والدين الإسلامي.
قالت أمها كيرا بأن فارفارا بدأت تتعامل مع كلبها وكأنه من الحيوانات «غير الطاهرة» على حد قولها وهو الذي طالما اعتبرته «كلبها المدلل». وفي حديث أدلى به إلى صحيفة «موسكوفسكي كومسوموليتس»، فيما قال محاميها الكسندر كارابانوف بأن الأسباب الحقيقية لسقوط فاريا في شبكة عملاء «داعش» لم تتضح بعد وأن قصة «تجنيد» فاريا قد تعود إلى وقت يسبق ذلك التاريخ بكثير مشيرا إلى أن المحاولة بدأت ولم تكن فاريا بلغت الخامسة عشرة من العمر. وأضاف كارابانوف قوله: إن مثل هذه المحاولات طالما استهدفت الإيقاع بالشباب من أبناء العائلات المتميزة ومنها عائلة فارفارا التي قال: إنها عنيت بتعليم الابنة ما جعلها في هذه السن المبكرة تجيد أربع لغات أجنبية وهو ما قد يكون وراء اهتمام أجهزة الاستخبارات الأجنبية باستمالتها. وقال أيضا بأن عملاء المنظمات الإرهابية يلجأون أيضا إلى نسج قصص الحب والغرام لاستقطاب العناصر المطلوبة، إلى جانب سلاح المال واستخدام المواد المخدرة التي ربما تكون وراء تغييب فاريا عن وعيها ودفعها إلى ما قامت به.
وبعيدا عن تفاصيل «حكاية فارفارا» التي بات معظمها في متناول الخاصة والعامة يثير الانتباه التركيز المبالغ فيه من جانب أجهزة الإعلام الرسمية والمستقلة التي لم تتوقف حتى اليوم عن مواصلة تناول هذه «الحكاية» في إطار حملة إعلامية واسعة النطاق تتصاعد يوما بعد يوم منذ الإعلان عن «هروب فارفارا»، ما قد يكون مقدمة لإجراءات أبعد مدى تستهدف تطهير أوساط الشباب الروسي من العناصر المشبوهة. وتقول المصادر الأمنية بأن وزير الداخلية الروسي فلاديمير كولوكولتسيف قد حذر في تصريحات له في نهاية الأسبوع الماضي من ظهور بؤر عدم استقرار مرتبطة بنشاط تنظيم داعش الإرهابي بالقرب من حدود روسيا، فيما نقلت عنه قوله «بأن الأجهزة الأمنية الروسية ترصد الأماكن التي يجري فيها تجنيد مواطنين روس وأجانب للمشاركة في (الجهاد)، وتعرف جيدا أسماء المشرفين على مراكز التجنيد الموجودة في موسكو وباقي الأراضي الروسية»، موضحا أن الأمن يتتبع هذا النشاط عن كثب. وكانت أجهزة الأمن والمخابرات الروسية كشفت عن وجود قرابة الألفين من أبناء روسيا وبلدان الاتحاد السوفياتي السابق من المتورطين في القتال ضمن قوات «داعش» في سوريا والعراق، ومعظمهم من مناطق شمال وجنوب القوقاز ذات الأغلبية السكانية الإسلامية. ولذا لم يكن غريبا أن تعترف هذه الأجهزة برصدها لتنشيط أنصار الأفكار المتطرفة والتوجهات الراديكالية في مثل هذه المناطق، فضلا عن تغلغلهم داخل المؤسسات التعليمية والثقافية والرياضية. وبهذه المناسبة أشارت وكالات الأنباء الروسية إلى «قرار» محكمة سانت بطرسبورغ الذي صدر الأربعاء 10 يونيو (حزيران) الجاري حول اعتقال زعيم خلية «حزب التحرير» في المدينة. وقالت: إنه تم توقيف المشتبه به، بعد أن تأكدت الاستخبارات من أنه كان يعمل على تجنيد شبان لإرسالهم إلى «داعش» في سوريا. وفي حديث آخر نشرته صحيفة «موسكوفسكي كومسوموليتس» قال الكسي غريشين رئيس مركز «الديانة والمجتمع» للإعلام وتحليل المعلومات بأن أبناء روسيا يشغلون المرتبة الثالثة في قائمة أولويات أجهزة «داعش» بعد ممثلي البلدان الناطقة بالعربية والإنجليزية. وأشار إلى أن نشاط أجهزة هذا التنظيم تعتمد في نشاطها على عامل تشويه كل ما هو إيجابي في المجتمعات المحيطة والتركيز على ما تزعمه من غياب للعدالة وعدم التكافؤ والمساواة ما يطرحونه في صدارة المبررات التي يسوقونها لإقناع ضحاياهم بالخروج على هذا المجتمع. وأضاف أنه من اللافت أن يكون المتميزون وأبناء الصفوة هم أول الضحايا الذين يصدقون ما يقال حول عدم اكتمال المجتمع وما يشوبه من قصور. وطرح غريشين عددا من السبل الرامية إلى التصدي لمثل هذه الأساليب بضرورة اهتمام الأسرة والمدرسة بتثقيف الصغار من خلال المواد التربوية التي قال بأهمية تدريسها في الصفوف الوسطى والمتقدمة وتتعلق بمكافحة التطرف وغرس أسس الفهم الصحيح للديانات المختلفة. وتوقف الخبير الروسي عند ظاهرة تزويج الفتيات والصغار في سن متقدمة - في قرابة التاسعة من العمر بالنسبة للفتيات والخامسة عشرة للصبيان، ليقول بمسؤولية الأهل والأقارب. وضرب مثالا على ذلك بحالة فارفارا التي لم يكن أحد ليهتم بها لو لم يصر ذووها على تفجير المشكلة ودق نواقيس الخطر على كل المستويات بما في ذلك الإنتربول ومختلف أجهزة الأمن والمخابرات على اعتبار أن «الحياة» أهم وأبقى من أي اتهامات بـ«عار» و«تقصير أو قصور». ولعل ذلك تحديدا هو ما ساهم في سرعة العثور عليها متدثرة بالنقاب مع قرابة العشرين من أبناء روسيا وعدد من بلدان الاتحاد السوفياتي السابق ومعظمهم كانوا من الإناث والأطفال قبل عبورهم الحدود التركية السورية.
وقد حذرت السلطات الأمنية الروسية من تفاقم هذه الظاهرة مشيرة إلى وجود أنباء تقول بتخصيص «داعش» لعشرات الملايين من الدولارات لتحقيق أهدافها في زعزعة استقرار الأوضاع في جنوب روسيا وبلدان آسيا الوسطى، من خلال الكثير من التنظيمات التي تضم المتطوعين من أبناء هذه المناطق وهو ما يظل في صدارة اهتمامات رؤساء وقيادات هذه البلدان، ومنهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي أنحى باللائمة على العواصم الغربية والولايات المتحدة التي طالما وقفت وراء تجنيد العناصر المتطرفة للنيل من أمن وسلامة الاتحاد السوفياتي السابق وظهور التنظيمات الإرهابية على غرار «القاعدة» وطالبان و«داعش».
أسباب اهتمام أجهزة استخبارات «داعش» بأبناء الذوات في روسيا
صخب إعلامي كبير حول «حكاية» فارفارا و«المتطرفين»
أسباب اهتمام أجهزة استخبارات «داعش» بأبناء الذوات في روسيا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة