العقل البشري هو كومبيوتر متفوق، لكنه يستهلك القليل من الطاقة. والعقل أيضا ممتاز في عمله على صعيد معالجة المعلومات بكفاءة وفعالية، فالمليارات من الخلايا العصبية موصولة بمناطق الذاكرة، مما يعطينا القدرة على الوصول إلى البيانات التي نحتاجها لاتخاذ القرارات واستيعابها بسرعة، ومن ثم معاودة العمليات العادية الطبيعية. وهذا التركيب الأساسي هو الذي يفرق ما بين الإنسان والآلات. وهذا هو السبب الذي يجعلنا نفكر، ونشعر، ونعالج ملايين الأجزاء من البيانات في الثانية يوميا، من دون أن تتفجر أدمغتنا. لكن الكومبيوترات لا تعمل بهذه الطريقة، فلقد صنعت وشيدت طوال عقود لإنجاز الحسابات عبر سلسلة من الخطوات في الوقت الذي تقوم فيه بنقل البيانات بطريقة مكوكية بين مناطق تخزين الذاكرة والمعالجات. وهذا ما يستهلك الكثير من الطاقة. وعلى الرغم من أن الكومبيوترات جيدة على صعيد هضم أحجام كبيرة من المعلومات، فهي ليست جيدة على صعيد التعرف على الأنماط والصيغ في الزمن الحقيقي.
وعن طريق تمويل من قبل «وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة» (داربا)، وبالاشتراك مع المختبرات القومية الأميركية، قام مهندسو شركة «آي بي إم» بإنتاج شريحة الكترونية العام الفائت بمقدورها تقليد تركيب العقل البشري، على أمل أن يفضي ذلك إلى نموذج أفضل من الحوسبة. والنتيجة هي في إمكانية تحويل الأسلوب الذي تشيد بموجبه أجهزة الكومبيوتر في المستقبل، استنادا إلى «آي بي إم»، مع استهلاك للطاقة لا يزيد على الاستهلاك من بطارية جهاز السمع الصغير.
وكان هدف «آي بي إم» الطويل الأمد هو بناء «دماغ داخل علبة» من شأنه استهلاك أقل من كيلوواط واحد من الطاقة، ويمكنه مع ذلك التعرف بسرعة على الأنماط في مجموعات البيانات الكبيرة، كما نقلت «واشنطن بوست» عن داهرميندرا مودها كبير العلماء في «آي بي إم» فيما يخص الحسابات الكومبيوترية المستوحاة من الدماغ البشري.
ويمكن توظيف تطبيقات مثل هذه التقنية في طيف واسع من الأعمال يصل إلى ميادين الأمن القومي والاستجابة إلى الكوارث. فالأجهزة التي تعمل على مثل هذه الشريحة الإلكترونية يمكن استخدامها لإنجاز كشوفات تتعلق بالأمن الحيوي، أو الكشوفات التي تجري عن طريق غربلة العينات البيولوجية للتعرف على العوامل المضرة، أو تشغيل المركبات الفضائية ذات التسيير الذاتي، أو رصد ومراقبة شبكات الكومبيوتر بحثا عن التصرفات الشاذة والغريبة، كما يقول العلماء. والكومبيوتر المتفوق «واطسون» الذي يحمل لواء جميع كومبيوترات «آي بي إم»، يمثل أسلوب الحسابات الخطية، وفقا إلى مودها. لكن الشريحة هذه خلافا لذلك، بمقدورها التعرف أو استشعار بيئتها في الزمن الحقيقي بصورة مشابهة لما يفعله البشر بعيونهم وآذانهم. وعلى سبيل المثال يمكن استخدام الشريحة هذه لممارسة رياضة كرة الطاولة عن طريق تركيز النظر على الكرة، وبالتالي تحريك المضرب لمواجهتها. لكن «آي بي إم» تشدد على القول بأنه على الرغم من أن التقنية هذه ستستخدم في نهاية المطاف في صنع منتجات استهلاكية، مثل النظارات للذين يعانون من إعاقة في النظر، بيد أنها ما يزال أمامها شوط طويل.
وكانت «آي بي إم» قد فازت بعقد قدره 325 مليون دولار، من وزارة الطاقة الأميركية في العام الماضي لتطوير جهازين متفوقين جدا من الكومبيوتر في عام 2017 يدعيان «سامت» Summit و«سيارا» Sierra يحتضنان هذه التقنية الجديدة.
ومن التحديات التي يواجهها المهندسون في هذه المرحلة هو القدرة على تعزيز أو نسخ الأحجام المختلفة من الأدمغة، ومن ثم استنهاج برمجة لتشغيلها كما يقول مودها.
أبحاث لتطوير شريحة إلكترونية تحاكي عمل الدماغ البشري
توظف في ميادين الأمن البيولوجي وتشغيل المركبات الفضائية وتستهلك طاقة ضئيلة
أبحاث لتطوير شريحة إلكترونية تحاكي عمل الدماغ البشري
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة