قررت أرفع هيئة قضائية في تركيا، أمس، طرد أربعة مدعين عامين وقاضٍ أشرفوا على تحقيق حول فضيحة فساد لطخت حكومة حزب العدالة والتنمية والأوساط المقربة من الرئيس رجب طيب إردوغان.
ووافق المجلس الأعلى للقضاة والمدعين على طرد كل من المدعين زكريا أوز، وجلال قاره، ومعمر أكاس، ومحمد أوزجيك، فضلا عن القاضي سليمان قره كول، وفق وكالة الأناضول الحكومية. وأفاد المصدر بأنهم طردوا «بسبب تقويض شرف المهنة»، و«الإضرار بمكانة وسمعة مناصبهم الرسمية».
وحسب وكالة الصحافة الفرنسية، رد المدعي أوز مباشرة على حسابه في «تويتر»، واصفا القرار بأنه «باطل لا قيمة له». وكتب: «عار على المجلس الأعلى التركي للقضاة والمدعين العامين التصرف وفقا لقرارات صادرة من الأعلى وانتهاك القوانين والدستور حتى من دون الاستماع إلينا».
وكان المدعون والقاضي أبعدوا من مناصبهم بعد اتهامهم باستغلال صلاحياتهم للتحقيق في ديسمبر (كانون الأول) 2013 في قضية الفساد التي طالت أربعة وزراء في حكومة إردوغان، رئيس الوزراء وقتها. وأسقطت القضية لاحقا بسبب «غياب الأدلة».
وإردوغان الذي استطاع تخطي الأزمة ليفوز بالرئاسة في أغسطس (آب) الماضي، اعتبر التحقيق محاولة «انقلاب قضائي» يقف خلفها الداعية فتح الله غولن ومناصروه في مؤسسات الدولة. وتعهد إردوغان محاربة غولن وجماعته، وعمدت السلطات إلى حملة تطهير واسعة في صفوف الشرطة والقضاء للتخلص ممن اعتبرتهم مقربين من غولن. وخلال حملة الانتخابات التشريعية التي ستجري في السابع من يونيو (حزيران)، أكد إردوغان أن الحملة ضد مناصري غولن ستتوسع كما أن «الاعتقالات ستستمر».
في السياق نفسه، قال بولنت أرينتش، نائب رئيس وزراء تركيا والعضو البارز في حزب العدالة والتنمية الحاكم، إن الثقة في الهيئة القضائية ضعفت أثناء تولي الحزب الحكم. ومن المرجح أن تثير تلك التصريحات غضب إردوغان، إذ تشير إلى حالة من عدم الارتياح داخل الحزب الحاكم قبل الانتخابات البرلمانية المقررة في يونيو. وفي مقابلة تلفزيونية أذيعت في ساعة متأخرة أول من أمس لمح أرينتش - الذي سبق وأن اختلف مع إردوغان - إلى أن حزب العدالة والتنمية لم يحقق إلا التنمية دون العدالة، وذلك بعد أكثر من عشر سنوات من وجوده في السلطة. وقال أرينتش الذي أمضى كعضو بالبرلمان الحد الأقصى المتمثل في ثلاث مدد «ما يحزنني هو أننا على قدر جيد جدا من التنمية.. لكن هل نحن على نفس القدر الجيد من العدالة»، حسب وكالة «رويترز».
وأضاف أرينتش في حديثه إلى قناة هابرتورك التلفزيونية: «أنشأنا قصورا جميلة جدا، لكن علينا أن نعمل جاهدين لزيادة الثقة في العدالة والقضاء»، في إشارة إلى «قصور العدالة» أو المحاكم الجديدة التي أقامها إردوغان في سنوات حكم حزب العدالة والتنمية.
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن حزب العدالة والتنمية سيحرز نصرا واضحا في الانتخابات المقبلة، لكنه قد يعجز عن بلوغ الأغلبية القوية التي يريدها إردوغان لتحقيق هدفه المتمثل في إقامة نظام رئاسي كامل وهو أمر قال الحزب الحاكم إنه سيكون أولوية.
وتحدى إردوغان دعوات المعارضة للبقاء بعيدا عن الحملات الانتخابية رغم أن هناك بندا في الدستور يحظر انخراط رئيس الدولة في سياسات حزبية. كما أن تدخلاته المتكررة في وضع السياسات أثارت استياء داخل حزب العدالة والتنمية.
وسبق وأن مثل أرينتش صوتا معارضا نادرا داخل الحزب الحاكم. ففي مارس (آذار) انتقد الرئيس لتدخله في تعامل الحكومة مع عملية السلام مع المقاتلين الأكراد.
ورغم أن تصريحاته الأخيرة لم تستهدف إردوغان مباشرة فإنها تجيء عقب إصلاحات قضائية جرت في إطار حملة يقودها إردوغان للقضاء على نفوذ الداعية غولن الذي يتهمه الرئيس بمحاولة قلب نظام الحكم. وتقرر إبعاد مئات من القضاء ووكلاء النيابة وآلاف من ضباط الشرطة أو نقلهم بعد أن تكشف تحقيق الفساد الذي استهدف دائرة إردوغان المقربة في أواخر عام 2013. وأسقطت منذ ذلك الحين قضايا ذات صلة بالفضيحة.
وفي فبراير (شباط) حذر رئيس الهيئة القضائية المنتهية ولايته من أن القضاء يمكن أن يصبح «أداة انتقام» في أيدي السلطات السياسية بعد أن عزز المرشحون المدعومون من الحكومة قبضتهم على المحاكم الرئيسية. وقال أرينتش: «إذا تدنت الثقة في القضاء لنحو 20 في المائة في بلد ما.. فينبغي أن نضع رؤوسنا بين أكفنا وأن نستغرق في التفكير».
على صعيد آخر، نظم الجيش التركي أمس جنازة رسمية للرئيس السابق كنعان إيفرين قائد الانقلاب العسكري الأكثر دموية في تاريخ هذا البلد في غياب المسؤولين الحكوميين والمعارضة.
وتوفي إيفرين السبت عن عمر 97 عاما في مستشفى عسكري في أنقرة، وكان حكم عليه في يونيو 2014 بالسجن مدى الحياة بسبب دوره في انقلاب عام 1980، الذي يعتبر أسوأ سنوات تركيا الحديثة بسبب إعدام العشرات واعتقال مئات الآلاف.
وإيفرين المكروه من الليبراليين والإسلاميين واليساريين، ينظر إليه القوميون المتشددون كبطل لإنهائه سنوات من أعمال العنف بين مجموعات اليسار واليمين. وحتى في وفاته ظهر إيفرين كشخصية مثيرة للانقسامات إذ أعلن كل من حزب العدالة والتنمية الحاكم وأحزاب المعارضة مقاطعتهما للجنازة.
ونظم الجيش جنازة سابع رئيس لتركيا في مقره الرئيسي في أنقرة بحضور عسكريين وعائلته فقط.
وبثت محطة «إن تي في» الخاصة لقطات تظهر نعش إيفرين ملفوفا بعلم تركيا فوق عربة عسكرية بمواكبة الفرقة الموسيقية العسكرية. كما وقف العسكريون دقيقة صمت في ذكرى الراحل.
وغاب عن الجنازة مسؤولون من حزب العدالة والتنمية الحاكم وثلاثة أحزاب أخرى ممثلة في البرلمان، وكانت جميعها أعلنت سابقا مقاطعتها لقائد انقلاب عسكري مدان «بارتكاب جرائم ضد الدولة».
كما غاب عن الجنازة رئيس الأركان نجدت أوزيل وهو أصلا في إجازة مرضية حاليا. لكن وكالة دوغان للأنباء أكدت حضور أربعة من كبار قادة الجيش. وبعد الجنازة العسكرية، شارك نحو 300 شخص في صلاة الميت في مسجد قريب.
وأوقفت الشرطة رجلا وامرأتين تضعان الحجاب وقفوا خارج المسجد وهتفوا ضد قائد الانقلاب.
ودفن إيفرين في مقبرة الدولة المخصصة للرؤساء ورؤساء الحكومة ورفاق مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك.
تركيا: طرد 4 مدعين وقاضٍ حققوا في قضية فساد طالت حكومة إردوغان
نائب رئيس الوزراء أقر بتراجع الثقة في الهيئة القضائية في ظل حكم «العدالة والتنمية»
تركيا: طرد 4 مدعين وقاضٍ حققوا في قضية فساد طالت حكومة إردوغان
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة