ضمن برامج جماهيرية متخصصة ومتنوعة فتحت بلدية فيينا أبواب مبناها العريق وحديقته الفخمة، يوم الجمعة الماضي، من التاسعة وحتى السابعة مساء، لمحبي وعشاق النحل لمزيد من المعرفة عن كل ما يتعلق بالنحل وتربيته ومنتجاته بالمدينة التي وفقا لإحصاءات رسمية تحلق في سمائها هذا الصيف مائتا مليون نحلة.
يعمل بفيينا 600 نحال في مواقع قد لا يتوقع أحد أنها موطن لخلايا نحلية نشطة، ومنها مبنى أوبرا فيينا، ومبنى متحف التاريخ الطبيعي ومدرسة الخيول الإسبانية وهذه جميعها مواقع سياحية وفنية راقية تقف شاهقة وسط المدينة، بالإضافة لعدد من أفخم الفنادق، ومنها فندق إمبريال؛ حيث تستضيف النمسا الرؤساء والملوك من ضيوفها، وفندق ماريوت إنتركونتيننتال. وحتى مستشفى «الاكها» أكبر مستشفى حكومي بأوروبا الغربية له مناحله، بالإضافة لمبنى البلدية نفسه وقصر البلفدير، ناهيك بعدد من المدارس والدور الحكومية والخاصة والقصور.
تربية النحل والاهتمام بالمناحل ليس مجرد هواية في فيينا، بل وظيفة معتمدة قوامها بيئة مناسبة لحياة النحل توفرها المتنزهات العامة والحدائق الخاصة، بالإضافة لغابة فيينا التي تغطي مساحة 9.900 هكتار من المدينة، بجانب اهتمام متزايد بفوائد عسل النحل ومنتجاته ضمن اهتمام المدينة وأهلها بغذاء صحي وطبيعي.
وكما هو معلوم، فإن أصناف عسل النحل تختلف باختلاف أنواع النحل واختلاف النباتات والأزهار التي يتغذى بها ويستنشق رحيقها الذي يختلط بأنزيماتها.
وبجانب اختلاف الظروف الجوية والبيئية، فإن النحالة يسعون ما أمكن لتنوع أنواع ما يربونه من نحل بجانب تنوع نباتاته، مستفيدين من نوعية الغطاء النباتي ومن اختلاف البيئة وفقا لاختلاف المواقع الجغرافية.
وعلى سبيل المثال، فإن نحل المناحل المبنية فوق سقف مبنى أوبرا فيينا الواقع في قلب المدينة على شارع الرنق يتغذى على أزهار الحدائق الإمبراطورية التابعة لقصر الهوفوبورغ المجاور ومن أضخمها وأجملها حديقة «الفولكس قاردتن» أو حديقة الشعب التي تشتهر بأصناف رائعة وثرية من الورود بمختف الألوان والرحيق.
ليس بعيدا عن مناحل الأوبرا تتوفر مناحل متحف الحركة الانفصالية «السيسيون أو الآرت نوفو»، ولمناحل هذا المتحف قصة ترتبط بتاريخ أول بنك ادخار نمساوي استعمل «النحلة» كشعار تيمنا بما عرف عن النحل من نشاط في العمل والإنتاج ودقة النظام.
في عام 2012 قام هذا المصرف بترحيل منحلة كان يمتلكها بإقليم النمسا السفلى إلى قبة مدورة تعلو متحف السيسيون، بالغة الجمال يميزها لون ذهبي يتلألأ، تقف شامخة مواجهة لمقر رئاسته.
وكما يقول عاملون بمناحل السيسيون، فإن المدن أو الحضر عموما تعتبر موطنا جيدا للنحل، لكونها أقل خطورة لقلة استخدام المبيدات الزراعية والمواد الكيميائية، مؤكدين أن النحل قادر على تصفية الجسيمات والمعادن الموجودة في البيئة الحضرية، مشيرين إلى أنهم، وبعد 4 أشهر فقط من الانتقال من مزارع ريفية بإقليم النمسا السفلى إلى قمة السيسيون بفيينا، أصبحوا يمتلكون 65 ألف نحلة أنتجت 30 كيلو من العسل.
ليس ذلك فحسب، بل قام فنانان منهم بعزل «ملكة و50 من الخدم» وسجلا باستخدام مايكرفونات بالغة الحساسية ما صدر من زنزنة، مستخدمين حصيلة تلك الأصوات في كورال أوركسترالي، تخليدا للمؤلف النمساوي الأشهر إدوارد شتراوس 1862 - 1939 الذي ألف قطعة موسيقية باسم «النحلة».
تعتمد نحلات مناحل متحف قصر البلفدير على 11.500 نوع من النباتات مختلفة الأصول أتت من كل أنحاء العالم، بالإضافة لـ4 آلاف نبات من الفصيلة الألبية.
يعيش بجناحي قصر البلفدير 130 نوعا من النحل يرحب بها القصر ويفتخر بها افتخاره بلوحات وإبداعات أشهر فنانيه، بل أشهر رسامي النمسا على الإطلاق؛ الفنان جوستاف كليمت.
بدوره، يمتلك قصر الشونبرون مناحل وتستمتع نحلاته بمذاقات نباتات الـ«بوتنك قاردن» الغنية كما تمتلك مستشفى الاكها مناحل ضخمة توفر أنواعا من العسل تتناسب وما يقدمه المستشفى الضخم للمرضى من أطعمة خاصة.
من جانبها، تحرص بعض كبريات فنادق فيينا بتوفير إنتاجها الخاص من عسل نحلها الذي تهتم بتربيته كما لمعتمدية فيينا ولمدرسة الخيل الإسبانية الراقصة مناحلها.
هذا، وعادة ما تقدم المؤسسات الحكومية عسل مناحلها كهدايا رسمية، فإن بعضا منها يبيع ما يفيض لمتاجر معينة تتاجر في منتجات لا حصر لها من العسل والشموع، بالإضافة لأدوية ولمواد تجميل وكريمات وصابون مصنوع من العسل.
وكما أوضح لـ«الشرق الأوسط» الأستاذ هارالد داسلر الذي كان مشاركا وعدد من تلاميذه ضمن فعاليات اليوم المفتوح عارضين منتجات مناحل مدرستهم، فإن تربية النحل بفيينا تطورت من كونها مجرد هواية إلى عمل منظم يتسق والاهتمام المتطور بالبيئة والتغذية، موضحا أن مدرستهم وحدها تمتلك ما بين 40 ألف إلى 50 ألف نحلة يشارك الطلاب في رعايتها وتوفير ما تحتاجه من غذاء في فترة الشتاء عندما تغطي الثلوج النباتات ويصبح غذاء النحل الرئيسي عسلها أو ماء محلى بالسكر.
إلى ذلك، أكد الأستاذ داسلر أن المناحل، ودون شك، تحتاج لتأمين قانوني تقوم به شركات ومكاتب محاماة لحلحلة القضايا في حال اشتكى مواطن صاحب منحلة تعرض لقرصة نحلها أو هجومها..!
هذا، وقد حظي اليوم المفتوح بأكثر من برنامج ترفيهي بجانب ما توفر من معلومات ومن كميات ضخمة ومتنوعة من العسل للبيع وللتذوق.
يوم مفتوح للنحل والمناحل في مبنى بلدية فيينا
ضمن برامجه شرح لمحبي النحل وعشاقه المزيد من المعرفة عن تربيته ومنتجاته
يوم مفتوح للنحل والمناحل في مبنى بلدية فيينا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة