مطار عدن الدولي.. ساحة معارك لا تتوقف

أنشأه البريطانيون مطلع القرن الماضي ويحيط به بحر العرب

صورة أرشيفية لمطار عدن الدولي (أ.ف.ب)
صورة أرشيفية لمطار عدن الدولي (أ.ف.ب)
TT

مطار عدن الدولي.. ساحة معارك لا تتوقف

صورة أرشيفية لمطار عدن الدولي (أ.ف.ب)
صورة أرشيفية لمطار عدن الدولي (أ.ف.ب)

ما إن دخلت القوات الموالية للرئيس هادي معسكر القوات الخاصة، وإنهاء حالة التمرد وفرار قائد القوات الخاصة العميد عبد الحافظ السقاف، منتصف مارس (آذار) الماضي، حتى بدأت معركة مطار عدن الدولي الذي لجأت إليه فلول القوات الخاصة الفارة عبر نفق تم شقه من المعسكر إلى ساحة المطار، ومن وقتها وهذه المعركة ما زالت مستمرة بين المقاومة وقوات الرئيس الأسبق وميليشيات زعيم جماعة الحوثيين، دون حسمها من جانب المقاومة المدعومة بطيران التحالف، مما ظل سؤالا محيرا وغامضا بعض الشيء، « الشرق الأوسط» تسلط الضوء على أسباب استمرار معركة المطار بين الكر والفر طول الفترة الماضية، علاوة على توضيح أهمية وقيمة المطار لكلا الطرفين المتحاربين، داعمين موضوعنا هذا بنبذة تاريخية وكذا مواضع القوة والضعف التي يتمتع بها كل طرف.
مطار عدن الدولي هو مطار دولي يقع على بعد 6 كلم من وسط مدينة عدن ثاني أكبر مدن اليمن بعد العاصمة صنعاء، ويعد المطار المقر الرئيسي ومركز عمليات لطيران «السعيدة» في السنوات الأخيرة.
وكان مطار عدن الدولي قبل الوحدة المقر الرئيسي لطيران «اليمدا»، والتسمية اختصار لدولة اليمن الديمقراطي (سابقا) وهو الطيران الذي اندمج سنة الوحدة بين الجنوب والشمال يوم 22 مايو (أيار) 1990م فيما بات يعرف اليوم بطيران «اليمنية». يخدم المطار محافظة عدن والمحافظات القريبة منها، ويعتبر المطار ثاني أكبر مطار في اليمن بعد مطار صنعاء الدولي، ويعتبر أفضل مطارات اليمن من حيث الموقع، وذلك بسبب طبيعة اليمن الجبلية، إلا أن هذا المطار يحيط به بحر العرب من جهة الإقلاع والهبوط، ويرجع تاريخ إنشاء مطار عدن إلى عام 1927 عندما قامت القوات البريطانية المحتلة للجنوب حينها بتأسيس مطار عسكري في مدينة خور مكسر الحديثة التأسيس أيضا، وبعد الحرب العالمية الثانية قامت بريطانيا بتحديث عمراني واسع وشيدت بجانب المطار العسكري مطار عدن الدولي المعروف حاليًا، الذي شهد في عهد الدولة الوطنية الجنوبية بعض التحديثات عليه، مثل المبنى القائم اليوم، الذي حل محل المبنى القديم، وتم افتتاحه في منتصف ثمانينات القرن الماضي، ويبلغ طول المدرج 3100 متر. والعرض 45 مترا والأكتاف 2 × 7.5 متر ‏سعة ساحة وقوف الطائرات لعدد 12 طائرة، منها مواقف لـ«جامبو 747» و«إيرباص 340»، وما دون، و‏نوع المطار مدني - عسكري.
وفي الحرب الدائرة الآن بين ميليشيات الحوثي المدعومة من قوات صالح والمقاومة الشعبية التي شكلت عفويا من عدة أطياف جنوبية، جامعها المشترك الدفاع عن عدن ومحافظات الجنوب عامة من أي تمدد وتوسع قديم جديد يراد فرضه ثانية وبقوة السلاح، في هذه الأثناء برزت للوجود ولوسائل الإعلام أهمية مطار عدن الدولي، فمنذ اللحظة الأولى لاندلاع المواجهات المسلحة بين ما سمي وقتها باللجان الشعبية الموالية للرئيس هادي، والقوات الخاصة المؤيدة للقائد المتمرد على قرار الرئاسة العميد عبد الحافظ السقاف المتمركزة قواته في معسكر الصولبان القريب من ساحة المطار شمالا، في هذه الظروف برز اسم المطار، وتناقلت وسائل الإعلام المختلفة المعارك المجترحة حوله، ودونما الإلمام بخلفية هذه المواجهات، وكذا لما يمثله المطار من أهمية ورمزية وقيمة عسكرية وسيادية لكلا الطرفين المتحاربين.
«الشرق الأوسط» بدورها حاولت الاقتراب من موضوع الاقتتال الدائر في المطار، ولماذا طال أمده؟ وكيف أنه، ورغم الضربات الجوية الكثيفة من طيران التحالف، فإن قوات وميليشيات صالح والحوثي ما زالت تسيطر على المطار، وتستطيع المقاومة تحريره من قبضة الميليشيات وكتائب الحوثي وصالح؟
الإجابة عن هذين السؤالين يستلزمها معرفة دقيقة بماهية الموقع من الناحية العسكرية والاستراتيجية، فقبل عشرين سنة ونيف وتحديدا في حرب صيف 1994م، مثل المطار مفتاحا لدخول قوات الرئيس صالح إلى عدن؛ فمع وصول أول دبابة لساحة المطار من جهة العريش شرقا، كان ذلك إيذانا بسقوط عدن كاملة وقبل اجتياحها، اليوم يتكرر السيناريو وإن بشكل مختلف، فقوات الرئيس الأسبق وبمساندة من الميليشيات أرادت الاحتفاظ بالمطار والاستماتة فيه لإدراكها العميق بأن تفريطها في أهم منفذ جوي سيادي عسكري بدوره سيغير كامل المعادلة على الأرض، لذا ومن خلال قوتها المتمثلة بكتائب اللواء 39 مدرع المرابط في المساحة ذاتها المقتطعة من المطار لمصلحة ما عرف زمنًا بالمطار الحربي الملاصق، ومنذ ما قبل حرب 1994م. المقاومة ورغم ما حققته من تقدم للسيطرة على المطار إلا أن محاولاتها هذه غالبا ما اصطدمت بترسانة السلاح الثقيل المتمثل بثلاث كتائب مدرعة مسنودة بسرايا قتالية إضافية إلى جانب تعزيزات بشرية ومادية آتية لها من معسكري القوات الخاصة المنسحبة من معسكراتها في الصولبان ودار سعد، فضلا عن كتيبتين تابعة للواء تتموضع فيما عرف بلواء المظلات شمال عدن، ناهيك بأن المطار يقع في محيط مائي يمتد طوال الشريط الغربي، كما تحفّه مياه بحر العرب من الجهة الشرقية، علاوة لرمال أحواض الملح شمالا، هذا إذا ما قلنا إن هذه القوات المنتشرة الآن في أرجاء المطار، وحتى جزيرة العمال غربا، معتمدة في الأساس على التعزيزات المقبلة إليها من طريق العريش شرق المطار، وهذا الطريق يعد ملتقى للإمدادات الآتية من ناحيتي الشرق والشمال ويتدفق الأول من البيضاء وأبين وعبر خط ساحل أبين المؤدي إلى العريش، والآخر من معسكر العند في لحج والمدينة الخضراء شمالا، وكلاهما يمثل عصب ديمومة واستمرار تفوق القوات الموالية لصالح والحوثي، بل ويمكن القول إن استمرار معركة الكر والفر في مساحة المطار، مرجعه هذه السيطرة على الطريق الساحلي الرابط بين محافظتي أبين وعدن.
هذه السيطرة على المطار من الناحيتين الشرقية والغربية جعلت المقاومة محصورة في طرف الطريق البحري من جهة الشمال الغربي، وكذا في مقاومة محدودة توجد في محيط المطار داخل المدينة ذاتها أو من طرفها الشمالي، فكل محاولات هذه المقاومة تصطدم إما بمانع طبيعي يتمثل بجسر بحري مكشوف يمتد من المنصورة غربا، وحتى جولة فندق عدن جنوبا، وأي محاولة لعبور هذا الطريق البحري تفشل نظرا لسهولة ضربها من جزيرة العمال يمينًا والمطار شرقا، وإما أن فشلها ناتج عن تفوق في السلاح وسيطرة على المكان، وكذا طرق الإمداد إليه من ناحية الطريق الساحلي شرق المدينة.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».