مدينة إسطنبول من المدن التي لا يمكن أن تزورها مرة واحدة فقط، فهي من بين تلك الوجهات التي يتعلق السائح بها وتجعله يعود إليها لاكتشاف المزيد، لأنها جميلة وذكية وتعرف كيف تشد الزائر إليها، وفي كل مرة تزورها تكتشف شيئا جديدا في مدينة عتيقة، لدرجة أن قسمها الجديد عمره أكثر من خمسة آلاف سنة. واللافت في هذه المدينة هو التناغم الواضح ما بين القديم والأقدم والجديد.
وفي كل مرة تزور بها إسطنبول، وفي أي وقت من الأوقات، تستقبلك بمآذنها التي تزين أفقها، فهي كريمة بمساجدها، حيث ينتشر فيها نحو ثلاثة آلاف مسجد، غالبيتها يصلى فيها ولا تزال على أحسن ما يرام من حيث مبانيها وعمرانها.
عندما تصل إلى مطار أتاتورك ستظن أنك وصلت إلى سوق البازار الشهيرة في المدينة، فعدد الزوار كبير جدا. ستجد صعوبة في المشي للوصول إلى بوابة الخروج، لذا أنصح هنا بأن تقدم طلب التأشيرة (إذا كنت بحاجة إليها) على الإنترنت قبل السفر. ولحاملي الجوازات البريطانية يمكنهم الحصول على تأشيرة مقابل مبلغ 20 يورو، وفي حال لم تحصل على التأشيرة من قبل فيمكنك ذلك في المطار، لكن الطوابير غالبا ما تكون طويلة، وقد يكون اللبنانيون من بين المحظوظين ولو لمرة، لأنهم ليسوا بحاجة إلى تأشيرة دخول.
لأول مرة في حياتي أترك لندن على مضض، والسبب هو أنني تركت الشمس الساطعة في عاصمة الضباب وتوجهت إلى إسطنبول التي توقعت مصلحة الأرصاد الجوية أن يكون طقسها غائما وباردا وماطرا طيلة فترة إقامتي، وسوف يتحسن يوم عودتي، يا لحسن حظي، ولكن على الرغم من هذا الخبر السيئ فإنني لم آبه، لأن حبي لإسطنبول لا تؤثر عليه الغيوم ولا يتأثر بانخفاض دراجات الحرارة، كما أن هذه الزيارة تزامنت مع إقامتي في فندق «سانت ريجس» الذي افتتح للتو في إسطنبول، فكنت متحمسة لرؤية أجدد عنوان إقامة في مدينة تشتهر بروعة فنادقها التي تستمد رونقها من جغرافيا البلاد الأوروبية والشرق أوسطية في الوقت نفسه.
استغرقت الرحلة ثلاث ساعات ونصف الساعة، وبعد الوصول إلى المطار والانتظار في طابور طويل جدا، يبدأ من باب الطائرة، حان وقت الخروج لرؤية ما تغير في إسطنبول منذ آخر مرة قمت فيها بزيارتها، وفي الواقع لم تتغير كثيرا لأن زحمة السير الخانقة لا تزال المشكلة الأولى في البلاد، كما أن الأبنية القديمة لا تزال واقفة وشاهدة على استقبال السياح الذين يأتون كل عام إلى إسطنبول بالملايين مما يجعلها تحتل المرتبة الأولى بالنسبة للوجهات السياحية العالمية، الفرق الوحيد هو تغير الأتراك أنفسهم وانتشار اللغة العربية في المدينة في بشكل كبير نسبة لعدد السوريين الذين نزحوا إليها بسبب الأزمة في بلادهم.
* بطاقة بريدية من إسطنبول
رحلتنا هذه المرة هي على خطى الممثل الأميركي جون مالكوفيتش، الذي اشترك مع سلسلة فنادق «سانت ريجس» لكتابة نص وإخراج فيلم قصير بعنوان «بطاقة بريدية من إسطنبول» (A Postcard from Istanbul) يبين أهم معالم المدينة التاريخية احتفاء بإطلاق أول فرع لفنادق سانت ريجس في المنطقة، وهذا الفيلم متوافر على قناة «يوتيوب»، وقمنا نحن بدورنا بزيارة المعالم التي زارها مالكوفيتش.
* زيارات على خطى جون مالكوفيتش
* برج غالاتا (Galata Tower)
أول محطة في رحلتنا كانت برج غالاتا الذي يبعد عن الفندق الواقع في حي نيشانتشي بنحو 15 دقيقة بالسيارة، فالبرج يرتفع على علو 67 مترا ويطل على المدينة من جميع الزوايا، ويعرف البرج أيضا باسم «برج المسيح»، ويعود بناؤه إلى القرون الوسط.، عندما شيد عام 1348 كان يعتبر حينها أطول مبنى في المدينة. تغير شكل البرج على مر القرون والعصور، وقد كان يستخدم في الأساس كبرج مراقبة لرصد الحرائق في المدينة، أمام اليوم فأصبح من المعالم السياحية التي يأتيها السياح لالتقاط أجمل الصور لإسطنبول، فيمكن الوصول إلى أعلى طابق فيه عبر مصعد كهربائي وبعدها يمكنك الخروج إلى ممشى دائري يمكنك من التقاط أجمل الصور. كما يوجد به مقهى في الطابق التاسع بالإضافة إلى ملهى ليلي.
* بازيليكا سيستيرن (Basilica Cistern)
في الكثير من الأحيان نكتفي بزيارة المثلث السياحي الذي يقتصر على قصر «توبكابي» وكنيسة «آيا صوفيا» و«الجامع الأزرق» ولو أن لونه ليس أزرق إنما تمت تسميته هكذا نسبة للون سقفه من الداخل، فتلك المعالم قريبة جدا من بعضها البعض، وننسى في الكثير من الأحيان أن نعرج على معلم رائع قريب جدا يطلق عليه اسم «بازيليكا سيستيرن»، الواقع تحت الأرض، والذي تصل إليه عبر سلالم، لتشاهد منظرا رائعا، قناطر مضاءة عائمة في بركة واسعة من الماء، وهذا المكان كان يعتمد عليه في القرن السادس لمد أهالي إسطنبول بالماء وبني على يد الإمبراطور الروماني جوسينيان. وهذه الزيارة ستجعلك تفكر بعبقرية الرومان وكيفية توصلهم لبناء مثل هذه المعجزة الهندسية والمعمارية في تلك الفترة.
يمكن لخزان الماء الذي بني تحت الكاتدرائية أن يستوعب 2.8 مليون قدم مكعب من الماء، وظهر هذا الموقع في فيلم جيمس بوند «من روسيا مع الحب» (From Russia with love) الذي صور عام 1963.
* قصر توبكابي (Topkapi Palace)
لا تفوت على نفسك زيارة هذا المعلم التاريخي الرائع الذي يمزج ما بين التاريخ وروعة المشاهد، فهو غني بالتاريخ العثماني. القصر مسور بحائط من الحجر على طول 3.1 ميل مع 27 برجا. يعود تاريخ بنائه إلى القرن الخامس عشر ويحتل تلة عالية مطلة على بحر مرمرة ومضيق البوسفور والقرن الذهبي. تحول اليوم إلى متحف بعدما كان مكان سكن الإمبراطور العثماني وأعضاء العائلة الحاكمة والحكومة التركية. وتوجد به قطع ثمينة وكنوز وجواهر تعود إلى الحقبة العثمانية.
* سوق البهارات Spice Bazaar
تعتبر سوق البهارات من أكبر الأسواق المتخصصة ببيع مختلف أنواع البهارات، فهي تقع في القسم الجديد من المدينة. وتضم عددا كبيرا من المحلات الصغيرة لبيع البهارات بمختلف أنواعها. وبحسب نصيحة فاتوش مرشدتنا السياحية فمحل «Ucuzcular Baharat» هو الأفضل، لأنه يبيع خلطات لا تجدها في محل آخر، كما أن النوعية تضاهي أي مكان تجاري آخر، وتشرف على المحل فتاة تدعى بيليغ وهي تنتمي إلى الجيل الخامس لأصحاب المحل، درست وتخرجت في أميركا وتدير المحل وتضع لمساتها العصرية عليه. ومن ألذ ما يمكن أن تشتريه الحلوى التركية (Turkish delight) بنكهة الرمان والمغطاة بحبوب من الشوكولاته وأخرى بنكهة التين.
ويوجد في السوق أيضا محل لبيع الأنتيكة والقطع الأثرية اسمه «Ozer»، ويشتهر ببيع المقتنيات العثمانية والقطع الأثرية، ويعتبر محل «Tugra Canta» من أشهر محلات بيع حقائب اليد المقلدة.
* البوسفور
أفضل طريقة لاكتشاف البوسفور هي عن طريق تأجير مركب سياحي يأخذك في رحلة تعريفية. ترى وأنت في طريقك إلى الشمال من القرن الذهبي المنازل الفارهة على ضفاف المضيق الملاصقة لبيوت أثرية، وفي الجهة الأوروبية من البوسفور تقع منطقة «بيبيك» التي تعيش فيها النخبة من سكان المدينة، كما توجد المطاعم والمقاهي المتاخمة للبوسفور التي ترتادها الطبقة المخملية من المجتمع.
* البازار (Grand Bazaar) يتكلم العربية
محبو التسوق ومحبو زيارة الأماكن الأثرية على حد سواء لا بد أن تكون لهم وقفة في البازار، أو السوق الكبيرة التي تعتبر أكبر سوق عالمية، وهي أهم معلم سياحي في العالم من حيث استقطاب السياح. يزورها يوميا أكثر من ربع مليون زائر، وتضم أكثر من خمسة آلاف محل تبيع المنتجات التركية من حقائب وشالات إلى مجوهرات وسجاد وأدوات منزلية. المفاصلة هنا مهمة جدا، فلا تقبل بالسعر الذي يعرض عليك، لأنه في نهاية المطاف يمكنك الحصول على المنتج بنصف السعر المطلوب. يمكن الدفع بالليرة التركية أو بالدولار الأميركي أو حتى باليورو، وتسعون في المائة من العاملين في البازار يتكلمون العربية، لأن هناك نسبة كبيرة من النازحين السوريين الذين تحولوا إلى باعة في البازار ومحيطه، أو أنه بحكم احتكاك العمال الأتراك بالزوار العرب اكتسبوا اللغة وتجدهم طلقين في التحدث بها.
تتفاوت النوعية من محل إلى آخر، وإذا كنت تبحث عن شالات و«باشمينا» وما يعرف باسم «Shahtoosh» أنصحك بمحل «Ottomano» الذي يبيع أجود أنواع الشالات.
* التسوق
إذا كان هدفك التسوق بميزانية عالية، فما عليك إلا التوجه إلى منطقة نيشانتشي التي تضم أهم الماركات العالمية مثل «شانيل» و«برادا» و«بيربيري».. وإذا كانت الميزانية متوسطة فيمكنك التوجه إلى منطقة تقسيم وشارع استقلال، وفي هذا الشارع يمكنك أن تستقل الترام الذي يتجول على طول الشارع.
* عنوان العرب
الكثير من العرب يبحثون في رحلاتهم عن أماكن يجدون فيها الشيشة والمقاهي العربية، ففي إسطنبول تنتشر في منطقة تقسيم عدة مقاه ومطاعم عربية ومكاتب سفر عربية أيضا.
* أين تأكل
عندما تزور مدينة مثل إسطنبول فمن الضروري أن تتذوق المأكولات المحلية، ومن المستحسن دائما أن تسأل أهل البلد وتأخذ بنصيحتهم، ولذا توجهنا إلى مطعم «Sultanamet Koftesi» الواقع بالقرب من «آيا صوفيا»، يأتي إلى هذا المطعم أهالي المدينة والزوار من كل بقاع العالم. وقد افتتح أبوابه منذ عام 1920، ويتميز بتقديم المأكولات التركية التقليدية مثل الكباب والسلطات، ويتوزع على ثلاثة طوابق وتكسو الجدران صور لمشاهير زاروا المطعم. ومن المطاعم التركية الجيدة أيضا: «Borsa، وHunkar، وKosebasi، وHamdi».
ولمحبي الأسماك يوجد مطعم بسيط جدا في منطقة Kuzguncuk يعرف باسم «Medayada Ismet Baba»، وهو في القسم الآسيوي من المدينة، يقدم الأسماك على أنواعها، ويقع على البوسفور مباشرة. ومن مطاعم الأسماك الجيدة الأخرى «Sur Balik»، و«Park For a»، و«Bebek Balikci».
وإذا كنت من محبي المأكولات اللبنانية في قالب عصري ومختلف، اكتشفت لك مطعما يحمل اسم «قهوة فيروز» (Kahwet Fairuz) في محيط منطقة نيشانتشي، ويتميز بديكوراته الشرقية العصرية الرائعة. تدخل إليه لتجد صورة السيدة فيروز (ولو أنها تشبه أكثر أسمهان)، ثريا من الكريستال تتدلى إلى جانب إنارة خافتة من تحت طرابيش حمراء عملاقة. المأكولات لبنانية ولكن بتصرف، وهذا يعني أن التبولة تحتوي على دجاج ورقاقات الجبن تضم اللحم، لكن المذاق جيد جدا والأجواء جميلة، مع العلم بأن صاحب المقهى والعاملين ليسوا لبنانيين.
* عناوين راقية
* سباغو Spago
هذا هو المطعم الأول للطاهي العالمي وولفغانغ باك في تركيا. افتتح الشهر الماضي في الطابق الأخير من فندق «سانت ريجس» ويقدم المأكولات الغربية، ويطل على البوسفور، ويتمتع بتراس خارجي واسع.
* عناوين السهر
إسطنبول مدينة لا تنام وتوجد بها عدة أماكن للسهر منها: «Reina» و«Anjelique» و«360»، وكل هذه العناوين تقع على ضفاف البوسفور.
* أحدث عناوين الإقامة
كأي مدينة سياحية أخرى تتوافر الفنادق من جميع الفئات وبمختلف الأسعار التي تختلف من مكان إلى آخر بحسب الموقع ومميزات الفندق نفسه. ولكن في الغالب يبحث السائح عن العناوين الجديدة خاصة إذا كان قد زار المدينة من قبل، وبما أن هناك نسبة كبيرة من السياح العرب الذين يواظبون على زيارة إسطنبول فإننا اخترنا لهم عنوانا جديدا افتتح الشهر الماضي وهو يقع تحت لواء «ستاروود» للفنادق الفاخرة، وهو أول فندق «سانت ريجس» في إسطنبول، يتميز بموقعه في قلب المدينة وتحديدا في منطقة نيشانتشي، ومنه يمكنك أن تصل إلى منطقة تقسيم واستقلال مشيا على الأقدام، وتنتشر حوله المقاهي والمطاعم الراقية، بالإضافة إلى البوتيكات العالمية، كما أن موقعه يسهل الوصول إليه من المطار دون الحاجة لأن تعلق في زحمة سير خانقة. فيه 118 غرفة وجناحا، ويقدم خدمة النادل الشخصي «باتلر» لكل زائر، وتجد فيه مركزا صحيا جميلا يقدم أفضل العلاجات التركية مثل الحمام التركي إلى جانب العلاجات العالمية الأخرى.