النظام يتمركز على جبال اللاذقية.. ويتبادل الاتهامات مع المعارضة بشأن مجزرة جسر الشغور

الائتلاف: الانتصارات تتطلب انعطافة حقيقية في الدعم والتنسيق

صورة نشرتها «جبهة النصرة» في حسابها على «تويتر» السبت الماضي بعد دخول «جيش الفتح» إلى مدينة جسر الشغور وطرد النظام منها (أ.ب)
صورة نشرتها «جبهة النصرة» في حسابها على «تويتر» السبت الماضي بعد دخول «جيش الفتح» إلى مدينة جسر الشغور وطرد النظام منها (أ.ب)
TT

النظام يتمركز على جبال اللاذقية.. ويتبادل الاتهامات مع المعارضة بشأن مجزرة جسر الشغور

صورة نشرتها «جبهة النصرة» في حسابها على «تويتر» السبت الماضي بعد دخول «جيش الفتح» إلى مدينة جسر الشغور وطرد النظام منها (أ.ب)
صورة نشرتها «جبهة النصرة» في حسابها على «تويتر» السبت الماضي بعد دخول «جيش الفتح» إلى مدينة جسر الشغور وطرد النظام منها (أ.ب)

طالب الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السورية أمس، بـ«انعطافة حقيقية في مستوى الدعم والتنسيق المقدم لقوى الثورة السورية، بما يمكن أن يعجل من هذا التحرير ويختصر قدرًا كبيرًا من المعاناة ويحقن دماء الكثير من المدنيين»، في وقت تبادل فيه الاتهامات مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد بالمسؤولية عن مجزرة ذهب ضحيتها 30 مدنيًا في وسط مدينة جسر الشغور، عقب سيطرة قوات المعارضة عليها، وهو ما نفاه مدير المرصد السوري رامي عبد الرحمن، مؤكدًا أن الطيران الحربي نفذ ضربة في ساحة الصومعة أول من أمس، أسفرت عن مقتل 27 شخصًا، بينهم 20 مقاتلاً معارضًا على الأقل.
وغداة السيطرة على المدينة الاستراتيجية غرب مدينة إدلب الحدودية مع تركيا، قالت مصادر في المعارضة السورية إن قوات النظام دفعت بتعزيزات إلى الحدود الشرقية لمحافظة اللاذقية، معقل النظام السوري، وتمركزت على الجبال لمنع قوات المعارضة من التقدم إلى مناطق نفوذ النظام الساحلية، مشيرة في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن القوات الحكومية «تموضعت في الجبال الشاهقة المطلة على سهل الغاب ومحافظة إدلب، وأنشأت مرابض مدفعية جديدة وقواعد لراجمات الصواريخ، بعد إخراج قواتها من الثكنات في اللاذقية والدفع بها باتجاه الحدود الشرقية».
وفيما تبادل النظام والمعارضة الاتهامات بوقوع مجزرة في ساحة الصومعة في وسط جسر الشغور، قال عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط» إن «مدنيين اثنين على الأقل وعشرين مقاتلا قضوا جراء قصف الطيران الحربي على مناطق في وسط جسر الشغور السبت، بالإضافة إلى وجود خمس جثث لم يتم التعرف على هويات أصحابها»، لافتًا إلى أن «عدد القتلى مرشح للارتفاع بسبب وجود عشرات الجرحى بعضهم في حالات خطرة». وأشار إلى وجود 20 مفقودًا بين المدنيين والعسكريين «نقل أغلبهم إلى مستشفيات باب الهوى في تركيا». كما أفاد عبد الرحمن بوقوع مجزرة جديدة في دركوش بريف إدلب، ذهب ضحيتها 25 شخصًا على الأقل، جراء قصف الطيران الحربي لمناطق فيها.
وكان الائتلاف السوري أعلن أن «فصائل الثوار اكتشفت أثناء تمشيطها لمقرات النظام الأمنية بعد تحرير مدينة جسر الشغور، مجزرة بحق 23 معتقلاً في زنازين الأمن العسكري في المدينة، قام عناصر النظام بتصفيتهم قبل انسحابهم منها، ترافق ذلك مع استهداف طائرات النظام للمدنيين في حي الصومعة داخل المدينة، ما أدى لوقوع مجزرة راح ضحيتها 30 (شهيدًا) حتى الآن». لكن النظام اتهم، على لسان مصدر عسكري نقلت وكالة «سانا» تصريحاته، قوات المعارضة بارتكاب مجزرة الصومعة، قائلاً إن «عدد ضحايا المجزرة المروعة التي ارتكبها الإرهابيون زاد على ثلاثين شخصا معظمهم من الأطفال والنساء المختبئين داخل منازلهم هربا من إرهاب (جبهة النصرة) والتنظيمات التكفيرية التي تعيث قتلا وتخريبا وتدميرا في المدينة».
وفيما تتواصل الغارات الجوية على المدينة غداة سيطرة المعارضة عليها، أكد رئيس الائتلاف خالد خوجة أن «تحرير مدينة جسر الشغور الواقعة على الضفة الغربية لنهر العاصي بمحافظة إدلب، يمثل خطوة إضافية مهمة ومنتظرة على طريق تحرير كامل التراب السوري، الأمر الذي يتطلب انعطافة حقيقية في مستوى الدعم والتنسيق المقدم لقوى الثورة السورية، مما يمكن أن يعجل من هذا التحرير ويختصر قدرًا كبيرًا من المعاناة ويحقن دماء الكثير من المدنيين. إن خطوات جادة في هذا الطريق يمكن أن تجبر نظام الأسد على الرضوخ خاصة في ظل ما يعانيه من تأكّل داخلي ونزاعات وتصفيات طالت شخصيات مهمة في نظامه الأمني».
وقال خوجة في بيان حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، إن «هذه الانتصارات تفرض واقعًا سياسيًا جديدًا لا بد من أخذه بعين الاعتبار، وهي تحتاج إلى دعم يقدم حماية نهائية وحاسمة من اعتداءات النظام الانتقامية بحق المدنيين باستخدام الطائرات والمروحيات والغازات السامة المحرمة من خلال فرض منطقة آمنة، ولا بد، بالتوازي مع ذلك، من سحب كل أنواع الاعتراف القانوني بالنظام المجرم. إن الجهود لا بد أن تتضافر من أجل التمهيد لانتقال سياسي كامل يقطع سلسلة الموت التي ينفذها النظام، ويفتح الباب أمام إعادة البناء والانتقال بسوريا إلى دولة مدنية تحقق تطلعات أبنائها جميعًا».
وجاءت هذه التطورات، بموازاة تكثيف الطيران الحربي السوري غاراته الجوية على مناطق عدة في جسر الشغور شمال غرب سوريا، غداة سيطرة جبهة النصرة وكتائب إسلامية مقاتلة بالكامل على هذه المدينة الاستراتيجية، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان. وقال المرصد إن «الطيران الحربي نفذ عشرين غارة على مناطق في مدينة جسر الشغور ومحيطها»، من غير أن يشير إلى خسائر بشرية، لكنه أفاد بارتفاع حصيلة قتلى غارات أمس السبت إلى أكثر من 27 شخصا.
وتعرضت المدينة لقصف جوي مكثف إثر انسحاب قوات النظام منها أمس، بعد خوضها اشتباكات عنيفة ضد مقاتلي النصرة والكتائب الإسلامية منذ الخميس الماضي.
وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن إن «حالة هستيرية أصابت قوات النظام، بعد هزيمته في قرى بسهل الغاب، حيث ألقى طيران النظام المروحي، أكثر من 32 برميلا متفجرًا على الريف الحموي»، مشيرًا إلى أن «خسارة النظام لهذه المناطق بسهل الغاب تعتبر ضربة مؤلمة للعقيد سهيل الحسن، الذي يتحدر من محافظة حماه، والنظام يريد أن يظهر لأبناء الطائفة العلوية أنه يدافع عنهم، في الوقت الذي قتل منهم، خلال السنوات الأربع الماضية، ما لا يقل عن 100 ألف، كانوا منخرطين في صفوف الجيش والدفاع الوطني وبشار الأسد، ما زال يلقي بوعوده إليهم».
ووثق المرصد أيضًا تنفيذ الطائرات الحربية النظامية 20 غارة جوية أمس، استهدفت مناطق في مدينة جسر الشغور ومحيطها، في وقت تواصلت فيه المعارك بين قوات النظام ومقاتلي المعارضة جنوب المدينة، بحسب المرصد، بموازاة استهداف مدفعية الجيش مواقع المقاتلين المعارضين في قرى الزيارة وجسر بيت الرأس والمنصورة وتل واسط في منطقة سهل الغاب.
بدورها، نقلت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) أمس الأحد عن مصدر عسكري قوله إن «وحدات من الجيش والقوات المسلحة نفذت غارات ليلية على عدد من النقاط العسكرية التي تسللت إليها المجموعات الإرهابية في محيط المدينة». وأشار المصدر إلى أن وحدة من الجيش «قضت في كمين محكم على مجموعة إرهابية بكامل أفرادها في محيط المشفى الوطني عند المدخل الجنوبي لمدينة جسر الشغور في ريف إدلب».
وذكرت الوكالة أن القوات الحكومية فرضت طوقًا على مقاتلي المعارضة في بلدتي المنصورة والقاهرة في ريف حماه الشمالي الغربي، فيما استهدف سلاح الجور رتلاً للمسلحين على محور قليدين العنكاوي بريف حماه ودمر 6 عربات بمن فيها من مسلحين.
وتأتي سيطرة جبهة النصرة وكتائب إسلامية على جسر الشغور إثر انسحاب قوات النظام في 28 مارس (آذار) من مدينة إدلب، مركز المحافظة. وبات وجود النظام في محافظة إدلب يقتصر اليوم على مدينة أريحا (على بعد نحو 25 كيلومترا من جسر الشغور) ومعسكر المسطومة القريب منها، ومطار أبو الظهور العسكري شرق المحافظة.
وقال الخبير في الشؤون السورية في جامعة ادنبره توماس بييريه لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن سيطرة الكتائب المعارضة على جسر الشغور تعد «نقطة تحول». وأضاف: «إنها نهاية مرحلة الهجوم المضاد الذي بدأته القوات الموالية في ربيع 2013».
وبات النظام السوري وفق بيرييه في «موقف ضعيف جدا، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أنه سيسقط غدا»، إذ سبق أن تمكن من الصمود على الرغم من الخسائر العسكرية الكبرى التي مني بها عام 2012.
وتوقع بيرييه احتمال خسارة النظام لمناطق أخرى «نتيجة لأسباب بنيوية تتعلق باستنزاف عناصره، ما يجبره على التخلي عن مناطق لصالح كتائب المعارضة بهدف التركيز على الدفاع عن أولوياته».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.