ما بعد «عاصفة الحزم».. حقبة «تحالف المعتدلين»

ما بعد «عاصفة الحزم».. حقبة «تحالف المعتدلين»
TT

ما بعد «عاصفة الحزم».. حقبة «تحالف المعتدلين»

ما بعد «عاصفة الحزم».. حقبة «تحالف المعتدلين»

يحتاج الوضع العربي الراهن أمام تنامي التطرف الديني وأزمة تفكيك الدولة وانقسامية المجتمع، وما ينتجه كل هذا من حروب داخلية وإقليمية غير مباشرة في الشرق الأوسط إلى إعادة ترتيب قواه الداخلية والقيام بمبادرات فعالة لواجهة الأزمات الراهنة.
ولعل اضطرار الحلفاء من الدول العربية والإسلامية لـ«عاصفة الحزم» التي قادتها المملكة العربية السعودية، كرد فعل على أحداث الانقلاب على الشرعية في اليمن، يؤكد خطورة تدعيم الصراع السياسي بالمذهبية الدينية كما هو معمول به عند جماعة أنصار الله بزعامة عبد الملك الحوثي، من جهة؛ أو استعمال مقدرات الجيش الوطني بناء على اصطفاف قبلي تدميري للدولة من جهة أخرى، كما يفعل الرئيس السابق علي عبد الله صالح.

* الحفاظ على استقرار الدولة
* إن طبيعة المعركة الحربية، والسياسية، والتنموية، على الأراضي اليمنية يمكن اعتبارها نموذجا مفسرا لطبيعة النسق العام المشكل للدولة والمجتمع العربي الراهن؛ وما يحتويه هذا النسق من إمكانية كبيرة لتفجيره عبر الصراعات السياسية الداخلية المدعومة من القوى الإقليمية أو الدولية. ومن هنا تأتي حاجة الأمن القومي العربي لأن تلعب المملكة العربية السعودية دور القيادة العربية ذات الثقل الديني والقومي، بشكل يحافظ على حماية مكتسبات الدولة الوطنية، وفي نفس الوقت يلعب دور الحاضن لمختلف الفاعلين الوطنين المؤثرين، وخصوصا المعتدلين.
فمن الناحية السوسيولوجية، يعتبر تبادل التأثير بين العوامل المعرفية الدينية، مع ديناميكية المجتمع وخبرته السلوكية، وكذا مع نوعية المؤسسات الدستورية الجامعة له أمرا محسوما مع قيام الدولة الحديثة. وقد شكلت المملكة السعودية عبر تشكلها التاريخي الحديث، منذ سبتمبر (أيلول) 1932م، نموذجا ناجحا لانسجام تلك العناصر، كما كانت ساحة مستقبلة للمثقفين والكوادر الدينية المعتدلة التي عانت من الاضطهاد الناصري في الخمسينات من القرن الماضي وغيره.
وإذا كانت التطورات الراهنة عربيا، وفي اليمن خاصة، لا تترك مجالاً للمتشككين في قدرة المتطرفين الدينين الطائفيين على هدم النسق الجامع للجماعة الواحدة، خاصة مع ازدياد وتيرة استعمال العنف الديني والسياسي بين المكونات القطرية العربية الواحدة؛ فإن الخبرة السعودية على إدارة الوضع العربي وقيادته منذ بداية سبعينات القرن الماضي (القرن العشرين)، أثبتت قدرة فائقة للقيادة السياسية السعودية عبر حقب مختلفة، على تجاوز مثل هذه الأزمات العربية، سواءً تلك المتعلقة بالصراع العربي - العربي أو التدخلات الإقليمية التوسعية الإيرانية؛ أو تلك المتعلقة بالاستغلال السياسي للدين من طرف الجماعات الإرهابية الحاملة لراية «الجهاد» المزعوم.

* مشروع الاعتدال في مواجهة التطرف
* إن زيادة الطلب بهذا الشكل «الاستعمالي» للدين الإسلامي، من الزاوية الطائفية والسياسية، دفع بالوضع العام ليحتل فيه الدين والطائفية الصدارة من حيث كونهما موضوعين للنزاع، وفي نفس الوقت سلاحا بيد التطرف العَلماني والديني على السواء؛ في صورة يمكن اعتبارها أكبر تهديد داخلي تواجهه الجماعة والمجتمع والدولة؛ خاصة بعد ازدياد منسوب استعمال الفتوى لتكريس الفرقة المذهبية الدينية، والاقتتال الطائفي.
لقد كان من الطبيعي أن يبرز التطرف على السطح، وتنتعش مصادر استنباته الدينية، خاصة بتكاثف عوامل موضوعية أهمها الاستبداد السياسي، والانغلاق الديني، وكذا مع ظهور ظاهرة مستحدثة عالميا، تتمثل في استعمال بعض القوى العالمية للمتطرفين كفاعلين في العلاقات الدولية وصراعاتها الجيو - استراتيجية، المتعلق بالممرات المائية الدولية، أو تلك المتعلقة بموارد الطاقة، والمواد الأولية.
ومع تراجع المؤسسات الأهلية والشعبية الدينية، وتخلف بعض من يدعون الفقه عن مستجدات عصرهما، ظهر رد فعل متطرف موازٍ مثل محاولة احتكارية من نوع جديد، قادته الجماعات المتطرفة الإرهابية. وهدفت المحاولة سحب حق المجتمع الجماعة في الانتماء الإسلامي، فيما حكمت على الدولة المستبدة بالكفر، وواجهتها، بالقوة العسكرية في محاولة منها لإحلال محلها في التربع على عرش احتكار الدين، وتقزيم دور المجتمع وسلطته على الدولة والمؤسسة الدينية.
ومع قدرة «النموذج الاحتكاري» على تجديد نفسه والتكيف مع الظروف التاريخية التي يعيش فيها، بالاستناد على البعد الطائفي، أصيب الاعتدال الإسلامي الرسمي والشعبي، وتقاليده المعروفة والمغروسة في المجتمع والدولة بمتغيرين سلبيين:
الأول، تجسد في الخلل القائم بين الوظيفة الدعوية للجماعة المجتمعية، والدور الإنساني للشرعية القانونية التي تتمتع بها مؤسسة الدولة. فمع تغول هذه الأخيرة، تراجعت فعالية القيم الدينية الوسطية، وانتشر «التدين الانفعالي» والطائفي، وانتظم بشكل احتجاجي مخاصم للوجدان الجماعي ومدركاته الذاتية؛ وهو ما أثر على مساحات وظيفة الفقيه الدعوية وشرعيته المعنوية في قيادة المجتمع معرفيًا، بينما ربح التطرف مساحات جديدة على المستوى الشعبي.
وإذا استدعينا السوسيولوجية مجددا، يمكن القول، إنه من الطبيعي أن يكون اعتدال الفقيه والمؤسسة الدينية جزءا من مسار تصويب وتجديد المعرفة المجتمعية وتحويلها لتقاليد مرعية، ومبثوثة في الثقافة الشعبية والمؤسسات الأهلية الوسيطة بين المجتمع والدولة. كما أن تطرف المؤسسة الدولتية المعاصرة باسم الدين، أو باسم حماية الدولة المدنية، يحول الصيرورة المجتمعية نحو بناء وحدات فرعية معرفية تستمد مرجعيتها من اجتهاد متحزب معرفيا وطائفيا وتدينيا؛ مما يفسح المجال للأطراف الخارجية ذات الأهداف التوسعية للتلاعب بالاستقرار والجغرافية الوطنية للدولة العربية المعاصرة. وتضافر هذه العوامل كافة وسع حدة التصادم بين الجماعة بوصفها مجتمعا كاملا، والطائفة الفرعية بوصفها «فرقة ناجية» ممثلة للدولة المدنية العَلمانية، أو ناطقة وموقعة باسم الإسلام.
ثانيا، رغم أن أكثر المشكلات التي يواجهها الاعتدال الديني الإسلامي ناتجة عن عوامل محيطة بالجسم الديني للمؤسسة التقليدية العربية، فإن جزءا هاما من تفكيك التطور والتجديد الواقع للدين والتدين ناتج عن تحويل المعرفة الدينية المعاصرة من معرفة ربانية للعالمين، موحدة للأمة الواحدة والجماعة الجامعة (الشعب الواحد)، إلى كونها مجرد رسالة تنظم العلاقات الشاملة للفرد والجماعة، داخل طائفة ومذهب معين.
وللأسف، فإن هذا التوجه وتطبيقه منذ الاستقلال، أديا في عموم هذه التجارب إلى تحويل الدين الإسلامي إلى آيديولوجية تؤجّج الصراع السياسي المتطرف وتقسم الجماعة داخل الدولة، بشكل طائفي سني شيعي، أو بين متدينين وعلمانيين، أو هذا كله.
من هنا وجدت الأفكار العنيفة والمتطرفة ضالتها في الآيديولوجية الدينية الطائفية، وفي مزاعم العَلمانية المادية. وطرحت مختلف النخب الليبرالية، والقومية، والإسلامية أفكارا سياسية ارتكزت الغالبية منها على التجربة التاريخية للصراع السياسي حول الجماعة الجامعة وتمثيل الشعب؛ بل أكثر من ذلك توالت منذ الخمسينات محاولات فرض المرجعية المتحزبة على المجتمع تارة باسم الحداثة والمدنية، والأمن القومي، وتارة باسم الحفاظ على بيضة الدين والشريعة الإسلامية.
ومن ثم أصبحت المؤسسة الدينية التقليدية كالأزهر وجامعة القرويين، والزيتونة.. أمام واقع لا يؤهلها للعب دورها التاريخي في تعزيز الاعتدال الإسلامي، وصناعته من خلال تجديد الوعي الديني للنخبة الدينية، وتوجيه الرأي العام المتدين. وهو ما أدى بدوره لتعطل مسيرة وفعالية المعرفة الدينية المعتدلة، وتراجعت النخب الممثلة للوسطية مع تراجع دور المؤسسات التقليدية المشرفة على تخريج القيادات الدينية الرسمية والشعبية المعتدلة.
صحيح أن الوضع الراهن للعلاقة بين الدولة والمجتمع والجماعة، أصيب بكثير من الأزمات بعضها ذات طابع معرفي، وأخرى لم تعد تتحكم فيها لا الدولة ولا المجتمع لارتباطها بالواقع الدولي المعاصر، وصراعاته ذات الطابع الهيمني الغربي والإيراني؛ إلا أنه من الثابت أن حضور الدين في المجتمع الإسلامي صاحبته تاريخيًا عملية تجديد، اعترف لها عبر الزمن الممتد بأنها حركة إصلاحية، وهذا ما يعزز الأمل في إمكانية النجاح في المعركة القائمة حاليا بين الاعتدال والتطرف خاصة الديني الطائفي منه.

* إعادة الاعتبار للمعتدلين
* التطرف في المجتمع العربي الإسلامي اليوم أقلية قليلة، معرفيا، وعمليا، مؤسساتيا، وتنظيميا؛ كما أن إمكانية «ترميم» العلاقة بين الأنظمة السياسية العربية الشرعية، ومختلف النخب والقوى الدينية السلمية، أمر في غاية الأهمية حاليًا؛ سواء على المستوى السياسي الداخلي، أو الخارجي. ومن هنا ضرورة تفعيل دور المؤسسات الدينية التقليدية الرسمية، ومحضها مزيدًا من الدعم، ومنحها حرية أكبر من الناحية الفكرية، ومجالات الاشتغال، وطبيعة المواضيع التي يجب طرحها؛ كما أصبح من اللازم الاعتراف بالمؤسسات الدينية المعتدلة السلمية الشعبية، أي غير الرسمية، وتمتعها هي كذلك بكل حقوقها في العمل داخل المجتمع، وتأطيره دينيا وسياسيا، طبقا لقانون يؤسس للحرية الحقة وينظمها.
الواقع العربي الحالي يفرض إطلاق دورة تاريخية جديدة، يمكن أن نطلق عليها «حقبة تحالف المعتدلين»؛ وأن يكون الاعتدال الديني ركيزة، ومقدمة صلبة لمواجهة التطرف المسلح بكل أشكاله. فالتجربة العراقية واليمنية الحالية، تفرضان على النظام السياسي العربي حماية مكتسبات المجتمع والجماعة والدولة عبر توسيع دائرة الشراكات الداخلية في كل قطر عربي بين الجماعة والمجتمع والدولة؛ ولمَ لا قيام «تحالف جديد» بين كل القوى المدنية الدينية والإسلامية المعتدلة السلمية مع الأنظمة السياسية العربية الشرعية.
ولم يبقَ أمام العقلاء من النخب الحاكمة في النظام السياسي العربي، سوى البحث عن المشترك المجتمعي مع المعتدلين الدينين والمدنيين قبل الانفراط الكامل لعقد الجماعة الدولة، كما هو واقع بالعراق واليمن ولبنان وسوريا وأفغانستان. ولعل مبادرة إعادة الأمل بشأن الوضع الحالي لليمن، هي بداية الطريق لإعادة الاعتبار لمسار من المصالحات العربية، المفروضة بحكم الواقع الإقليمي والدولي.

* المملكة السعودية وقيادة الاعتدال العربي
* ولعل الدور الإقليمي والدولي للمملكة العربية السعودية، ومكانتها الدينية، جعلا منها قيادة حقيقية قادرة على جمع، واحتواء، مختلف القوى الفاعلة الشعبية والرسمية في الساحة العربية، لمواجهة مختلف الأخطار المهددة للدولة الوطنية، كما كانت منذ عهد الملك فيصل (رحمه الله). وأن خوض معركة «عاصفة الحزم»، ومن بعدها «إعادة الأمل»، ودفاعها عن الشرعية في اليمن، وما يرمز إليه ذلك من حرص شديد على إبعاد استعمال القوة العسكرية في التنافس السياسي، وقيادتها لمشروع تحقيق التنمية الاقتصادية والبشرية في محيطها الإقليمي والعربي؛ هو مؤشر جديد على إمكانية نجاح هذه القيادة في جمع مختلف الفاعلين المعتدلين، وتجاوز الأخطار المحدقة بالأمن الجماعي العربي الراهن الذي تهدده الاستراتيجية الإيرانية والميليشيات الطائفية العاملة وفق أجندتها.

* أستاذ العلوم السياسية في جامعة محمد الخامس



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.