سينما الستينات.. كوكبة من الممثلات الجيدات والجادات والجميلات

عصر صوفيا لورين وكلوديا كاردينالي والأخريات

بريجيت باردو كما ظهرت في «شالاكو»،   كلوديا كاردينالي في «ذا بينك بانثر»، صوفيا لورين وخلفها ستيفن بويد في «سقوط الإمبراطورية الرومانية»
بريجيت باردو كما ظهرت في «شالاكو»، كلوديا كاردينالي في «ذا بينك بانثر»، صوفيا لورين وخلفها ستيفن بويد في «سقوط الإمبراطورية الرومانية»
TT

سينما الستينات.. كوكبة من الممثلات الجيدات والجادات والجميلات

بريجيت باردو كما ظهرت في «شالاكو»،   كلوديا كاردينالي في «ذا بينك بانثر»، صوفيا لورين وخلفها ستيفن بويد في «سقوط الإمبراطورية الرومانية»
بريجيت باردو كما ظهرت في «شالاكو»، كلوديا كاردينالي في «ذا بينك بانثر»، صوفيا لورين وخلفها ستيفن بويد في «سقوط الإمبراطورية الرومانية»

* ملصق الفيلم التاريخي «سقوط الإمبراطورية الرومانية» (أنطوني مان، 1964) يصوّر في العمق مدينة تحترق وإلى يسار الصورة رجل يحتضن امرأة وينوي تقبيلها لكنها تشيح بوجهها بعيدًا. ربما كان الملصق تصوير حالة واقعة بين بطلة الفيلم صوفيا لورين وبطله ستيفن بويد. فالممثلة كانت قد وافقت على فيلم من بطولة ريتشارد هاريس، لكن هذا اعتذر لأنه اختلف مع المخرج. ثم فرحت عندما سمعت بأن هوليوود تحث شارلتون هستون على القبول. عندما اعتذر هذا غير راض عن السيناريو ومفضلاً القيام ببطولة فيلم نيكولاس راي «55 يومًا في بيكينغ» أمام آڤا غاردنر، استغربت صوفيا لورين كونها وهستون قادا بطولة فيلم تاريخي أسبق هو «أل سيد» (من إخراج أنطوني مان أيضًا، 1961).
في الواقع ملصق فيلم «أل سيد» يصوّر كذلك رجلاً يحتضن امرأة، لكن الانسجام واضح في الصورة كما لو أن كليهما في حالة حب. بعد ذلك عرض الدور على كيرك دوغلاس الذي كان آنذاك وقع على فيلمين لعب في كل منهما دورًا عسكريًا هما «سبعة أيام في ماي» (جون فرانكنهايمر) و«في طريق الخطر» (أوتو برمنجر).
ستيفن بويد كان اختيارا أقل مما تطمح إليه نجمة أوروبية كبيرة ستحقق فيلمًا هوليووديًا. هو ممثل جيّد لكنه ليس النجم الكبير كحال هاريس وهستون ودوغلاس. لكن هناك مليون دولار تنتظر الممثلة الإيطالية إذا ما قبلت بهذا الفيلم وهو مبلغ لم يدفع سابقًا لممثلة باستثناء إليزابث تايلور التي قبضت المبلغ عن دورها في الفيلم التاريخي «كليوباترا» قبل عام واحد.
«سقوط الإمبراطورية الرومانية» كلف أقل من 20 مليون دولار بقليل، لكنه استرجع أقل من مليوني دولار في حصيلته. الممثل ستيفن بويد خسر ما لديه من شعبية (لاحقًا ما قال إن هذا الفيلم حد من مهنته) لكن صوفيا لورين لم تتأثر بسقوط الفيلم الذي يحمل الكلمة المخيفة في عنوانه.

* كلاهما في الثمانين
* في الواقع بقيت صوفيا لورين نجمة كبيرة كما كان شأنها منذ أواخر الخمسينات. لتقريب الصورة أكثر: هي ولدت قبل 80 سنة وأمّت السينما وهي في السادسة عشرة (أول فيلم لها كان «الصوت»، 1950). من ذلك الفيلم الأول وحتى 1954 لعبت أدوارًا ثانوية. قبل منتصف الخمسينات أصبحت وجهًا ناجحًا في أدوار أولى. في منتصف الخمسينات باتت نجمة وفي الستينات أيقونة.

* نجمات أوروبا الجميلات (والبعض يقول الفاتنات) تكاثرن في الستينات
* بينما كانت صوفيا لورين مشغولة بأفلام كوميدية وعاطفية وتاريخية تشمل، فيما تشمل، «ذلك النوع من المرأة» للأميركي سدني لوميت، و«المليونيرة» للبريطاني أنطوني أسكويذ، و«امرأتان» و«الزواج على الطريقة الإيطالية» وكلاهما للإيطالي فيتوريو دي سيكا، و«كونتيسة من هونغ كونغ» لتشارلي تشابلن، كانت بريجيت باردو، مثلاً، بدأت تشق طريقها بنجاح وسط أترابها من ممثلات السينما الفرنسية: كانت بدأت العمل سنة 1952 بفيلم عنوانه الفرنسي «مانينا» والعالمي «فتاة البيكيني» ثم تفرّعت عنه لأدوار عاطفية متعددة من بينها «مدرسة للحب» لمارك أليغريه (1955) وخبرت الفيلم التاريخي الأميركي سنة 1956 عندما طلبتها هوليوود للاشتراك في تمثيل «هيلين طروادة» (Helen of Troy) الذي أخرجه روبرت وايز.
لم يكن دورها هنا الأول، بل تم منح دور هيلين للإيطالية المولودة في مصراته في ليبيا روزانا بودستا التي وُلدت - للصدفة - قبل 80 سنة أيضا (ولو أنها رحلت عن عالمنا سنة 2013).
الأكثر من ذلك أن صوفيا لورين وبريجيت باردو تشتركان في ولادتهما في يومين متقاربين من شهر واحد في عام واحد. صوفيا ولدت في 20 سبتمبر (أيلول) سنة 1934 وبعد 8 أيام فقط وُلدت بريجيت باردو.
بعد 4 سنوات وُلدت كلوديا كاردينالي في مدينة تونس (في 15 أبريل (نيسان)، 1938) وبدأت التمثيل صغيرة (سنة 1958) ولعبت دور فتاة اسمها أمينة في فيلم للفرنسي جاك باراتييه ومن بطولة عمر الشريف عنوانه «جحا» (ولعب فيه الممثل المصري دور جحا وقام اللبناني غبريال جبّور بتمثيل شخصية اسمها سيد خميس).
كل واحدة منهن ظهرت في حفنة من الأفلام الأميركية. إلى جانب «سقوط الإمبراطورية الرومانية» و«أل سيد» وجدنا لورين في «أسطورة المفقودين» لهنري هاذاواي وكلوديا كاردينالي شاركت في بطولة «ذا بينك بانثر» أمام ديفيد لين وبيتر سلرز (إخراج بلايك إدواردز)، كما أن بريجيت باردو حطت في الغرب الأميركي في فيلم لإدوارد ديمتريك عنوانه «شالاكو» أمام شون كونيري وستيفن بويد.

* اختفاء الأنوثة.. شيء ما في تلك الفترة تفتقده السينما اليوم
* بالمقارنة مع صوفيا لورين وكالوديا كاردينالي وبريجيت باردو وأنا مانياني وروزانا بودستا وجينا لولوبرجيدا من بين أخريات، مع نيكول كيدمان أو سكارلت جوهانسن أو تشارليز ثيرون أو أنجلينا جولي أو جولييت بينوش أو ماريون كوتيار، يتبدّى واضحًا ما هو هذا الشيء.
رعيل الخمسينات والستينات من ممثلات السينما الأوروبية يختلفن عن رعيل الجيل الحالي من الممثلات بشيء تم اختزاله من عالمنا الفني والترفيهي سريعًا: الأنوثة.
يكفي أن نعرض شريطًا سريعًا لآخر ما قامت به بعض الممثلات الحديثات: نيكول كيدمان امرأة تكابد المشاق في «غريس موناكو» و«ملكة الصحراء». بعد قصّة حب وجيزة في هذين الفيلمين الأخيرين لها تتفرّغ لمواجهة متاعب سياسية وأمنية.
سكارلت جوهانسن مشغولة، في «لوسي» بالتحوّل إلى امرأة فوق طاقة كل رجل على التحمّل والدخول في معارك رجالية في فيلمها المقبل «المنتقمون: عصر ألترون» كما فعلت في «كابتن أميركا» (2014).
تشارليز ثيرون سنجدها في الصحراء الأفريقية تصارع المخاطر لجانب توم هاردي في «ماد ماكس: طريق الغضب». وكنا وجدنا جولييت بينوش تموت بعد حين قصير من بداية «غودزيللا» وتكابد ظلم الكنيسة في «كاميل كلوديل 1915» (من أعمال 2014) بينما انصرفت ماريون كوتيار للبحث عن سبيل تحتفظ عبره بعملها في الفيلم البلجيكي «يومان وليلة».
هل طار الفرح والرغد من على الشاشة بالنسبة للممثلات على الأخص؟ هل صار من الصعب البحث عن ممثلة مشكلاتها هي عاطفية بحتة؟ الفترة التي تمتعت بها ممثلات الأمس الأوروبيات على الأخص كانت مثالية في هذا الصدد. لا يعني ذلك مطلقًا أنهن ابتعدن عن الأدوار الشائكة، لكنهن - حتى في تلك الأدوار، مثل سيلفيانا مانجانو في «الرز المر» (1949) أو آنا مانياني في «روما، مدينة مفتوحة» (1945) أو صوفيا لورين نفسها في «أسطورة المفقودين» (1957) كن يمثّلن شخصيات تصر على أن تكون أنثوية أولاً بصرف النظر عن الموضوع أو الشخصية وما عليها أن تخوضه.
طبعًا الغالب من الأفلام كانت محض عاطفية وكوميدية ودرامية خفيفة تحفل بذلك العنصر الذي كان أكثر من مجرد سبب لنجاح الممثلات المذكورات وانتقال نجاحهن من عقد لآخر، كان السبب في أن الجمهور أحبهن جميعًا وارتبط عاطفيًا مع كل واحدة على حدة.
باستثناء بريجيب باردو، أقلهن موهبة في الأداء، اعتبرن من قِبل البعض وعلى نحو غير منصف، بأنهن ممثلات إغراء (الاعتبار ذاته الذي عايشته ممثلة أخرى في الفترة ذاتها هي هند رستم)، لكن معظم الذين تحلقوا حول ما قمن بتمثيله كانوا أفضل إدراكًا: كن ممثلات جيدات وجادات وجميلات.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.