منهج «القرائية» لإنقاذ اللغة العربية وفكرها من الانقراض

مؤتمر حوله في البحرين يجمع 250 متخصصًا وصاحب قرار

د. هنادا طه: «القرائية» تحمينا من خطر التطرف والتعصب ({الشرق الأوسط})
د. هنادا طه: «القرائية» تحمينا من خطر التطرف والتعصب ({الشرق الأوسط})
TT

منهج «القرائية» لإنقاذ اللغة العربية وفكرها من الانقراض

د. هنادا طه: «القرائية» تحمينا من خطر التطرف والتعصب ({الشرق الأوسط})
د. هنادا طه: «القرائية» تحمينا من خطر التطرف والتعصب ({الشرق الأوسط})

الحالة المزرية التي وصلت إليها اللغة العربية ليست قدرًا، بقدر ما هي نتيجة اعتماد أساليب بالية وقديمة في التعليم، لا يزال تجديدها مستعصيًا ويلقى صدودًا كبيرًا، سواء من صناع القرار أو من المعلمين أنفسهم. كل التقارير التي حاولت رصد تعليم اللغة العربية، في السنوات الأخيرة، دلت مؤشراتها على هبوط شديد في المستوى، سواء تقرير «ماكينزي» أو «راند» أو حتى «تقرير التنمية العربي». وثمة اختبار عالمي يحمل اسم «بيرل» تجريه في الوقت الراهن نحو 45 دولة، كل 3 سنوات، لقياس نجاحها في تعليم لغتها الأم، بينها 6 دول عربية، نذكر منها: قطر، والسعودية، والمغرب، والإمارات، ليتبين أن الدول العربية تأتي كليًا في آخر اللائحة، ولا يستطيع الطالب العربي أن يجمع أكثر من 310 علامات من أصل 500. وبالتالي يمكننا القول إن العرب هم من أسوأ الشعوب، إن لم يكونوا الأسوأ على الإطلاق، في تعليم أولادهم لغة آبائهم وأجدادهم.
وتصرّ الدكتورة هنادا طه، مديرة شركة «عرب إكسبرتيز» المتخصصة في الاستشارات التربوية وتعليم اللغة العربية، والقائم بأعمال عميد كلية البحرين للمعلمين، على أن اعتماد منهج «القرائية» في تعليم العربية يمكنه أن يخرجنا من الأزمة البائسة التي نعيشها منذ عقود. و«القرائية» مصطلح جديد في العربية لكن المنهج مطبق منذ أكثر من 26 سنة في أميركا على الإنجليزية ومنذ أكثر من 20 سنة على الفرنسية ونتائجه ممتازة، كما أن بعض المدارس الغربية تطبقه على العربية في بلادنا، بمحاذاة تطبيقه على تعليم الإنجليزية. وسيعقد مؤتمر في البحرين يومي 24 و25 من الشهر الحالي، تحت عنوان «القرائية للجميع» يحضره أساتذة ومتخصصون وبحاثة وصناع قرار، إضافة إلى هيئات من المجتمع المدني، بدعوة من الجمعية العربية للقراءة «تارا» في البحرين، ومشروع «عربي 21» الذي أطلقته «مؤسسة الفكر العربي». وتشرف على المؤتمر د. هنادا طه التي تعرف «القرائية» بأنها تعلم اللغة بمهاراتها الأربع، من الكتابة إلى النقد والتفكير والاكتشاف، من خلال القراءة الكثيفة والمتواصلة للنصوص، بمختلف أنواعها، دون التركيز على الأدب، كما هو الحال حاليًا. لا بل إن أحدث الآراء توصي باعتماد النصوص العلمية والواقعية الحياتية، بنسبة 50 في المائة في الصفوف الابتدائية و70 في المائة في الثانوية، بينما لا تعتمد النصوص الأدبية إلا بنسبة 30 في المائة، بعد أن لوحظ بأن الخيال ليس هو المطلوب في هذه المرحلة التعليمية، بل تحضير الطالب لمواجهة الحياة. ومن النصوص التي يتم إغراق الطالب بها، يستفيد المدرّس ليعلم الطفل قواعد اللغة، وفهم العالم، ومناقشة القضايا، والانطلاق لشرح المفاهيم، خصوصا في المراحل التعليمية الأولى.
تشرح د. هنادا بأن «القرائية» تعني إحاطة التلميذ بالنصوص المطبوعة، وجعله يسبح بها، وتغمسه في عالمها. مع الابتعاد عن القراءة السطحية والأحادية. وتضيف: «حين نستخرج من النص في كل مرة التمييز أو المفعول المطلق، أو كيف تكتب التاء المربوطة أو الهمزة، ونبقى نتابع هذه الطريقة دون كلل حتى يتخرج التلميذ من الثانوية، فإننا بذلك نجعله يفهم القاعدة في سياقها الحياتي الطبيعي، دون أن نؤرقه بحفظها، ومن ثم نسيانها، كما يحدث حاليًا».
هذه طريقه مجربة ومعمول بها في كثير من بلدان العالم، «نحن لم نكتشف البارود، ولم نخترع شيئًا، كل ما نفعله هو أن نستفيد من طريقة ناجعة أثمرت عند غيرنا». طبّق مجلس أبوظبي للتعليم هذه الطريقة، وفق معاييرها، وجاءت بنتائج ممتازة، لكن رغم الجهود، لم تتمكن د. هنادا من إقناع سوى 16 مدرسة عربية باتباع هذا النهج. وتقول شارحة: «نحن ما يعنينا هو وزارات التربية، والمدارس الرسمية التي تؤهل ملايين التلاميذ العرب. هناك صدود، وعدم تقبل، ربما هناك يأس أيضًا. الجميع يعرف أن العربية في محنة، لكنهم لا يفعلون سوى تغيير الكتاب، وتبقى النتائج السيئة نفسها. المطلوب هو تغيير النهج كليًا، وفق رؤية ديناميكية حديثة».
ليست المشكلة في التمويل، على ما يبدو، وإنما اتخاذ القرار الرسمي الحازم على أعلى مستوى لإطلاق التغيير، وتأهيل الأساتذة الأكفاء والذين لهم خلفيات معرفية ولغوية متينة. فهذه الطريقة لا تحتاج إلى كتاب مدرسي، أو كتب محددة أو حتى قصص خاصة بالأطفال. ليس في «القرائية» جمود، بل كل يعمل وفق إمكاناته. كل النصوص المنشورة والمطبوعة في الصحف والمجلات، وحتى نصوص الإعلانات والوفيات، التي حولنا يمكننا الإفادة منها. العالم نص مفتوح بحسب د. هنادا، وكل مكتوب هو مصدر للتعلم والتحليل والاستنباط. كثرة القراءة تبعث على التعمق، وكلما زاد عدد النصوص التي يقرأها الإنسان، دفعت به إلى رؤية النصوص الجديدة والحياة بطريقة مختلفة وأكثر انفتاحًا ورحابة، وهذا هو المطلوب.
استنباط قواعد النحو والصرف ليس إلا أحد الأهداف، فالمطلوب أيضا فتح باب النقاش وطرح الأسئلة. وتشرح د. هنادا: «يجب أن نتخلى عن مواجهة الطالب بإجابة صح أو خطأ، أو نفترض أن للسؤال الواحد إجابة واحدة، فهناك إجابات يصعب حصرها، طالما أن التلميذ قادر على برهنة صحة رأيه، فلا بد أن نصغي إليه حتى النهاية، فقد يرى ما لم نره، ويكون محقًا».
الأمر المهم أيضا أن يبقى الحديث بالفصحى، فلا معنى لأن نناقش التلميذ طوال الوقت، بالعامية ثم نطلب منه أن يجيد الفصحى، فالانسجام في العمل مطلوب كما «العدالة اللغوية»؛ أي أن نعامل الأولاد بالتساوي، دون أحكام مسبقة والتمييز بين فطن وأقل فطنة، فلكل مهاراته التي يتوجب احترامها وتنميتها بالعدل والاحترام.
ثمة أمل في أن يفتح مؤتمر «القرائية للجميع»، الذي يحضره نحو 250 متخصصًا، وتضع فيه «مؤسسة الفكر العربي» كل ثقلها، الباب لإقناع المزيد من التربويين بجدوى «القرائية». هناك «نوع من الإحباط لدى المسؤولين في قمة الهرم من التغيير بعد عقود من الفشل، ربما أن تحريك القاعدة هذه المرة، والتطبيق الناجح داخل الصفوف، يمكن أن يقنعهم بالجدوى.
لا تتوانى د. هنادا عن التأكيد على أن تعلم القراءة العميقة يجنب الفرد استعارة قراءات الآخرين ووجهات نظرهم. «يتخرج بفضل (القرائية) طلاب يجيدون القراءة والتحليل، وتشكيل وجهة نظرهم الخاصة، وبالتالي هو الأسلوب الأفضل لإبعاد الطالب عن الرؤية الأحادية الضيقة وحمايته من التطرف والتعصب وفرض الآخرين قراءتهم الخاصة عليه».
د. هنادا طه هي أيضا مديرة مشروع الإسهام في تطوير تعلم اللغة العربية وتعلميها في «عربي 21» الذي أطلق منذ عام 2012 «جائزة كتابي» التي تتماشى في روحها مع نهج «القرائية». ولأول مرة في العالم العربي تقدم جائزة لأدب الأطفال، يختارها الأطفال أنفسهم، حيث يقترع أطفال في دول عربية عدة، بينها: الأردن، ولبنان، ومصر، وعمان، لـ20 كتابا مطروحًا على التصويت. هذه الكتب يختارها مجموعة من الخبراء في المجال. ويبدو أن ذوق الأطفال يميل لغاية الآن، إلى الذكي اللماع والطريف، وهو ما يشجع على استمرار استفتائهم حول الكتاب الذي يستحق الفوز. والجائزة، كما مشروع «عربي 21»، مدعومان من مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنيات في المملكة العربية السعودية.
مؤتمر «القرائية للجميع» يفتح ذراعيه لكل المؤسسات المعنية التي تود التعاون من أجل تحسين تعليم اللغة العربية، ويأمل أن يتمكن من جمع أكبر عدد ممكن من العاملين في هذا المجال، للخروج بنتائج تجد صداها على الأرض وفي صفوف المدارس، لا سيما الرسمية منها، الراغبة في إحداث قفزة نوعية في أدائها التعليمي.
وللمشاركة بالإمكان التسجيل على الرابط التالي
arabi21.arabthought.org
www.taraconference.org



3 قطع برونزية من موقع مليحة في الشارقة

3 كُسور برونزية من محفوظات هيئة الشارقة للآثار مصدرها موقع مليحة
3 كُسور برونزية من محفوظات هيئة الشارقة للآثار مصدرها موقع مليحة
TT

3 قطع برونزية من موقع مليحة في الشارقة

3 كُسور برونزية من محفوظات هيئة الشارقة للآثار مصدرها موقع مليحة
3 كُسور برونزية من محفوظات هيئة الشارقة للآثار مصدرها موقع مليحة

أسفرت عمليات التنقيب المتواصلة في موقع مليحة الأثري التابع لإمارة الشارقة عن العثور على مجموعات كبيرة من اللقى المتعدّدة الأشكال والأساليب، منها مجموعة مميّزة من القطع البرونزية، تحوي 3 كسور تحمل نقوشاً تصويرية، ويعود كلّ منها إلى إناء دائري زُيّن برسوم حُدّدت خطوطها بتقنية تجمع بين الحفر الغائر والحفر الناتئ، وفقاً لتقليد جامع انتشر في نواحٍ عدة من شبه جزيرة عُمان، خلال الفترة الممتدة من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الثالث للميلاد.

أصغر هذه الكسور حجماً قطعة طولها 4.5 سنتيمتر وعرضها 10 سنتيمترات، وتمثّل رجلاً يركب حصاناً وآخر يركب جملاً. يظهر الرجلان في وضعية جانبية ثابتة، ويرفع كلّ منهما رمحاً يسدّده في اتجاه خصم ضاع أثره ولم يبقَ منه سوى درعه. وصلت صورة راكب الحصان بشكل كامل، وضاع من صورة راكب الجمل الجزء الخلفي منها. الأسلوب متقن، ويشهد لمتانة في تحديد عناصر الصورة بأسلوب يغلب عليه الطابع الواقعي. يتقدّم الحصان رافعاً قوائمه الأمامية نحو الأعلى، ويتقدّم الجمل من خلفه في حركة موازية. ملامح المقاتلين واحدة، وتتمثّل برجلين يرفع كل منهما ذراعه اليمنى، شاهراً رمحاً يسدّده في اتجاه العدو المواجه لهما.

الكسر الثاني مشابه في الحجم، ويزيّنه مشهد صيد يحلّ فيه أسد وسط رجلين يدخلان في مواجهة معه. يحضر الصيّادان وطريدتهما في وضعيّة جانبية، ويظهر إلى جوارهم حصان بقي منه رأسه. ملامح الأسد واضحة. العين دائرة لوزية محدّدة بنقش غائر، والأنف كتلة بيضاوية نافرة. فكّا الفم مفتوحان، ويكشفان عن أسنان حادة. تحدّ الرأس سلسلة من الخصل المتوازية تمثل اللبدة التي تكسو الرقبة. يتكون الصدر من كتلة واحدة مجرّدة. الظهر مقوّس بشكل طفيف، ويظهر في مؤخرته ذيل عريض، تعلو طرفه خصلة شعر كثيفة. الجزء الأسفل من البدن مفقود للأسف، وما بقي منه لا يسمح بتحديد وضعية القوائم الأربع.

في مواجهة هذا الليث، يظهر صياد يرفع بيده اليمنى ترساً مستديراً. في المقابل، يظهر الصياد الآخر وهو يغرز خنجره في مؤخرة الوحش. بقي من الصياد الأول رأسه وذراعه اليمنى، وحافظ الصياد الآخر على الجزء الأعلى من قامته، ويتّضح أنه عاري الصدر، ولباسه يقتصر على مئزر بسيط تعلوه شبكة من الخطوط الأفقية. ملامح وجهَي الصيادين واحدة، وتتبع تكويناً جامعاً في تحديد معالمها. من خلف حامل الخنجر، يطل رأس الحصان الذي حافظ على ملامحه بشكل جلي. الأذنان منتصبتان وطرفهما مروّس. الخد واسع ومستدير. الفم عريض، وشق الشدقين بارز. اللجام حاضر، وهو على شكل حزام يلتفّ حول الأنف. تعلو هذه الصورة كتابة بخط المسند العربي الجنوبي تتألف من ستة أحرف، وهي «م - ر - أ - ش - م - س»، أي «مرأ شمس»، ومعناها «امرؤ الشمس»، وتوحي بأنها اسم علم، وهو على الأرجح اسم صاحب الضريح الذي وُجد فيه هذا الكسر.

تتبع هذه الكسور الثلاثة أسلوباً واحداً، وتعكس تقليداً فنياً جامعاً كشفت أعمال التنقيب عن شواهد عدة له في نواحٍ عديدة من الإمارات العربية وسلطنة عُمان

الكسر الثالث يمثّل القسم الأوسط من الآنية، وهو بيضاوي وقطره نحو 14 سنتيمتراً. في القسم الأوسط، يحضر نجم ذو 8 رؤوس في تأليف تجريدي صرف. وهو يحل وسط دائرة تحوط بها دائرة أخرى تشكّل إطاراً تلتف من حوله سلسلة من الطيور. تحضر هذه الطيور في وضعية جانبية ثابتة، وتتماثل بشكل تام، وهي من فصيلة الدجاجيات، وتبدو أقرب إلى الحجل. تلتف هذه الطيور حول النجم، وتشكّل حلقة دائرية تتوسط حلقة أخرى أكبر حجماً، تلتف من حولها سلسلة من الجمال. ضاع القسم الأكبر من هذه السلسلة، وفي الجزء الذي سلم، تظهر مجموعة من ثلاثة جمال تتماثل كذلك بشكل تام، وهي من النوع «العربي» ذي السنام الواحد فوق الظهر، كما يشهد الجمل الأوسط الذي حافظ على تكوينه بشكل كامل.

تتبع هذه الكسور الثلاثة أسلوباً واحداً، وتعكس تقليداً فنياً جامعاً، كشفت أعمال التنقيب عن شواهد عدة له في نواحٍ عديدة من الإمارات العربية وسلطنة عُمان. خرجت هذه الشواهد من المقابر الأثرية، ويبدو أنها شكلت جزءاً من الأثاث الجنائزي الخاص بهذه المقابر في تلك الحقبة من تاريخ هذه البلاد. عُثر على هذه الكسور في موقع مليحة، وفي هذا الموقع كذلك، عثر فريق التنقيب البلجيكي في عام 2015 على شاهد يحمل اسم «عامد بن حجر». يعود هذا الشاهد إلى أواخر القرن الثالث قبل الميلاد، ويحمل نقشاً ثنائي اللغة يجمع بين نص بخط المسند الجنوبي ونص بالخط الآرامي في محتوى واحد. يذكر هذا النص اسم «عمد بن جر»، ويصفه بـ«مفتش ملك عُمان»، ونجد في هذا الوصف إشارة إلى وجود مملكة حملت اسم «مملكة عُمان».

ضمّت هذه المملكة الأراضي التي تعود اليوم إلى الإمارات العربية المتحّدة، كما ضمّت الأراضي التي تعود إلى شمال سلطنة عُمان، وشكّلت استمرارية لإقليم عُرف في النصوص السومرية باسم بلاد ماجان. جمعت هذه المملكة بين تقاليد فنية متعدّدة، كما تشهد المجموعات الفنية المتنوّعة التي خرجت من موقع مليحة في إمارة الشارقة، ومنها الأواني البرونزية التي بقيت منها كسور تشهد لتقليد فني تصويري يتميّز بهوية محليّة خاصة.