اختصر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، الذي يكتب اليوم تاريخًا جديدًا في الوفاء للأسس والمبادئ والإرث الحضاري لبلاده، ورد الاعتبار إلى مكانتها بين الأمم، والإعلان عن حقيقتها التي استمرت مئات السنين ولم تتغير في أسسها ومنطلقاتها، اختصر العلاقة التي تربطه بشقيقه الراحل الملك فهد بن عبد العزيز، عندما قال في كلمة ارتجلها خلال رعايته قبل أيام حفل افتتاح معرض وندوات تاريخ الملك فهد بن عبد العزيز «الفهد.. روح القيادة»: «بسم الله الرحمن الرحيم، يشرفني في هذه الليلة أن أكون بينكم لنحتفي بوالدي الثاني فهد بن عبد العزيز. لقد تربيت من صغري تحت ظله ورعايته، وأشكر أبناء الملك فهد الذين عملوا هذا الحفل وأقول: إنني أعتز وأفتخر أن أكون أخًا لفهد، وأن أحضر بينكم هذه الليلة وأشكر أبناء الملك فهد على هذا المجهود، وشكرًا».
وسجلت العلاقة بين الملك سلمان بن عبد العزيز وشقيقه الراحل الملك فهد بن عبد العزيز مستوى لافتًا، فقد كان الحب المتبادل والاحترام والحميمية بينهما حاضرًا، ذلك أن رؤى الملك سلمان ونظرته لكثير من الأمور التي تعزز من وجود وبقاء هذا الكيان الكبير الذي بناه الملك المؤسس، فقد كان هذا الأمر هاجسًا للملك سلمان منذ أن دخل معترك الإدارة والسياسة في بلاده، كما كان الملك السابع للدولة السعودية الحديثة رقمًا مهمًا في أركان وأعمدة الدولة، وحمل الملك فهد للملك سلمان عندما كان أميرًا للرياض كل معاني الحب، والتقدير، والاحترام له، لما يملكه من كاريزما الإدارة والحكم، فقد اعتمد عليه في الكثير من الأمور التي تهم هذا الكيان الكبير، كما كانت رؤى الملك سلمان ثاقبة، حيث لازمه في رحلاته البرية وحضوره للقاءات مع زعماء دول العالم الذين يزورون الرياض لدرجة أن الصحافيين والكتاب يطلقون على الملك سلمان عندما كان أميرًا للعاصمة في عهد الملك فهد «حاكم الرياض»، و«الملك في الظل»، وكان الملك فهد لا يرد له طلبًا عندما يطلب أي اعتمادات مالية لتطوير عاصمة بلاده، حيث كان سلمان مهندسها وعاشقها، ويسجل له أنه هو من أوصلها إلى هذا المستوى من النمو والتطور.
وتجسد عمق العلاقة والوفاء والمحبة المتبادلة بين سلمان وفهد عندما لازمه في رحلات الأخير العلاجية داخل السعودية وخارجها مثلما لازم سلمان إخوانه الملك خالد، والملك عبد الله، والأميرين سلطان، ونايف، في رحلاتهم مع المرض، فقد ظل الملك سلمان وفيًا لشقيقه الملك فهد أنيسًا في وحشة مرضه، وجليسًا في راحته واطمئنانه حتى لحظات وداعه.
وتعدت العلاقة بين الملك الراحل فهد بن عبد العزيز خامس ملوك الدولة السعودية الحديثة، والملك سلمان بن عبد العزيز سابع الملوك في الدولة، علاقة الأخوة، بل تجاوزت ذلك إلى علاقة الأشقاء، كون الملك فهد الشقيق الأكبر له مع الأشقاء الآخرين الأمراء: الراحل سلطان، وعبد الرحمن، وتركي، والراحل نايف، وأحمد، أبناء الملك المؤسس من زوجته الأميرة حصة بنت أحمد السديري، التي عُرفت بـ«أم المساكين»، وعدت من أكثر زوجات الملك المؤسس إنجابًا حيث ولدت له سبعة من الأبناء، وسبعًا من الإناث وهن: فلوة، وشعيع، وموضي، ولولوة، ولطيفة، وجواهر، والجوهرة، وقد تميزت الأميرة حصة بحس أسري عميق، وكرست حياتها للاهتمام بتربية أبنائها والعناية بشؤونهم وهو ما انعكس على العلاقة بين الأشقاء الذين تبوءوا مراكز عالية في الدولة، ووصل بعضهم إلى سدة الحكم، وكانت والدتهم الأميرة حصة تحرص على أن يكونوا قريبين منها دائمًا، بل كانت تصر على أن يلتقوا جميعًا على مائدة الغداء، وهو ما انعكس على طبيعة العلاقة وتقويتها وتجسيد أواصر الأخوة والتلاحم بين أبنائها، بل إن الأميرة حصة حرصت على الاهتمام بأدق شؤونهم الأسرية، حيث تولت ترتيب زواجهم وتهيئة أسباب السعادة لهم، وهو ما كان حاضرًا فيما فعلته في زواج أبنائها الملك الراحل فهد، والأميرين الراحلين سلطان ونايف، عند زواجهم من العنود، ومنيرة، والجوهرة، بنات الأمير عبد العزيز بن مساعد بن جلوي، إذ أشرفت على تجهيز بيت الزوجية وهي بذلك أكملت وحملت عبء تربية أبنائها ليتفرغ الملك المؤسس لإدارة شؤون الدولة.
ارتبط الملك المؤسس الذي عاش أبناؤه تحت كنفه، وتشربوا الأخلاق الإسلامية، والسياسة، والأدب، واحترام بعضهم البعض، في مجلسه بالأميرة حصة السديري عام 1913م، ولها من العمر 13 عامًا تقريبًا فأنجبت له ابنه سعد، الذي عاش لمدة 5 سنوات وتوفي على أثر انتشار وباء الحمة الإسبانية التي ضربت نجد عام 1919م، ثم طلقها الملك عبد العزيز فتزوجها أخوه الأمير محمد بن عبد الرحمن بن فيصل، وأنجبت الأمير عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن ثم طلقت منه، وتزوجها الملك عبد العزيز مرة أخرى.
وكان للأميرة حصة اهتمام بالعمل الخيري والإنساني، إضافة إلى ذلك كان الاهتمام بالجانب العلمي، فسعت - رحمها الله - إلى نشر العلم بين النشء عن طريق تشجيعهم على حفظ القرآن الكريم ومكافأة من يحفظ منهم بجوائز تشجيعية تشحذ همة الآخرين، كما أنها حرصت على توفير الكتب لطلبة العلم بوقفها عليهم، وكانت تحرص على الجلوس إلى ذوات العوز والفقيرات، للاستماع إليهن ومعرفة احتياجاتهن وقضائها، وفتح بابها للناس وشفعت لهم كثيرا، وكانت الأميرة حصة تظهر الكثير من المودة والإكرام والتقدير لزوجات أبنائها، كما تميّزت برعاية بيتها، ذلك البيت الذي أنشأ وخرّج كوكبة من القادة والقياديين المحنكين من ذوي الحنكة والإدارة والدراية والإمارة والحاكمية الأفذاذ، يقول المؤرخ عبد الرحمن الرويشد: «إنّ الأميرة حصة من فضليات النساء عابدة، وعلى مستوى من الوعي وكان الملك عبد العزيز يعاملها كزوجة فاضلة من كبريات زوجاته، كل الناس يتعاملون معها على هذا الأساس تربي أبناءها تربية عظيمة، تختار لهم الأشخاص بعناية، وكان عندها عدد من العلماء الفضلاء ممن تولوا القضاء، وممن عاش عندها في قصرها الشيخ عبد الرزاق القشعمي أحد طلبة العلم وكان يرشد ويعلّم الملك سلمان وإخوته، وكانوا يحضرون هذه الدروس، وعندها الشيخ عبد الله بن حماد، وهذا من سدير تولى القضاء وهو من فضلاء العلماء أيضا كان يحضر ويلقي دروسًا في البيت ويحضر (الملك فهد) والأمير سلطان وعبد الرحمن وتركي والأمراء نايف وسلمان وأحمد، وعالم آخر اسمه عبد الله بن زيد بن سليمان من طلبة العلم وكان الشيخ سلمان الربيش قاضي الرياض السابق من مدرسي هذا القصر، فقصر الأميرة حصة السديري كان مدرسة لتثقيف السادة والخدم في وقت واحد، وكانوا يهتمون بالدروس وأهميتها في تربية الأطفال، وكان أكبر إخوتهم من جهة الأم الأمير عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن، وهذا الرجل عابد، يعيش مع إخوته ويساعد في توجيههم لأنه كان يعيش معهم في دار واحدة، وقد سكنت الأميرة حصة الأحمد السديري قصرها الخاص المرتبط بالديرة منذ تزوجها الملك عبد العزيز عام 1331هـ 1913م وأنجبت في أفياء هذا القصر الملك فهد، والأمراء سلطان بن عبد العزيز وعبد الرحمن، وتركي، ونايف والملك سلمان، ثم انتقلت معه عندما انتقل إلى قصرها الخاص في المربع عام 1357هـ 1938م وعاشت فيه وأنجبت الأمير أحمد بن عبد العزيز والذي يُعد أصغر أبنائها، وكانت نعم المرأة القائمة بشؤون بيتها وحقوق زوجها الملك المؤسس عبد العزيز، ورعاية أبنائها وبناتها وهي من الأميرات اللاتي تركن أثرًا بالغًا في القصر بالسمت والعقل والاتزان وتدبير الأمور، وحميمية العلاقة مع كبار أسرة الملك عبد العزيز كعماته وأخواته الشقيقات.
ويمكن القول إن الملك سلمان بن عبد العزيز في جميع المحطات التي مر بها كان يضرب مثلاً يحتذى به في اهتمامه بتجسيد روابط الأخوة مع أخوانه، والوفاء معهم حتى اقترنت كلمة الوفاء به (سلمان الوفاء)»، مضيفًا إلى مآثره ومواقفه النبيلة مآثر كثيرة حيث شارك بفكره وحكمته ورؤاه كواحد من أعمدة الحكم في بلاده في رسم ملامح الإدارة والحكم والتنمية.
سلمان وفهد بن عبد العزيز.. علاقة وثيقة تجاوزت «رابطة الأشقاء» إلى «كاريزما الحكم»
الملكان تشرّبا محبة بعضهما من والدهما الملك عبد العزيز ووالدتهما حصة السديري
سلمان وفهد بن عبد العزيز.. علاقة وثيقة تجاوزت «رابطة الأشقاء» إلى «كاريزما الحكم»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة