«الجمال غير المرئي» عنوان الجناح العراقي في بينالي البندقية في دورته الـ56 التي تنطلق الشهر المقبل. العنوان يعبر بشكل عميق عن الفن العراقي المعاصر، فهو فن مختف عن الجمهور العالمي بفعل عوامل كثيرة مثل الحرب وعدم الاستقرار.
ولكن للمنسق فيليب فان كاوتيرن، المشرف على الجناح، نظرة أشمل للعنوان ومدلولاته، فيقول في حوار مع «الشرق الأوسط» إن صورة العراق في الخارج والتي ترتبط بالحرب والعنف تخفي تحتها الكثير من معالم الحياة ومن الأنشطة الفنية أيضا، فالعراق أصبح، حسب تعبير كاوتيرن «النقطة المحجوبة على خريطة الشرق الأوسط». أما بشأن الجمال فهو يرى أن الجمال في نظره هو الموضوع الذي يحاكيه الفن.. «الجمال التقليدي» الذي يظهر في 98 في المائة من الأعمال الفنية في العراق. ويوضح أنه خلال رحلته بحث عن النسبة الأصغر، عن طرق معاصرة للتعبير عن الجمال، وقد يكون معنى الجمال هنا هو الواقع أو الحلم بالمستقبل.
نسبة الـ2 في المائة هي التي جعلت كاوتيرن يزور المدن العراقية ويتجول من بغداد إلى أربيل ليجد هؤلاء الفنانين الذين «يحاولون كسر تلك النظرة المحدودة»، بالنسبة له البحث كان منصبا على الشجاعة، على الخروج على المألوف، وهذا في حد ذاتها يعد تجسيدا لمفهوم «الجمال». يحكي لنا كاوتيرن عن «سعادته» عندما قام باختيار الأسماء التي ستشارك في جناح العراق بالبينالي، وأشار إلى أنه كان باستطاعته اختيار أكثر من ذلك العدد، لكن الأسماء المشاركة تعبر عن أكثر من ثلاثة أجيال من الفن بالعراق (من الفنانين المقيمين بالعراق وآخرين خارجه) حيث تتراوح أعمار الفنانين ما بين 30 و80 عاما.
وحسب البيان الصحافي فالأعمال المعروضة ستكون من مختلف الأنماط الفنية، منها القديم الذي أهمل لسنوات طويلة ومنها الذي سينتج خصيصا للمعرض.
المعرض سيشمل جيلين من المصورين العراقيين، هم المصور لطيف العاني وآكام شيخ هادي. هناك أيضا الفنانة التشكيلية رباب غزول وسلام عطا صبري المتخصص في فن النحت والرسام حيدر جبار. يقول كاوتيرن إن المعرض سيكون بمثابة «إعادة اكتشاف» لأعمال المصور لطيف العاني، خاصة بالنسبة للجمهور العالمي. أما الفنان سلام عطا صبري فيقدم يوميات بصرية لحياته في المهجر «عدد من الفنانين يقدمون شهادتهم على الحياة التي يعيشونها» سواء داخل أو خارج الوطن، حسبما يعلق المنسق العالمي.
المدهش في الأسماء المشاركة هو اشتراكهم في بعض جوانب التجربة الحياتية داخل العراق، واختلافهم في التجربة خارج الوطن في المهجر. فنجد أن لطيف العاني وسلام عطا صبري يعكسان الحياة والواقع المعيش في بغداد. أما آكام شيخ هادي فيقدم نظرة من كردستان حيث يعيش، ومن تركيا وبريطانيا حيث يعيش حيدر جبار ورباب غزول، فسنجد أعمالا تعكس الحياة في المهجر.
هل من الممكن الفرار من السياسة في الجناح العراقي؟ أتساءل وأعرف النتيجة مقدما، لكن كاوتيرن يشير إلى أنه في البداية كان يريد الابتعاد قدر الإمكان عن ذلك، ويضيف «عندما عينت قيما للجناح لم يكن (داعش) عاملا مؤثرا مثل الآن»، ولكن التدمير المنظم للتراث الثقافي في العراق وتدمير المواقع الأثرية ومتحف الموصل يفرض على القيمين على الجناح إلقاء الضوء على الفنانين الذين لا يزالون يعملون تحت كل تلك الظروف والذين يمثلون «تاريخا فكريا وعاطفيا للعراق». ويشير كاوتيرن إلى أن الأحداث الأخيرة في العراق تؤكد أهمية الاهتمام بالفن العراقي، ويتمنى أن يستطيع تقديم معرض فني في بغداد.
«آثار البقاء» من رسومات اللاجئين
تردد اسم الفنان العالمي آي ويوي بالارتباط مع الجناح العراقي، فما هي علاقة الفنان الصيني بمعرض عراقي بحت؟ يجيب كاوتيرن «خلال تنقلي في العراق أحسست بأهمية أن يكون جناحنا في البندقية منطويا على تسجيل للحظة الآنية وللواقع مسطورا على قطعة من الورق. ولهذا قمنا بزيارة ثلاثة مخيمات للاجئين في دهوك وأربيل محملين بأقلام رصاص وأوراق فارغة، وطلبنا من بعض سكان المخيمات الكبار (وليس الأطفال) أن يرسموا ويكتبوا لنا عن تجاربهم ومعاناتهم، بنهاية التجربة عدنا محملين بـ546 رسما».
المدهش في الحصيلة التي جمعها كاوتيرن وفريقه خلال خمسة أيام هو الرسومات وأبيات الشعر نفسها التي لم تتركز على الحرب والمعاناة، وإنما صورت عالما آخر تماما، وقدمت «عالما مثاليا جميلا حافلا بالحدائق والأزهار والطيور أو منظر الشروق في الموصل قبل سيطرة (داعش)، وصورة لمهرجان تقليدي للإزيديين، وبعضها الآخر حمل في ثناياه تأثير الحرب والأوضاع القائمة، مثل أحد الرسومات لأربعيني تظهر فيه الدبابات والطائرات وهي تتبادل القصف وإلى جانبها كتب يقول (شعبنا عاش فقط ما بين الحروب والدمار)».
ومع تلك الحصيلة اتجهت نية مؤسسة «رؤيا للثقافة العراقية»، وهي الراعية للجناح، وكاوتيرن إلى جمع تلك الرسومات في كتاب يقوم بتقديمه أحد الفنانين المعروفين.. «فكرت في الفنان الصيني الشهير آي ويوي فهو أيضا يعتبر لاجئا وإن كان في وطنه، فكتبت له وأجاب طالبا مني زيارته في الصين ليرى الرسومات ويختار منها». وستعرض رسوم اللاجئين في الجناح العراقي، كما سيوزع الكتاب خلال البينالي، وسيتم التبرع بالعائدات لصالح إنشاء مركز فني بالمخيمات.
الفنانون
* لطيف العاني: (مواليد 1932).. يعتبر الأب المؤسس للتصوير العراقي. تتجه أعماله نحو التحديث وسيسلط الجناح الضوء على أعماله المبكرة.
* آكام شيخ هادي: (مواليد 1985).. من الجيل الجديد من المصورين العراقيين. وقد اشترك في مهرجانات تصوير في آسيا والشرق الأوسط. يشارك بأعمال تتعلق بصعود «داعش» وأزمة اللاجئين. يقدم للجناح 28 صورة في سلسلة من القماش.
* حيدر جبار: (مواليد 1986).. يعرض سلسلة من الصور بالألوان المائية تعكس الأزمة مع «داعش».. الصور حسب البيان صادمة ووحشية.
* رباب غزول: (مواليد 1970).. تقدم في الجناح فيلما يتخذ من «استجواب شيلكوت»، الذي أطلقه رئيس الوزراء البريطاني السابق غوردن براون للتحقيق في الدور البريطاني في غزو العراق 2003، نموذجا. وسيكون في جزء منه جرد لشهادات من مواطنين بريطانيين بشأن الحرب.