تروي مسرحية «روميو وجولييت» بنسختها السورية الجديدة، قصة طفل سوري جريح حرب لاجئ في الأردن، يتبادل أطراف الحديث عبر «سكايب» مع حبيبته جولييت المحاصرة في مكان ما في محافظة حمص وسط سوريا، في عمل يسلط الضوء على معاناة السوريين بعد أكثر من 4 أعوام من النزاع الدامي الذي خلف 220 ألف قتيل.
وعرضت المسرحية على سطح بناية في عمان تستخدم كمركز لعلاج وتأهيل ضحايا النزاع في سوريا حيث يعالج إبراهيم بطل المسرحية الذي يؤدي دور روميو، الطفل ذو الـ12 عاما الذي قتلت والدته و3 من إخوته في قصف النظام على ريف دمشق عام 2014 ونجت ساقه اليمنى من البتر وخضعت لـ3 عمليات جراحية، وما زالت تنتظر عمليتين أخرتين.
وتبدأ المسرحية بالمشهد المعروف الذي يعد من أشهر مشاهد الرومانسية على الإطلاق، عندما يذهب روميو إلى حديقة جولييت ويقف تحت مخدعها ليتفقا على الزواج سرا في اليوم التالي، فيذهبان إلى القس الذي يزوجهما اعتقادا منه أن زواجهما سيؤدي إلى الصلح بين عائلتيهما وإنهاء صراعهما الأبدي.
وارتدت جولييت (14 سنة)، المحتجبة التي لم يتم الإفصاح عن اسمها الحقيقي خوفا على حياتها، القناع كي لا يتم التعرف على شكلها الحقيقي.
وتأخر عرض المسرحية ساعة كاملة، كما اضطر الممثلون إلى التوقف عدة مرات بسبب انقطاع الإنترنت في سوريا في هذه المسرحية التي تجسد الرواية الكلاسيكية لويليام شكسبير والتي تعود إلى القرن السادس عشر.
واقتبس مخرج المسرحية الممثل السوري نوار بلبل 7 مشاهد من المسرحية الأصلية، أما المشهد الثامن والأخير فأضافه للنص وتضمن صرخات للأطفال المحاصرين في حمص في آخر المسرحية: «كفى موت، كفى دم، كفى قتل، نريد أن نعيش مثل كل باقي البشر».
وكل شيء في المسرحية حقيقي من حصار وظروف ومعاناة إلا قصة الحب التي جمعت روميو بجولييت فهم لا يعرفان بعضهما البعض ولم يلتقيا إطلاقا.
ويقول بلبل لوكالة الصحافة الفرنسية: «أردنا من خلال هذا العمل الفريد من نوعه تسليط الضوء على المناطق المحاصرة من قبل النظام في سوريا بعد أن عجزت كل المنظمات الإنسانية عن إدخال الطعام والشراب والدواء للمحاصرين هناك».
وتقدر الأمم المتحدة عدد المدنيين المحاصرين بسبب المعارك الدائرة في سوريا والذين لا تستطيع وكالات الإغاثة إيصال المساعدات الإنسانية إليهم بنحو 440 ألفا.
ويضيف بلبل، الذي تعرض لمضايقات في سوريا بسبب خروجه في مظاهرات مناوئة للنظام حيث حرم من شغل المسرح والتلفزيون والإذاعة في القطاع العام: «تمكن أطفال لاجئون من كسر هذا الحصار المقيت البشع والدخول إلى داخل سوريا ليهزموا الحصار، لكن هذه المرة عن طريق الفن والمسرح والحب ليصنعوا الحياة والأمل وبالتالي بالمستقبل».
وأوضح: «أردنا أن نوجه رسالة للعالم أن المحاصرين ليسوا إرهابيين بل أطفال يتعرضون للقصف والقتل والدمار وإنهم يحبون الفن والحياة رغم الحصار».
وتابع بلبل الذي قدم العام الماضي مسرحية جمعت «الملك لير» بـ«هاملت» في مخيم الزعتري للاجئين السوريين: «إنها أول تجربة في الكرة الأرضية أن يكون هناك عرض مسرحي عن طريق الـ(سكايب). لم نستعمل الـ(سكايب) للترف إنما للضرورة والحاجة لأنه لم يكن أمامنا من خيار آخر للدخول إلى حمص إلا عبر الـ(سكايب)».
وحاول بلبل جاهدا اختصار زمن المسرحية الأصلية الطويلة المليئة بالعنف والدم والقتل ليسلط الضوء على الحب ليكون هو الموضوع الطاغي فأضاف قصتي حب أخرتين إلى المسرحية بين خادمي روميو وجولييت والراوي في حمص والراوية في عمان.
ويقول إبراهيم (12 سنة) الذي يؤدي دور روميو والذي كان يمشي بمساعدة عكازين ومضى على وجوده في هذا المركز الطبي قرابة 10 شهور، وما زال ينتظر الخضوع لعمليتين جراحيتين أخرتين لساقه: «أنا سعيد جدا، لقد تعرفت على أصدقاء جدد، أطفال مثلي لم يسبق لي رؤيتهم وهم محاصرون في حمص».
وأضاف: «أردنا توجيه رسالة للعالم بأننا نحن الأطفال ضحايا هذه الحرب وليس لنا أي علاقة بما يجري من صراع بين الأطراف المتحاربة في سوريا».
وأضاف، والدموع بللت عينيه السوداوين: «سأشتاق للأطفال في حمص الذين كنت أتحدث معهم بشكل يومي على مدى شهر تحضيرا لهذه المسرحية، لكن آمل أن تنتهي الحرب وأن أتمكن من لقائهم يوما ما وجها لوجه».
ومعظم جمهور المسرحية وهم بالعشرات كانوا من جرحى الحرب السورية الذين يعالجون في المركز وكانوا يرددون: «عاشت سوريا ويسقط بشار الأسد».
ويقول محمد حليمة (24 سنة) الذي أصيب بـ5 طلقات في ساقه اليسرى في مواجهات بريف دمشق قبل أكثر من عامين، مما أدى إلى قطع الأعصاب والأوردة والشرايين وتفتت العظم وخضع لـ9 عمليات جراحية من أجل إنقاذ ساقه من البتر: «لم يعد هناك إمكانية أو فسحة لقصة حب في سوريا، لقد دمرت الحرب كل شيء جميل في هذا البلد».
وأضاف، وهو جالس على كرسيه المتحرك متحسسا ساقه: «نحن الشبان أكثر ضحايا هذه الحرب المجنونة وكل واحد منا كانت تجمعه قصة حب مع فتاة. لا نعرف اليوم أين هن وماذا حل بهن، وهل هن على قيد الحياة، أم قتلن في الحرب».
وتابع حليمة الذي قضى 4 أشهر على الحدود قبل أن يتمكن من دخول الأردن قبل 15 شهرا: «أنهكتنا الحرب ونحن متعبون جسديا ونفسيا ونأمل أن تنتهي بأسرع وقت حتى نتمكن من العودة إلى حياتنا الطبيعية، وأن نتمكن من مشاهدة مثل هذه المسرحيات الجميلة على المسارح وليس على أسطح المباني».
هل الحب في سوريا مستحيل؟.. إنه جائز لكنه افتراضي
«روميو وجولييت» عبر «سكايب» بنسختها السورية الجديدة
هل الحب في سوريا مستحيل؟.. إنه جائز لكنه افتراضي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة