مقبرة «وادي السلام» في النجف تستقبل يوميا العشرات من قتلى معارك تكريت

مسلحون يصاحبون نعوش رفاقهم: القتال أشرس مما توقعنا

مسلحو الحشد الشعبي يحملون نعش أحد رفاقهم قتل في معارك تكريت أمس (أ.ف.ب)
مسلحو الحشد الشعبي يحملون نعش أحد رفاقهم قتل في معارك تكريت أمس (أ.ف.ب)
TT

مقبرة «وادي السلام» في النجف تستقبل يوميا العشرات من قتلى معارك تكريت

مسلحو الحشد الشعبي يحملون نعش أحد رفاقهم قتل في معارك تكريت أمس (أ.ف.ب)
مسلحو الحشد الشعبي يحملون نعش أحد رفاقهم قتل في معارك تكريت أمس (أ.ف.ب)

أوقفت القوات العراقية هجومها لاستعادة مدينة تكريت إثر ازدياد الخسائر البشرية الفادحة التي تكبدتها على أيدي المتشددين من تنظيم داعش، مما يثير المخاوف حول ما إذا كان المقاتلون الموالون للحكومة العراقية مستعدين لشن هجمات كبرى.
ويشير التدفق المستمر للتوابيت إلى مدينة النجف في جنوب العراق إلى سبب توقف الهجوم، حيث يقول عمال المقابر إن نحو 60 تابوتا لقتلى الحرب تصل يوميا إلى مقبرتها.
وطوقت القوات العراقية قبل أسبوع مسلحي «داعش» في تكريت، غير أن الخسائر البشرية للعملية العسكرية تصاعدت بشكل كبير حتى أفاد الجنود بأن القتال كان شديدا على غير المتوقع. ومع هدوء الزخم في تكريت، بدأ بعض المسؤولين العراقيين في المطالبة العلنية بالدعم الجوي من جانب الولايات المتحدة الأميركية.
وفي حين أن المسؤولين العراقيين لا يزالون يعربون عن ثقتهم في إمكانية استعادة المدينة، إلا أن الهجمات المتعثرة لا تبشر بخير حيال مزيد من المعارك المعقدة ضد مدينة الموصل، وبالنسبة كذلك للمناطق التي يسيطر عليها المتشددون في محافظة الأنبار، والتي كان من المتوقع أن تبدأ خلال الأشهر القليلة المقبلة.
ويقول طاهر صباح (25 سنة) وهو من المقاتلين التابعين لمنظمة «بدر» الذي وصل إلى مدينة النجف الأحد الماضي لدفن والده الذي قتل في تكريت الليلة السابقة: «إنه قتال مريع، وأشد قسوة مما توقعناه، وسيستمر لفترة طويلة.. لكننا مستمرون».
ولا توفر الحكومة العراقية الأرقام أو البيانات حول أعداد الوفيات في المعارك، لكن مقبرة «وادي السلام» في النجف، وهي من كبرى المقابر على مستوى العالم، تعتبر المرقد الأخير لغالبية الشيعة العراقيين.
ومع هبوط الغسق مساء الأحد الماضي على ضريح الإمام علي في النجف، حيث يُذهب بالتوابيت قبل استقرارها في المقابر، كانت هناك 4 توابيت، وصلت في غضون 20 دقيقة، تلفها الأعلام العراقية في إشارة إلى أنها تضم جثث المقاتلين.
لقي والد طاهر حتفه برفقة اثنين من المقاتلين الآخرين أثناء محاولتهم تطهير أحد المباني في مدينة العلم بالقرب من تكريت، غير منتبهين إلى وجود 17 متشددا من «داعش» مختبئين داخل المبنى، حسبما أفادت عائلته. حمل طاهر، الذي كان يرتدي سترته العسكرية، تابوت والده مع أقاربه عبر متاهة من القبور المتناثرة في المقبرة الواسعة. كانوا يرفعون التابوت على أكتافهم وهم يمرون بين مقابر القتلى في صراعات سابقة؛ فهناك قتلى حرب الثماني سنوات مع إيران، وأولئك الذين قضوا نحبهم في مقاومة الاحتلال الأميركي للعراق، وضحايا صراعات العنف الطائفي الدموية التي أعقبت الغزو. سجل مكتب استقبال المقبرة المذكورة عدد 127 ضحية منذ بدء الهجوم على تكريت أول الشهر الحالي. غير أن ذلك الرقم لا يشمل أعداد أكبر الميليشيات الشيعية (منظمة «بدر»، و«عصائب أهل الحق»، و«سرايا السلام» التابعة لمقتدى الصدر) التي تعمل على تسجيل أرقام وفياتها بصورة منفصلة. ويقول العاملون في غرف الغسل بالمقبرة، حيث يُذهب بمعظم الجثث إلى هناك لإعدادها للدفن، إن أعداد القتلى أكبر من ذلك بكثير.
يقول أحد مسؤولي المقبرة، واسمه فضل الزبيدي: «ما بين مراكز الغسل الأربعة الرئيسية، هناك نحو 40 إلى 60 قتيلا يأتون من تكريت»، وأضاف أن معظمهم من المتطوعين الشيعة أو أعضاء في الميليشيات الشيعية الذين يتقدمون القتال رغم معرفتهم السطحية بالأمور العسكرية.
وسمع الزبيدي كثيرا من التفاصيل حول المعركة من القوات العائدة من ساحة القتال برفقة قتلى الحرب؛ فهناك أقاويل حول الكمائن، والمقاتلين الموالين للحكومة الذين يقعون في الأسر ثم يُحرقون أحياء. وقال إنه يشتبه في أن السلطات، في بعض الأحيان، تحتفظ بالجثث ولا تعلن عنها. وأضاف: «يسقط مئات الجنود في بعض الأحيان في يوم قتال واحد، لكن المشرحة لا تقوم بتسليم الجثث مرة واحدة.. إنه أمر حساس للغاية».
على بعد بضعة أمتار كانت تقف سميرة التميمي (59 سنة) تتعامل مع جثتين فقط لمسلحين من ميليشيا «عصائب أهل الحق»، وتقول إن 26 مقاتلا من تلك الميليشيا لقوا حتفهم في تكريت حتى الآن، ومن بينهم 3 من كبار القادة الذي قتلوا خلال هجمة انتحارية نفذت بتاريخ 5 مارس (آذار) الحالي.
وبينما كان طاهر ينتظر مغيب شمس يوم الأحد حتى يواري جثة والده التراب، قال إنه يفكر في العودة إلى ساحة القتال بأسرع ما يمكن، يدفعه في ذلك وبقوة مقتل والده هناك. وحينما دخل طاهر المبنى الذي قتل فيه والده، انتقم له بقتله أحد المتشددين من «داعش»، على حد قوله. وأضاف: «عندما وجدت والدي مسجى هناك، لم أستطع الاستمرار، ولكن الآن، بمجرد انتهاء الجنازة، سأعود أدراجي».
* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ«الشرق الأوسط»



تقرير دولي يتهم مخابرات الحوثيين بالسيطرة على المساعدات الإنسانية

جهاز مخابرات الحوثيين اعتقل عشرات الموظفين الأمميين وعمال المنظمات الدولية والمحلية (إعلام حوثي)
جهاز مخابرات الحوثيين اعتقل عشرات الموظفين الأمميين وعمال المنظمات الدولية والمحلية (إعلام حوثي)
TT

تقرير دولي يتهم مخابرات الحوثيين بالسيطرة على المساعدات الإنسانية

جهاز مخابرات الحوثيين اعتقل عشرات الموظفين الأمميين وعمال المنظمات الدولية والمحلية (إعلام حوثي)
جهاز مخابرات الحوثيين اعتقل عشرات الموظفين الأمميين وعمال المنظمات الدولية والمحلية (إعلام حوثي)

اتهم تقرير دولي حديث مخابرات الحوثيين بالسيطرة، طوال السنوات الماضية، على المساعدات الإنسانية وتوجيهها لخدمة الجماعة الانقلابية، وذكر أن عدداً من كبار المسؤولين فيما يُسمَّى «جهاز الأمن والمخابرات»، شاركوا في استهداف العاملين في مجال حقوق الإنسان وتعطيل المشاريع الإنسانية في سبيل جني الأموال وتجنيد عملاء في مناطق سيطرة الحكومة، بهدف إشاعة الفوضى.

التقرير الذي يستند إلى معلومات استخباراتية مفتوحة المصدر، وأعدَّه مركز مكافحة التطرف، ذكر أن كثيراً من كبار المسؤولين في المخابرات الحوثية شاركوا في استهداف العاملين بمجال حقوق الإنسان، ونشر التطرف بين جيل من اليمنيين (بمن في ذلك الأطفال)، وتعطيل المشاريع الإنسانية في البلاد من أجل جني مكاسب مالية شخصية، وإدارة شبكات مالية ومشتريات غامضة، وتجنيد العملاء لزرع الفوضى والدمار في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية.

عبد الحكيم الخيواني رئيس جهاز مخابرات الحوثيين مجتمعاً مع رئيس مجلس الحكم الانقلابي مهدي المشاط (إعلام حوثي)

ورأى التقرير أن المنظمات الدولية فشلت في صدّ مسؤولي المخابرات الحوثية الذين يمارسون السيطرة على مشاريعها أو ينسبون الفضل إليهم. وقال إنه، ومع أن الوضع الإنساني حساس للغاية؛ حيث يحتجز الحوثيون شعبهم رهينة ولا يعطون قيمة كبيرة للحياة البشرية، من الواجب اتخاذ تدابير إضافية للكشف عن مسؤولي المخابرات ومنعهم مِن استغلال أنشطة المنظمات الإنسانية.

واستعرض التقرير الدور الذي يلعبه جهاز مخابرات الحوثيين في التحكُّم بالمساعدات الإنسانية. وقال إن الحوثيين قاموا بحل الجهة المكلَّفة السيطرة على المساعدات، المعروفة باسم مجلس تنسيق الشؤون الإنسانية، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ونقلوا مسؤولياتها إلى وزارة الخارجية ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية في الحكومة الانقلابية غير المعترَف بها.

وأكد أن جهاز المخابرات الحوثي كان شريكاً رئيسياً لذلك المجلس في جمع المعلومات عن المنظمات الإنسانية وأنشطتها، وكذلك في فرض مطالبهم عليها. ومع ذلك، يؤكد التقرير أن حل المجلس لا يشير بالضرورة إلى نهاية مشاركة جهاز المخابرات في السيطرة على المساعدات وتحويلها.

استمرار السيطرة

نبَّه التقرير الدولي إلى أنه، وقبل أقل من شهرين من نقل مسؤوليات هذا المجلس إلى وزارة الخارجية في الحكومة الحوثية غير المعترف بها، تم تعيين عبد الواحد أبو راس نائباً لوزير الخارجية، وكان يشغل في السابق منصب وكيل المخابرات للعمليات الخارجية.

وبيّن التقرير سيطرة جهاز المخابرات على مجلس تنسيق الشؤون الإنسانية من خلال تسلُّل أفراده إلى مشاريع المساعدات، واحتجازه للعاملين في مجال المساعدات، وتعيين رئيس الجهاز عبد الحكيم الخيواني عضواً في مجلس إدارة المجلس.

عبد الواحد أبو راس انتقل إلى خارجية الحوثيين مع نقل صلاحيات تنسيق المساعدات الإنسانية معه (إعلام محلي)

ورجَّح مُعِدّ التقرير أن يكون نَقْل أبو راس إلى وزارة الخارجية مرتبطاً بنقل صلاحيات تنسيق المساعدات الإنسانية إلى هذه الوزارة، ورأى أن ذلك سيخلق رابطاً جديداً على مستوى عالٍ بين المخابرات والجهود المستمرة التي يبذلها الحوثيون لتحويل المساعدات الإنسانية، بعد انتهاء ولاية مجلس تنسيق الشؤون الإنسانية.

وأشار التقرير إلى أن حل المجلس الحوثي الأعلى لتنسيق الشؤون الإنسانية قد يكون نتيجة لضغوط دولية متزايدة على المنظمات الإنسانية لوقف التعاون مع هذه الهيئة الحوثية المعروفة بتعطيل وتحويل المساعدات.

ولاحَظَ التقرير أن مشكلة تحويل المساعدات من قبل الحوثيين كانت مستمرة لمدة تقارب عقداً من الزمن قبل إنهاء عمل هذا المجلس. وقال إنه ينبغي على الأقل استهداف هؤلاء الأفراد من خلال العقوبات وقطعهم عن الوصول إلى النظام المالي الدولي.

ومع مطالَبَة التقرير بانتظار كيف سيؤثر حل المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية على جهود تحويل المساعدات التي يبذلها الحوثيون، توقَّع أن يلعب أبو راس، المسؤول الكبير السابق في المخابرات العامة، دوراً رائداً في ضمان تخصيص أي موارد تدخل المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون لتعزيز مصالح سلطتهم.

استراتيجية أوسع

بشأن القيادي الحوثي، منتظر الرشيدي، الذي يشغل حالياً منصب مدير جهاز المخابرات في محافظة صنعاء، يذكر التقرير أنه يحضر الفعاليات الترويجية الحوثية الكبرى، مثل الافتتاح الكبير لمنشأتين طبيتين جديدتين في صنعاء (بتمويل من اليونيسيف) وافتتاح مشروع تنموي لبناء 20 وحدة سكنية جديدة.

طوال عقد وجَّه الحوثيون المساعدات الإنسانية لما يخدم مصالحهم (إعلام محلي)

وقال إنه من المرجح أن يكون هذا جزءاً من استراتيجية أوسع نطاقاً للحوثيين تهدف إلى الحصول على الفضل في أعمال البنية الأساسية، التي يتم تمويل كثير منها من قبل منظمات الإغاثة الإنسانية، بينما في الوقت نفسه يبتز جهاز المخابرات هذه الهيئات ذاتها ويضطهد موظفيها.

أما زيد المؤيد، فيشغل (بحسب التقرير) منصب مدير جهاز المخابرات الحوثية في محافظة إب؛ حيث يتخذ الحوثيون إجراءات وحشية بشكل خاص بسبب شكوك الجماعة تجاه سكان هذه المحافظة المختلفين مذهبياً.

ويورد التقرير أن الحوثيين وعدوا بالعفو عن أولئك الذين فرُّوا من حكمهم، فقط لكي يعتقل جهاز المخابرات ويعذب بعض العائدين. وقال إنه في حالة أخرى أصدروا مذكرة اعتقال بحق أطفال أحد المعارضين لهم في المحافظة.

وبحسب هذه البيانات، أظهر المؤيد مراراً وتكراراً أنه يدير إب وكأنها «دولة مافيا». وقال التقرير إنه في إحدى الحالات، كانت إحدى قريبات المؤيد تخطط للزواج من رجل من مكانة اجتماعية أدنى، وفقاً للتقسيم العرقي لدى الحوثيين، إلا أنه أمر جهاز المخابرات باختطاف المرأة لمنع الزواج.

الحوثيون متهمون بأنهم يديرون محافظة إب بطريقة عصابات المافيا (إعلام محلي)

وفي قضية منفصلة، يذكر التقرير أنه عندما أُدين أحد المنتمين للحوثيين بارتكاب جريمة قتل، اتصل المؤيد بالمحافظ للتأكد من عدم تنفيذ حكم الإعدام. وذكر أن المؤيد شغل سابقاً منصب مدير جهاز المخابرات في الحديدة؛ حيث ورد أنه أشرف على تهريب الأسلحة عبر مواني الحديدة الثلاثة (الحديدة، رأس عيسى، الصليف).

وفقاً لما جاء في التقرير، قام زيد المؤيد بتجنيد جواسيس للتسلل إلى الحكومة اليمنية، خصوصاً الجيش. وذكر التقرير أن الجواسيس الذين جنَّدهم كانوا مسؤولين عن بعض محاولات الاغتيال رفيعة المستوى ضد مسؤولين عسكريين يمنيين، بما في ذلك محاولة اغتيال رئيس أركان الجيش اليمني.

وسبق المؤيد في منصبه مديراً لجهاز المخابرات والأمن في إب العميد محمد (أبو هاشم) الضحياني، ويرجّح التقرير أنه خدم بسفارة الحوثيين في طهران قبل أن يتولى منصبه مديراً لجهاز المخابرات والأمن في إب.