لقطة من مشهد في برنامج «ساترداى نايت لايف» تظهر فيها الممثلة الأميركية داكوتا جونسون التي تلعب دور فتاة تركب سيارة بصحبة مجموعة من المسلحين بعد أن تودع أبيها قائلة: «لا داعي للقلق يا أبي، إنهم من تنظيم داعش».
وبلغت عدد مشاهدات فيديو على موقع «يوتيوب» يسخر من تنظيم داعش، أكثر من مليون مرة، حيث يظهر الفيديو مقاتلي «داعش» وهم بصدد تنفيذ محاولة لإعدام أحد الضحايا بينما يظهر جلاد «داعش» في الفيديو مرتبكا ومتلعثما وهو يقرأ حكم الإعدام فيخطئ في نطق الكلمات، فبدلا من أن يقول «ظروف» يقول «ختان»، وبعد عدة محاولات فاشلة لتصوير عملية الإعدام التي تخللتها محاولة هروب الضحية الذي ظهر بالطبع مرتديا سترة الإعدام البرتقالية، تمكن جلاد «داعش» من ذبح ضحيته ليتلقى بعدها التهاني من زملائه، إلا أنهم سرعان ما تبينوا أنهم عجزوا عن تسجيل عملية الإعدام، فقرروا تنفيذ عملية إعدام أخرى، ولكن بحق أحد زملائهم الذي كان يشارك في عملية التصوير.
ويعد هذا الفيديو الساخر من «داعش» واحدا من بين عدد كبير ومتزايد من الفيديوهات التي غالبا ما تكون ساخرة؛ حيث إن بعضها يفتقر للفكاهة، ولكن أغلبها يأتي بصورة مستفزة لتنظيم داعش إما عن طريق السخرية من تصرفاتهم ومعتقداتهم أو الاستهزاء من مبالغتهم في قوة تنظيمهم.
وإذا كان «داعش» قد اختار أن يروج لنفسه باعتباره جماعة إرهابية تنتمي للعصر الرقمي؛ حيث يصر على تصوير فيديو لكل الفظائع التي يرتكبها، فعليه أن يتقبل أيضا ردود أفعال من ينتمون لنفس هذا العصر الرقمي الذين انهالوا على «داعش» بشتى أنواع السخرية التي جاءت في صورة رسوم كارتونية وفيديوهات وأغان وقصص من جميع أصقاع الأرض وكان معظمها من ابتكار المسلمين أنفسهم.
يقول جيمس بي هويستري، وهو أستاذ مساعد في الدراسات الإسلامية بجامعة إيميري بولاية أتلانتا الأميركية أن السبب وراء انتشار الفيديوهات الساخرة من مقاتلي «داعش» هو أن «معظم المسلمين لا يؤمنون بمعتقدات داعش». ويضيف هويستري قائلا: «أعتقد أن أهم تلك الفيديوهات هي تلك التي تظهر مقاتلي (داعش) في صورة تخالف ما يدعونه من ورع وتقوى».
وأشار هويستري إلى البرنامج الفلسطيني الساخر «وطن على وتر» حيث يظهر في أحد مشاهده مقاتلو «داعش» وهم يستوقفون رجلا عند أحد الحواجز ليسألوه عن البلد الذي جاء منه. وعندما يجيبهم الرجل يبادره الدواعش بسؤاله عن مدى جمال الفتيات في بلده. ويعد هذا «سخرية ضمنية من المظهر الورع الذي يظهرون به»، حسبما يقول هويستري. بينما يسعى فنانون ساخرون مثل جيورا زينجر، ويوسي جافني، وأومير بورشتاين من إسرائيل الذين قاموا بتأليف وتمثيل فيديو الإعدام الساخر إلى الاستهزاء بولع «داعش» بإنتاج فيديوهات على درجة عالية من الاحترافية.
فيقول زينجر: «تبدو فيديوهات نحر الرؤوس التي يصورها (داعش) منتجة بصورة احترافية، فهم يصورون باستخدام زاويتين كما أن جودة الصوت في الفيديوهات عالية جدا، فهم يستخدمون معدات حديثة. فكنت أقول لنفسي عندما أشاهد تلك الفيديوهات، ماذا يجري وراء الكواليس؟».
ويقول جافني: «حاولنا أن نركز على الجوانب العبثية عند السخرية من (داعش) التي تعارض مشاهد القبلات بين المحبين، بينما لا ترى مانعا في إظهار مشاهد نحر الرؤوس». وعلى نفس المنوال، فإن حرص «داعش» على الالتزام بحرفية الفيديوهات التي يصورها، دفع كل من أنس مروة من سوريا، وماهر برغوثي ونادر قواش، وهما فلسطينيان، وجميعهم في سن الثالثة والعشرين إلى إنتاج سلسلة ساخرة من الفيديوهات تحمل اسم «ذا وييكلي شو» أو البرنامج الأسبوعي في سبتمبر (أيلول) الماضي. فيقول مروة: «(داعش) يستخدم أساليب دعائية ماكرة لاستقطاب الشباب وأحد أهدافنا بعد السخرية من (داعش) هو إرسال رسائل مضادة للشباب تحط من شأن (داعش)».
ومن الفيديوهات الساخرة التي أنتجها مروة وصديقاه، فيديو يحاكي أحد إعلانات شركة آبل الأميركية، ولكن يسخر من «داعش» حيث يحمل عنوان «داعش 9 آير»، وفيديو آخر عن تطبيق للهاتف يسمى «لوغ بوك» وهو تطبيق يساعد المستخدم على تسجيل عدد الأشخاص الذين تمكن من قتلهم ثم يقوم بحساب الحسنات التي ينالها القاتل حسب كل قتيل.
ولكن أحد الساخرين من «داعش» مثل كارل شارو، وهو معماري وصاحب مدونة ساخرة بعنوان «كارل ريماركس»، كان من بين من أقروا بأن المواد الساخرة من «داعش» ليست كلها تثير الضحك، وأن هناك كثيرا منها مسيئة للذوق ومثيرة للحساسيات حيث يقول شارو: «كثير من الناس يقدمون موادا تفتقر للكياسة ولا أجدها مضحكة على الإطلاق، إنها مجرد محاولة لركوب موجة السخرية فقط». ولكن، على الرغم من ذلك، فهناك بعض المواد الساخرة المنتجة بطريقة احترافية، وتمتلك محتوى مؤثرا بدرجة كبيرة حيث أشار شارو لأغنية «مدد بغدادي» لفرقة «الراحل الكبير» اللبنانية، التي يكيل فيها المغنون المديح لأبي بكر البغدادي زعيم «داعش»، ولكن بطريقة ساخرة حيث يقول شارو: «الأغنية تستخدم الطريقة العربية التقليدية في أداء الأغاني الدينية، إنها محاولة في غاية البراعة والشجاعة».
ولم تقتصر السخرية من «داعش» على الإنترنت فقط، ففي البرنامج الأميركي الشهير «ساترداى نايت لايف» وفي حلقة عرضت في آخر فبراير (شباط) الماضي، ظهرت الممثلة داكوتا جونسون، التي لعبت من قبل دورا في فيلم «فيفتي شيدز أوف جراي»، في دور فتاة وهي تترجل من سيارة أبيها الذي يقول لها: «ستكونين بخير. أليس كذلك؟»، فترد عليه قائلة: «لا تقلق يا أبي، إنهم مجرد مقاتلين من (داعش)»، وقد أثار هذا المشهد الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي حيث تساءل البعض عما إذا كانت ظاهرة انضمام فتيات لتنظيم داعش يجوز اعتبارها أمرا مثيرا للضحك.
ولم تثر السخرية من معتقدات «داعش» الإرهابية حساسيات كبيرة في بعض الدول العربية المحافظة التي تنظر لـ«داعش» باعتبارها عدوا مشتركا لكثير من الدول العربية، فعلى سبيل المثال تعرض قناة العراقية الفضائية مسلسلا كوميديا يسخر من «داعش» بعنوان «دولة الخرافة».
* خدمة «نيويورك تايمز»