تعود صناعة السجاد اليدوي في سوريا إلى 7 قرون ماضية؛ حيث اشتهرت دمشق، المعروفة منذ آلاف السنين بنسيجها «الدامسكو»، بإنتاج وتصنيع أجمل الأنواع والأشكال من السجاد المنسوج من الحرير الفاخر والمطرز بأجمل النقوش والرسوم التراثية والمحلية.
كانت الانطلاقة في القرن الرابع عشر، لتأخذ شهرة عالمية تحت اسم «السجاد الدمشقي» أو «السجاد المملوكي»، حيث تميّزت بألوانها الحمراء القرمزية والأصفر الذهبي والأزرق البحري وبنقوش هندسية ومنها النجفة (البحرة) ثمانية الأضلاع يحيط بها أغصان مستقيمة أو أشكال هندسي،ة بينما يظهر في الإطار الأساسي اللويحات المستطيلة التي تحوي أشكالا نجمية.
وظلّت هذه الحرفة اليدوية يتوارثها الأبناء عن الآباء حتى منتصف القرن الماضي، حيث بدأت الصناعة الآلية تنافسها فتخلى معظم العاملين اليدويين عنها، فقامت الحكومة السورية في منتصف ستينات القرن الماضي بتأسيس ونشر ما سمي «وحدات اجتماعية لتعليم صناعة السجاد اليدوي»، وانتشرت بشكل أساسي في الأرياف والمدن السورية الصغيرة، ووصل عددها في أواخر القرن الماضي إلى أكثر من مائة وحدة إرشادية. والملاحظ أن معظم من انتسب لهذه الوحدات هم من الفتيات والنساء، فتحولت حرفة صناعة السجاد لمهنة نسائية؛ حيث خرّجت هذه الوحدات المئات من الفتيات اللواتي حاولن العمل لوحدهن فيما بعد بصناعة السجاد اليدوي، ولكن عانين من مشكلة التسويق والبيع فعزفن أقرانهن عن الالتحاق بهذه الوحدات، مما اضطر الحكومة إلى إغلاق معظمها، ولم يبق منها سوى عدد محدود لا يزيد على 10، فعادت صناعة السجاد اليدوي التقليدية في سوريا مرّة أخرى للانقراض باستثناء عدد قليل من الأشخاص يعملون بها مع العدد القليل من الوحدات الاجتماعية التي ظلّت تعمل، ومنها وحدة بلدة الرحيبة في الريف الشمالي للعاصمة دمشق بمنطقة القلمون.
يشرح مدير الوحدة، عمار سمور، لـ«الشرق الأوسط»، موضحا: «تأسست وحدتنا في عام 1967 ومنذ ذلك التاريخ ظلت تعمل بشكل جيد ودون انقطاع بسبب رغبة كثير من فتيات قرى القلمون في تعلم صناعة السجاد اليدوي كعمل إبداعي ويمكن أن يدر عليهن دخلا ماديا».
تخرّج من الوحدة أكثر من 550 عاملة وأنتجن خلال العمل في الوحدة عشرات الأشكال والتصاميم التي تستلهم التراث وتاريخ سوريا. ويفتخر سمور أن السجاد الذي أنتجته العاملات في وحدته وصل لكثير من دول العالم وشارك في معارض داخل وخارج سوريا في الجزائر والإمارات وبيلاروسيا وغيرها. كما أن بعض قطع السجاد اليدوي في القصر الجمهور تم تصنيعها في وحدته وبطلب من وزارة الشؤون الاجتماعية التابعة لها الوحدة.
في السنوات الماضية قدمت الوحدة تصاميم جديدة، سجادا يحمل رسما للوردة الدمشقية، حيث عرضت في معرض الزهور الدولي وتصاميم عليها أوابد ومعالم سوريا الأثرية والتاريخية كآثار تدمر والتكية السليمانية والجامع الأموي ودير صيدنايا ودير سمعان وقلعتي حلب ودمشق. كما يحمل السجاد المصنع صورا للزي الشعبي في المحافظات السورية على اختلافها. وتحولت السجادات الأرضية إلى لوحات فنية تعلّق على الجدران، وهذا جعلها تتحول من حاجة بسيطة إلى عمل فني تعبيري رفيع مثل أي عمل إبداعي آخر.
ولكن، ما هو مستقبل هذه الحرفة؟ يقول سمور: «لطالما مرّت هذه الصناعة بمراحل ازدهار وتراجع كغيرها من الحرف إلا أنها الآن بالحدود الدنيا، ونخشى عليها من الانقراض! ولكن، أؤكد لك أن المعنيين يحاولون إنعاش هذه الحرفة والمحافظة عليها من خلال التركيز على إعادة تفعيل الوحدات الإرشادية، وإعادة النظر ببعض القوانين والأنظمة وتطويرها لتحسين ظروف صناعة السجاد اليدوي».
صناعة السجاد اليدوي السوري تصارع من أجل البقاء
انطلقت في القرن الرابع عشر وأخذت اسم «السجاد المملوكي» أو «الدمشقي»
صناعة السجاد اليدوي السوري تصارع من أجل البقاء
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة