من التاريخ: كابتن كوك

من التاريخ: كابتن كوك
TT

من التاريخ: كابتن كوك

من التاريخ: كابتن كوك

يعد المستكشفون من أكثر الشخصيات التي حظيت بالاهتمام والشهرة على المستوى الدولي، فكريستوفر كولومبس، على سبيل المثال، يعد أشهرهم، والكل يعرف قيمته التاريخية على الرغم من أنه لم يستكشف إلا جزءا صغيرا من القارة الأميركية، والشيء نفسه بالنسبة لكثير من المستكشفين، وعلى رأسهم أمريجو فيسبوتشي، الذي نسبت إليه تسمية القارة الأميركية، كذلك الرحالة الشهير ماركو بولو الذي ارتبط عصره باكتشاف «طريق الحرير» الذي ربط أوروبا بالصين في خط تجاري مهم للغاية لعب دورا كبيرا في تطوير العلاقات الدولية.
وفي هذا السياق، فإن أحد أهم المستكشفين في القرن الثامن عشر كان الكابتن جيمس كوك، هذا الرجل الذي شهد له التاريخ بأنه كان من أكثر الناس الذين أثرت اكتشافاتهم الجغرافية في السياسة الدولية، حيث إنه مسؤول عن اكتشاف قرابة ثلث الأرض المعروفة آنذاك من خلال رحلاته الثلاث الممتدة في المحيط الهادي، فهو الذي اكتشف نيوزيلندا، وقارة أستراليا، وأجزاء من قارة إنتراكتيكا، أو القطب الجنوبي، فضلا عن كثير من الجزر في المحيط الهادي، منها جزيرتا تاهيتي وهاواي.
ولد جيمس كوك في مدينة يوركشاير الإنجليزية في 1728، وبدأ حياته مزارعا بسيطا، ولم يكن من الطبقة الأرستقراطية أو التي قاربتها، وهو ما خلق لديه شعورا ممتدا بالدونية في مجتمع كانت فيه النبرة الطبقية عالية للغاية، وكانت فرص التدرج الوظيفي خاصة في البحرية مرتبطة إلى حد كبير بمدى اتصالاته وطبقته الاجتماعية، وقد ترك الرجل مهنته الأساسية وبدأ يبحث عن مجده الشخصي بحارا في إحدى السفن الخاصة لشخص يدعى ووكر، ومن خلال عمله هناك بدأ كوك يسعى لتعلم فنون الملاحة ورسم الخرائط في زمن كانت فيه الاستكشافات الجغرافية أحد أهم مظاهره على المستوى الأوروبي. وقد أبحر كوك نحو بحر الشمال؛ حيث تعلم الملاحة وأصبح الملاح الأول لهذه السفينة، ولكن القدر كان يخبئ له الكثير وهو في سن صغيرة مقارنة بغيره، فبعد عدة سنوات في الملاحة الخاصة، تم تعيين كوك في البحرية البريطانية، وكانت من ضمن تكليفات سفينته المشاركة في الجهد الحربي الإنجليزي ضد فرنسا في أميركا الشمالية، حيث أبلي الشاب بلاء حسنا كان له أطيب الأثر في البحرية، وقد سمح له دوره الجديد بأن يكون على السفينة التي كلفت باستكشاف قارة نيوفاوندلاند. وتشير المصادر التاريخية إلى أن كوك قام برسم الخريطة الكاملة لهذه القارة بدقة متناهية للغاية أبهرت الجميع، مما ساهم في ذيوع صيته داخل البحرية الإنجليزية.
قد ابتسم الحظ للشاب كوك في 1767 عندما قررت البحرية الإنجليزية منحه قيادة السفينة «إندوفر» بمهمة استكشافية علمية في المحيط الهادي بهدف البحث عن القارة الكبيرة التي كان يعتقد أنها في جنوب شرقي المحيط الهادي، وقد صاحبه في هذه الرحلة كثير من العلماء والبحارة.
استعد كوك بمنتهى الدقة لهذه الرحلة من خلال الإشراف الشخصي على كل ما يخصها من التموين إلى المتانة، وأبحرت السفينة في 26 أغسطس (آب) 1768 من إنجلترا صوب المحيط الهادي من خلال عبور المحيط الأطلسي عبر مضيق «تيرا دل فويجو»، وبعد أشهر طويلة من الإبحار في المحيطين استطاع «كوك» أن يرسو بسفينته عند إحدى الجزر التي سميت فيما بعد جزيرة تاهيتي، حيث ضمها إلى إنجلترا، وفيها تعرف المستكشف على ملاح من هذه الجزيرة انضم إلى فريقه وبدأ يساعده في عملية الترجمة والاستكشاف، واستمر في قبلته نحو الغرب باحثا عن القارة الكبرى، ولكنه لم يجد هذه القارة، بل وجد بدلا منها جزيرة ممتدة كبيرة للغاية، وهي المعروفة اليوم باسم نيوزيلندا، وقد قرر الرجل أن يستكشف القارة بالكامل بمنتهى الصبر راسما الخرائط بدقة مذهلة. وبعد أن أبحر حول الجزيرة، توجه غربا سعيا وراء القارة الكبرى مرة أخرى، ولكنه وجد بدلا منها قارة كبيرة لا بأس بها وهي المعروفة اليوم باسم أستراليا، وهناك سعى كوك للعمل على تزويد السفينة بالأغذية والعدة لاستكمال رحلته الاستكشافية، فسار بمحاذاة الشاطئ الشرقي للجزيرة متوجها نحو الشمال وقام برسم الخرائط الخاصة بها، ولكن ليس قبل أن يصطدم بالشعب في أسفل البحر وهو ما كاد يغرق سفينته لولا قدراته الفائقة وإدراكه الكامل للأبعاد الهندسية، وقد أدى ذلك إلى عدم قدرته على الاستمرار في رحلته الاستكشافية؛ حيث اضطرته الظروف إلى التوجه نحو جزر إندونيسيا التي كانت مملوكة في ذلك الوقت للبرتغال، حيث أجرى الإصلاحات اللازمة للسفينة، وتوجه بعدها إلى إنجلترا منهيا رحلته الأولى، ولكن ليس قبل أن يصبح حديث لندن كلها، فالرجل اكتشف وضم لبلاده قارتين والكثير من الجزر في عصر كانت الدول الأوروبية تتسابق نحو المستعمرات والاستكشافات بغرض التجارة والربح السياسي والمادي.
فتحت الرحلة الأولى آفاقا واسعة للغاية أمام الكابتن كوك داخل البحرية البريطانية التي بدأت ترى فيه مستكشفها الأول والأهم، مما ساهم بشكل كبير في قرارها إسناد مسؤولية رحلة جديدة للرجل لاستكشاف القطب الجنوبي، وهو ما لم يتردد فيه، وبالفعل قام في 1772 برحلته الشهيرة مبحرا من إنجلترا صوب أفريقيا في الجنوب ومنها إلى القطب الجنوبي. وعلى الرغم من أن المنطقة كانت مغطاة بالثلوج، فإنه استطاع أن يبحر ويرسم أجزاء مهمة من القطب الجنوبي، وعاد بعدها إلى بلاده مرة أخرى، ولكنه لم يكن لديه القدر نفسه من النجاح مثلما كانت الحال في الرحلة الأولى، وهو ما اضطره للتقاعد المبكر وهو في سن الثامنة والأربعين، ولكن ليس قبل أن يحقق لبلاده الكثير من الاستكشافات المذهلة.
وعلى الرغم من تقاعده، فإن البحرية الإنجليزية أصرت على منحه الرحلة الثالثة للبحث عن «الممر الشمالي»، فلقد كانت البحرية على قناعة كاملة بأن هناك ممرا بحريا يربط إنجلترا إلى شرق المحيط الهادي عبر أميركا الشمالية ويساعد على اختصار المسافة بعيدا عن المستعمرات البرتغالية، وقد رأت البحرية أنه في حال اكتشافه، فإن هذا سيكون ممرا استراتيجيا يمكن أن يساهم في دفع التجارة الإنجليزية وفتح المجال أمام منافسة البرتغال التي كان لها النصيب الأكبر من طرق التجارة في المحيط الهادي.
وقد قبل كوك هذه المهمة وهو سعيد، ولكن أغلبية المصادر التاريخية تجمع على أنه بدأ يفقد جزءا كبيرا من اتزانه النفسي بشكل يكاد يهدد مسيرة الرحلة التي استمرت بكثير من المشكلات التي لا تكاد تنتهي. وبعد أشهر طويلة من الإبحار وصل إلى المحيط الهادي، وبدأ الرجل يسعى لاستكشاف غرب قارة أميركا الشمالية؛ حيث صادفته المصاعب الجغرافية والملاحية في هذه المنطقة مما اضطره للعودة صوب الجنوب للجزر المعروفة اليوم باسم هاواي. وبعد ترحيب مبدئي من قبل السكان الأصليين، بدأت الخلافات تدب، ولكن الكابتن كوك استطاع أن ينهي إصلاحاته والإبحار مرة أخرى للبحث عن الممر الشمالي دون جدوى، فلقد عاندته الظروف والرياح.
وبعد أشهر طويلة من البحث، استطاع فقط أن يرسم بعض الخرائط لهذه المنطقة المعروفة اليوم بغرب كندا. وبعدما أدرك الرجل أن المهمة صارت مستحيلة، خاصة بعدما تعرض لمشكلات كثيرة في سفينته، آثر العودة مرة أخرى إلى جزر هاواي حيث وقعت مشادة بين جيشه وبعض السكان الأصليين انتهت بمقتله وانسحاب سفينتيه من الجزيرة عائدتين إلى إنجلترا دون تحقيق حلم استكشاف الممر الشمالي.
وهكذا انتهت حياة هذا البحار العظيم الذي ترك للعالم من بعده خرائط دقيقة لكثير من العالم الذي لم يكن معروفا بالنسبة لأوروبا، وفتح المجال أمام استعمار إنجلترا لأستراليا ونيوزيلندا، كما أنه ساهم في استكشاف القطب الجنوبي ومن بعده شمال غربي القارة الأميركية، وهو الرجل الذي نذكره اليوم كثيرا خاصة بعدما اقتبست إحدى شركات السياحة العالمية اسمه لتخلده في ذاكرتنا.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».