الصحافة الإيرانية: الحصان المعصوب العينين

خامنئي «المرشد الأعلى» صاحب تصريح صحيفة «الجمهورية الإسلامية».. ويعين رئيس تحرير «كيهان»

الصحافة الإيرانية اليومية مملوكة وخاضعة بالكامل للرقابة الصارمة
الصحافة الإيرانية اليومية مملوكة وخاضعة بالكامل للرقابة الصارمة
TT

الصحافة الإيرانية: الحصان المعصوب العينين

الصحافة الإيرانية اليومية مملوكة وخاضعة بالكامل للرقابة الصارمة
الصحافة الإيرانية اليومية مملوكة وخاضعة بالكامل للرقابة الصارمة

لا بد لأي شخص من المهتمين بالصحافة أن يُعجب خلال نزهته في أحد شوارع طهران بالكثير من أكشاك بيع الجرائد ومختلف المطبوعات. وتعتبر طهران واحدة من آخر العواصم الكبرى التي لا تزال تحتفظ بأكشاك بيع الجرائد كجزء من المشهد المدني هناك. واستنادا إلى أن أيا من الصحف يجري حظره في يوم من الأيام، فهناك ما لا يقل عن 15 صحيفة يومية تُباع في أكشاك بيع الجرائد بطهران، وهو عدد كبير فعلا بأي مقاييس. (كانت طهران تتفاخر بإصدار أكثر من 20 صحيفة يومية في الخمسينات ولكنها تقلصت إلى 8 فقط خلال أيام الشاه الأخيرة).
مع ذلك، لا يعني عدد الصحف اليومية الكبير في طهران أن هناك طرحا حقيقيا للكثير من الخيارات. حيث إن الصحافة في ظل الجمهورية الإسلامية مملوكة وخاضعة بالكامل للرقابة الصارمة من قبل الفصائل المتنافسة داخل المؤسسة بناء على أسس التحالف بين الأجهزة العسكرية - الأمنية وقطاع رجال الدين في شراكة تجمعهم بالشركات التجارية الكبرى.
أولى ميزات الصحف الإيرانية أنه في حين يجري إصدار تصاريح النشر باسم الملكية الفردية للأشخاص إلا أنه يمكنك دائما تتبع المسار إما إلى الدوائر الحكومية، بما في ذلك الحرس الثوري الإسلامي، أو إلى الكتل السياسية المساندة لواحد من «كبار اللاعبين».
والمثال على ذلك، يعتبر علي خامنئي «المرشد الأعلى» هو صاحب تصريح صحيفة «الجمهورية الإسلامية» اليومية في حين أنه يعين رئيس تحرير صحيفة «كيهان» اليومية كذلك. كما يمول حليفه السابق ومنافسه الحالي هاشمي رفسنجاني عددا من الصحف اليومية، وغالبا من خلال المصالح التجارية المرتبطة بعائلته. وأيا ما كان رئيس الجمهورية في ذلك الوقت، فهو من يتحكم في عدد من الصحف الصادرة عن الحكومة.
تنفق الحكومة ما متوسطه 150 مليون دولار كل عام على دعم الصحافة، من خلال التقارير الصحافية مدفوعة الأجر، والإعلانات، والرسوم الجمركية المنخفضة، والنشرات المباشرة.
تمتلك الصحافة الإيرانية عددا كبيرا من الصحافيين المدربين تدريبا جيدا الذين، إذا سنحت لهم الفرصة، يمكنهم العمل وفق المعايير الصحافية الدولية. وكثير منهم من الشباب الصغير، ومن النساء أيضا بصورة متزايدة، والذين تخرجوا من معهد الدراسات الإعلامية الذي أسسته صحيفة «كيهان» في فترة الستينات في العاصمة طهران. إنهم يعلمون أساليب الصناعة فضلا عن أي مراسل في المجتمعات الحرة ولكنهم غير قادرين على إنتاج نوع العمل الذي يريدون نظرا «للخوف والرقابة».
وتنعكس تلك المشكلة من خلال قصة قصيرة كتبها ولي خليلي، وهو مراسل قسم الجرائم في صحيفة «طهران» اليومية، تدور حول تحقيق أجراه صحافي شاب حول حادثة اختفاء غامضة. وفي عدة مناسبات كان الصحافي الشاب يفكر في «ترك الأمر برمته» نظرا لعلمه أنه إذا وضع قدمه خارج منطقة «الخطوط الحمراء» فسوف يُفصل من عمله بكل سهولة، أو يُقتل، أو ما هو أسوأ، الإجبار على النفي. ومنذ اعتلى الملالي سدة الحكم في 1979. تعرض أكثر من 100 صحافي للإعدام أو القتل، وغيرهم قابعون في غياهب السجون. وفر المئات الآخرون إلى منفاهم. والآن، هناك عشرات الصحافيين في السجون بينما يُمنع الكثير منهم من العمل في مجال الإعلام. ويُطلق عليهم هناك مسمى «الأقلام المحرمة».
مثل أي شخص مغرم بالصحافة، فإن خليلي على استعداد للتخلص من صديقته المتبرمة، وتجاهل والدته المحتضرة، وإهمال رئيسه المتعجرف، والمخاطرة بحياته عن طريق مواجهة الشخصيات الخطيرة فقط لاستكمال تحقيقه الصحافي. كما أنه يتساءل كيف «التعامل مع تلك الرقابة المثيرة للسخط» ناهيك عن الرقابة الذاتية. نصحه صديقه بالتوقف والتخلي عن الأمر. ولكنه يتقابل بعد ذلك مع بولوري، وهو من محرري الجرائم المخضرمين في عصر ما قبل الثورة، والذي حثه على عدم التراجع عن كتابة «القصة الجيدة».
يتذكر بطل رواية خليلي عشرات الزملاء الذين فروا إلى الخارج للعمل في القنوات الإذاعية والتلفزيونية الناطقة باللغة الفارسية في بريطانيا، والولايات المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، والدول العربية لمناهضة الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
لكنه يعرف كذلك أن الكثير من الصحافيين لاقوا حتفهم وألقيت جثثهم على جوانب الطرقات خلال عهد الرئيس رفسنجاني ومحمد خاتمي.
كما أن احتمال النفي يحطم قلبه، فقد كتب يقول: «أريد أن أكون في جوف الوحش، أريد أن أبقى في طهران، أشتم رائحتها، وأشعر بها، وأعرف أوجاعها وآلامها، وأحزان سكانها». إن الصحيفة التي بلا مدينة ما هي إلا ظل للحقيقة والصحافي الذي بلا صحيفة ليس إلا شبحا هائما في الأجواء».
الطريقة الوحيدة لتجنب المخاطر تكمن في الابتعاد عن «القضايا الساخنة»، وخصوصا السياسية منها.
ذلك هو السبب وراء العدد الكبير من الصحف اليومية في طهران والتي تتعاطى مع القضايا الاقتصادية والتجارية والرياضية. ويخرج الصحافيون الإيرانيون بطبعات جيدة حينما يتعلق الأمر بالموضوعات الاقتصادية والرياضية. ويأتي عملهم متسقا مع المعايير العالية عند التعامل مع موضوعات مثل الكوارث البيئية. كما تتمتع الصحافة الإيرانية بنقاد للسينما والمسرح من المختصين والكتاب في الموضوعات الأدبية والثقافية.
ولكن الرقابة تعمل بطرق مختلفة برغم ذلك إحداها الحرمان من مصادر المعلومات الصحافية التي تنبني عليها القصة الإخبارية. وذلك يرجع إلى أن أجهزة الدولة والأجهزة شبه الحكومية تسيطر بالفعل على غالبية مظاهر الحياة الإيرانية كما أنهم يعدون المصادر الرئيسية لأي معلومات. فإذا ما قرروا إبقاء شيء ما خارج نطاق المناقشة العامة فإنهم غالبا ما ينجحون في ذلك.
والمثال على ذلك أنه من المثير للاهتمام عدم مناقشة القضية النووية الإيرانية بطريقة جادة قط، ولا حتى داخل المجلس الإسلامي أو البرلمان المصطنع. وتبرز تلك القضية من واقع أنها الاهتمام الاستراتيجي الأول للحكومة الإيرانية، غير أنه محظور على أي صحافي إيراني التطرق إليها أو معالجتها.
كما تعد إيران من كبار مصدري النفط على مستوى العالم. وبرغم ذلك، لا يعمل أي صحافي إيراني اليوم كمراسل نفطي حكومي تابع للنظام كما كان الحال مع علي أكبر خيرخاه وعلي باستاني في فترات ما قبل اندلاع الثورة الإسلامية.
تستحوذ المؤسسة العسكرية والأمنية على ما يقرب من ثلث الميزانية الوطنية بالبلاد. أيضا، وبرغم ذلك، يُحظر على الصحافة الإيرانية تدريب وتوظيف المراسلين العاملين على مثل تلك القضايا. وحتى مع الإفراج عن المعلومات، يكون من المستحيل التأكد منها نظرا لأن المسؤولين يعرفون جيدا كيف يغلقون أفواههم أو، حيثما أمكن، منح الرشاوى للصحافيين الأقل تدقيقا لاعتماد النسخ الرسمية فقط من المعلومات.
ثم تأتي مشكلة الرقابة اليومية عندما يقوم شخص ما من وزارة الإرشاد الإسلامي والثقافة بالاتصال بمحرري الصحف ليخبرهم «بالخطوط الحمراء» الواجب تجنبها في موضوعات ذلك اليوم.
ونظرا لأن القضايا ذات الأهمية الحقيقية لا يمكن التعامل معها بذات القدر من الجدية، يظل الشعب الإيراني تحت مستوى التغطية الإعلامية، إن جاز التعبير.
والشيء المؤسف في ذلك هو امتلاك إيران لما يكفي من الصحافيين الموهوبين، الذين إذا أتيح لهم قدر من الحرية، يمكنهم الخروج بصحافة ذات مستوى عالمي.
وبقدر الاهتمام بالمهارات الصحافية، على سبيل المثال، يعتبر محمد كوشأني، رئيس تحرير صحيفة «الشرق» اليومية، هو من المحترفين الموهوبين في مجاله. ومع ذلك، فهو غارق في متاهة الخلافات الحزبية، وغالبا ما يُجبر على إعلاء مصالح حزبه فوق تقديم قصة صحافية أو إخبارية جيدة.
وعلى الطرف الآخر من الطيف، نجد حسين شريعتمداري، مدير تحرير صحيفة «كيهان»، وهو من المجادلين المحنكين الذين دائما ما يعكسون وجهات نظر «المرشد الأعلى».
مع ذلك، فإنه، أيضا، غالبا ما يجد نفسه منزلقا على قشرة الموز البلاغية تحت ضغوط واجبه ليتملق «قطعة الجبن الكبيرة». مثالا على ذلك، زعم شريعتمداري في مقالة افتتاحية كتبها مؤخرا أن الرسالة الصادرة عن علي خامنئي إلى «شباب أوروبا»، والتي تجوهلت بشدة، يقول: إنها كان لها «تأثير مزلزل على الغرب».
هناك بعض الساخرين الذين يفرون من دون محاسبة تذكر، ومن بينهم ايدين سيار - ساري وشاهرام شايدي، مع بعض الصحف اليومية القليلة، على غرار صحيفة «ماردوم - سالاري»، التي تتيح مساحة ما للرسوم الكاريكاتيرية اللاذعة. وبرغم ذلك، فإن إيران التي كانت قبل ثورتها تمتلك الكثير من المجلات الساخرة، نادرا ما تسمح بإصدار واحدة اليوم.
إن مقولة «لا تنشر ذلك»، ما هي إلا نمط من أنماط الرقابة المفروضة على الصحافة في إيران. والأسوأ منها هو نمط آخر يبدأ بعبارة «عليك نشر ذلك!».
من واقع تلك الفئة فإن الصحف غالبا ما تستخدم كأوراق للدعاية الآيديولوجية الخمينية، والشعارات المؤيدة لحركة حزب الله العالمية، وغيرها الموجهة للمعاداة الكلاسيكية للولايات المتحدة وللعرب ولإسرائيل، وأحلام اليقظة المستمرة حول عودة الإمام الغائب والتحول النهائي للإنسانية إلى ولاية الفقيه، أو الحكم تحت ملا واحد.
تذكرني الصحف الإيرانية بالعداء الحريص والمستعد جيدا للاستدارة حول محوره في مساحة ضيقة للغاية مثل الحصان معصوب العينين بدلا من مشاركة الآخرين في المجال أو المضمار الذي يمكن أن يبزغوا من خلاله.



شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام الليبرالية تتجه يميناً

إيلون ماسك (رويترز)
إيلون ماسك (رويترز)
TT

شركات التكنولوجيا ووسائل الإعلام الليبرالية تتجه يميناً

إيلون ماسك (رويترز)
إيلون ماسك (رويترز)

استقالت رسامة الكاريكاتير الأميركية -السويدية الأصل- آن تيلنيس، الحائزة على جائزة «بوليتزر»، من عملها في صحيفة «واشنطن بوست» خلال الأسبوع الماضي، بعد رفض قسم الآراء في الصحيفة رسماً كاريكاتيرياً يصوّر مالك الصحيفة، الملياردير جيف بيزوس مع مليارديرات آخرين من عمالقة التكنولوجيا، وهم ينحنون أمام تمثال للرئيس المنتخب دونالد ترمب. وفور إعلان الخبر رأى كثيرون أن الواقعة الجديدة تختصر صورة المرحلة المقبلة في الولايات المتحدة.

مارك زوكربيرغ (آ ب)

إعادة تموضع

خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، بعدما بدا أن ترمب يتجه إلى العودة مجدداً إلى البيت الأبيض، بدأ الكثير من مسؤولي الشركات الكبرى ووسائل الإعلام الأميركية، رحلة «إعادة تموضع» تماشياً مع العهد الثاني لترمب. وهو ما تُرجم بداية بامتناع وسائل إعلام كانت دائماً تُعد رمزاً لليبرالية، مثل: «واشنطن بوست» و«لوس أنجليس تايمز»، عن تأييد أي من المرشحين الرئاسيين، فضلاً عن تغيير غرف التحرير في محطات تلفزيونية عدة، ومراجعة الكثير من سياسات الرقابة والإشراف والمعايير الناظمة لعملها، إلى إعادة النظر في تركيبة مجالس إدارات بعض شركات التكنولوجيا.

وبعيداً عن انحياز الملياردير إيلون ماسك، مالك تطبيق «إكس»، المبكر لترمب، واتجاهه للعب دور كبير في إدارته المقبلة، كانت الاستدارة التي طرأت على باقي المنصات الاجتماعية والإعلامية مفاجئة وأكثر إثارة للجدل.

ان تيلنيس (جائزة بوليتزر)

خضوع سياسي أم تغيير أعمق؟

البعض قال إنه «خضوع» سياسي للرئيس العائد، في حين عدّه آخرون تعبيراً عن تغيير أعمق تشهده سياسات واشنطن، لا يُختصر في ترمب، بل يشمل أيضاً كل الطبقة السياسية في الحزبَيْن الجمهوري والديمقراطي، وحتى المزاج الشعبي الذي أظهرته نتائج الانتخابات.

في بيانها الموجز، قالت تيلنيس التي تعمل في «واشنطن بوست» منذ عام 2008، إن قرار الصحيفة رفض رسمها الكاريكاتيري «مغيّر لقواعد اللعبة» و«خطير على الصحافة الحرة». وكتبت: «طوال ذلك الوقت لم يُمنع رسم كاريكاتيري قط بسبب مَن أو ما اخترت أن أوجّه قلمي إليه حتى الآن». وأدرجت تيلنيس مسوّدة من رسمها الكاريكاتيري في منشور على موقع «سبستاك»، يظهر بيزوس، مؤسس «أمازون» ومالك الصحيفة، مع مؤسس شركة «ميتا» مارك زوكربيرغ، وسام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، وباتريك سون شيونغ مالك صحيفة «لوس أنجليس تايمز»، و«ميكي ماوس» التميمة المؤسسية لشركة «والت ديزني»، ينحنون أمام تمثال ترمب.

وطبعاً كان من الطبيعي أن «يختلف» ديفيد شيبلي، محرّر الآراء في الصحيفة، مع تقييم تيلنيس، وبالفعل قال في بيان إنه يحترم كل ما قدمته للصحيفة، «لكن يجب أن يختلف مع تفسيرها للأحداث»، معتبراً قرار منع نشر رسم الكاريكاتير «تفادياً للتكرار»، بعدما نشرت الصحيفة مقالات عن الموضوع.

... وزوكربيرغ يعود إلى أصوله

بيد أن تزامن منع الكاريكاتير مع الخطوة الكبيرة التي اتخذتها شركة «ميتا» يوم الثلاثاء، عندما أعلن مارك زوكربيرغ أن «فيسبوك» و«إنستغرام» و«ثريدز» ستُنهي عملية التدقيق في الحقائق من قِبل أطراف ثالثة، قرأها العالم السياسي بوصفها نوعاً من الاستسلام؛ إذ قال زوكربيرغ في مقطع فيديو نشره على «فيسبوك» إن «(ميتا) ستتخلّص من مدقّقي الحقائق، وستستعيض عنهم بملاحظات مجتمعية مشابهة لمنصة (إكس)»، وهو ما رآه البعض «تضحية بقيم الشركة على (مذبح) دونالد ترمب وسياسة (حرية التعبير)» للحزب الجمهوري الجديد. بالنسبة إلى المحافظين اليمينيين، الذين يعتقدون أن المشرفين ومدققي الحقائق ليبراليون بشكل شبه موحّد، واثقون بأن النهج الأكثر تساهلاً في تعديل المحتوى سيعكس الواقع بشكل أكثر دقة، من خلال السماح بمجموعة أوسع من وجهات النظر. وعدّ هؤلاء، ومنهم بريندان كار الذي اختاره ترمب لإدارة لجنة الاتصالات الفيدرالية، قرار «ميتا» انتصاراً.

في المقابل، أعرب الليبراليون عن «فزعهم»، وعدّوه «هدية لترمب والمتطرّفين في جميع أنحاء العالم». وقال معلقون ليبراليون إن من شأن خفض معايير التأكد من الحقائق من قِبل أكبر منصة في العالم يُنذر بمجال رقمي أكثر غرقاً بالمعلومات الكاذبة أو المضللة عمداً مما هو عليه اليوم.

ابتعاد عن الليبرالية

هذا، ومع أنه من غير المتوقع أن يؤدي قرار زوكربيرغ بالضرورة إلى تحويل الإنترنت إلى «مستنقع للأكاذيب أو الحقائق»؛ لأن الخوارزميات هي التي تتحكم بما يُنشر في نهاية المطاف. فإن قراره يعكس، في الواقع، ابتعاد شركات التكنولوجيا عن الرؤية الليبرالية لمحاربة «المعلومات المضلّلة». وهذه مسيرة بدأت منذ سنوات، حين تراجعت «ميتا» عام 2019 عن التحقق من صحة الإعلانات من السياسيين، وعام 2023 عن تعديل الادعاءات الكاذبة حول انتخابات 2020.

وحقاً، كان إعلان يوم الثلاثاء هو الأحدث في سلسلة من تراجعات الشركة، واتجاهها نحو اليمين منذ إعادة انتخاب ترمب. ففي الأسبوع الماضي، عيّنت الشركة الجمهوري جويل كابلان رئيساً عالمياً للسياسة، وعيّنت، يوم الاثنين، دانا وايت، حليفة ترمب التي لعبت دوراً رئيساً خلال المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، في مجلس إدارة الشركة. وفي السياق نفسه تضمّن إعلان يوم الثلاثاء نقل فريق الثقة والسلامة في الشركة من ولاية كاليفورنيا «الليبرالية»، إلى ولاية تكساس «الجمهورية»؛ مما يعكس دعوات من قادة التكنولوجيا اليمينيين مثل إيلون ماسك إلى تركيز الصناعة في بيئات «أقل ليبرالية» من «وادي السيليكون».

ترمب ممثلاً للأكثرية

في مطلق الأحوال، مع أن كثيرين من النقاد والخبراء يرون أن هذا التغيير يعكس بالفعل حقيقة ابتعاد شركة «ميتا» وغيرها من شركات ومواقع التواصل الاجتماعي عن الرؤية الليبرالية للحوكمة الرقمية، لكنهم يشيرون إلى أنه ابتعاد مدفوع أيضاً بالقيم الأساسية للصناعة التي جرى تبنيها إلى حد كبير، تحت الإكراه، استجابة للحظات سياسية مشحونة.

ومع تحوّل ترمب تدريجياً من كونه متطفلاً دخيلاً على الحياة السياسية الأميركية، إلى الممثل الأبرز للأكثرية التي باتت تخترق كل الأعراق -وليس فقط البيض- فقد بدا أن هذا النهج الذي يشبه نظام المناعة بات أقل ملاءمة، وربما، بالنسبة إلى شركات مثل «ميتا»، أكثر ضرراً سياسياً وأقل ربحية.