«داعش» يستنسخ هوليوود دعائيًا

ما سر الجودة العالية والاحترافية في تصوير عمليات التنظيم الإرهابية؟

أثارت الجودة العالية لتسجيلات إعدامات «داعش» التساؤلات حول من يقف وراءها
أثارت الجودة العالية لتسجيلات إعدامات «داعش» التساؤلات حول من يقف وراءها
TT

«داعش» يستنسخ هوليوود دعائيًا

أثارت الجودة العالية لتسجيلات إعدامات «داعش» التساؤلات حول من يقف وراءها
أثارت الجودة العالية لتسجيلات إعدامات «داعش» التساؤلات حول من يقف وراءها

لطالما أثارت الجودة العالية لتسجيلات إعدامات تنظيم داعش، التساؤلات حول من يقف وراءها، نظرا لدقتها والتقنيات المستخدمة فيها، ولا يكتمل المشهد الـ«داعشي» من دون ممثليه الأساسيين (الجلاد والضحية)، ومن دون «الجنود المجهولين» الذين يحملون الكاميرا، ويعملون على تجهيز عنصر التشويق بكل تفاصيله، بدءا من تركيز الكاميرا وإعطاء إشارة البداية لتمثيل المشهد، وصولا إلى إضافة عنصر الترقب، عبر وسائل التواصل الاجتماعي. فقد أجرت صحيفة «صنداي تايمز» البريطانية تحقيقا يكشف هوية 5 شبان يقومون بإدارة أفلام قطع الرؤوس في «داعش»، وجميعهم برتغاليو الأصل هاجروا إلى بريطانيا.
يترأس الفريق، حسب الصحيفة، شاب يدعى نيرو ساريفا، وهو أب لأربعة أطفال، عمره 28 عاما، هاجر إلى لندن وعاش هناك لسنوات حتى سافر إلى سوريا ليحارب إلى جانب داعش عام 2012.
وتتابع الصحيفة أن ساريفا سكن مع 5 شبان آخرين شرق لندن، وكانوا، لفترة طويلة، تحت أنظار المخابرات البريطانية، التي تدعي أن لهؤلاء الخمسة دورا أساسيا في أفلام قطع الرؤوس. اعتنق الشبان الخمسة الدين الإسلامي، مع انتقالهم إلى لندن، وهناك أيضا تطرفوا.
أما علاقة ساريفا بتصوير الأفلام، حسب التحقيق الصحافي، فتكاد تكون أكيدة بعد تغريدته على «تويتر» في شهر يوليو (تموز) الماضي، قبل 39 يوما من إعدام الأميركي جيمس فولي؛ حيث كتب في رسالة وجهها للولايات المتحدة، أن التنظيم سيصور فيلما جديدا، وشكر الممثلين فيه.
الشبان الخمسة، وفقا للمصادر البريطانية، من هواة كرة القدم، حتى إن أحدهم، يدعى فابيو بوكاس، وعمره 22 عاما، انتقل من لشبونة إلى لندن عام 2012 رغبة منه في أن يصبح لاعب كرة قدم محترفا. وتقول الصحيفة إنه ترعرع في أكاديمية النادي البرتغالي العريق، سبورتينغ لشبونة. ويعرف فابيو باسم عبد الرحمن الأندلسي، وكتب على حسابه في «فيسبوك» أن ما وصفها بـ«الحرب المقدسة» هي الحل الوحيد للإنسانية.
كما أن هناك شابا آخر يدعى سالسو رودريغز دا كوستا ومن هواة كرة القدم، حيث ذكر تحقيق الصحيفة أنه تقدم لاختبار، في مرحلة ما، ضمن الفريق الإنجليزي «آرسنال» لكن النادي نفى ذلك الخبر.
وتشتبه أجهزة الأمن الغربية في نيرو ساريفا، 28 عاما، وهو أب لأربعة أولاد من شرق لندن، بأنه الذراع اليمنى للمقاتل البريطاني في صفوف «داعش» المعروف بـ«الجهادي جون»، وأنه ترقى داخل تنظيم داعش ليصبح من كبار مقاتليه. ويعمد ساريفا إلى نشر صور عبر مواقع التواصل الاجتماعي تظهر فيها أسلحة نارية شبيهة بتلك التي يستعملها «جون».
ساريفا واحد من 5 شبان من شرق لندن انتقلوا من وطنهم الأم البرتغال إلى العاصمة البريطانية حيث اعتنقوا الإسلام قبل أن يتبنوا آراء متطرفة ويسافروا إلى سوريا للانضمام إلى صفوف التنظيم الإرهابي. وقد نشر ساريفا، وهو أب لأربعة أولاد، الكثير من صور الأسلحة على حسابه على موقع «تويتر»، ومنها مسدس «غلوك 19» مع مخزن (مشط) طويل، مشابه لذاك الذي يحمله «جون».
وقد كان ساريفا، وهو طالب سابق كان يدرس الهندسة، أول شخص في المجموعة يتوجه إلى سوريا في صيف 2012. وكان قد انتقل من البرتغال إلى بريطانيا قبل أكثر من عقد، ويبدو أنه على اطلاع على معلومات متقدمة عن قطع رؤوس الرهائن على أيدي تنظيم داعش. نشأ ساريفا كاثوليكيا قبل أن يعتنق الإسلام في المملكة المتحدة، ويتكل على مبشر مسيحي في لندن للبقاء على اتصال بأحد أولاده الصغار.
وقد تبين الأسبوع الماضي أنه قبل ساعات من نشر ساريفا تغريدته عن جيمس فولي، وجه تحذيرا مشفرا إلى موقع الـ«غارديان» الإلكتروني. فقد سجل نفسه في الموقع مستخدما اسمه الحقيقي، وعلق على مقال عن العراق قائلا: «لقد استنفدت أميركا خياراتها. في كل الأحوال، سنعاقبها، لا تقلقوا».
دفعت هذه التغريدات المسؤولين الاستخباراتيين إلى الاستنتاج بأن ساريفا ونحو 4 متطرفين برتغاليين آخرين من شرق لندن قد يكونون ضالعين في إنتاج وتوزيع أشرطة الفيديو التي يبثها تنظيم «داعش» عن قطع رؤوس الرهائن الغربيين في سوريا. قال مصدر أمني: «يشغل منصبا مهما، إنه يتمتع بالنفوذ داخل التنظيم، وليس مجرد جندي ذهب للقتال والموت في سوريا».
وشكل إعدام الطيار الأردني معاذ الكساسبة امتدادا للسياسة الدعائية للتنظيم منذ سيطرته على مناطق في العراق وسوريا.. سياسة دعائية لم تكن لتستمر لولا حصول «داعش» على إمكانات «هوليوودية» من التصوير بعدة كاميرات فيديو للحدث، واستخدام كومبيوتر غرافيك، مع تقنيات عالية في المونتاج.
مرة أخرى نشر تنظم «داعش» شريط فيديو مروعا يبين طريقة إعدام الطيار الأردني معاذ الكساسبة، فيديو سينمائي تم تصويره من زوايا مختلفة وبطريقة لا تقل احترافية عن تصوير أي فيلم في أحد استوديوهات هوليوود الأميركية، هدفه واضح.. ترويع وتخويف كل من يقف ضد التنظيم، والتأكيد على أن «(داعش) لن يتم القضاء عليه بسهولة».
والفيديو، بحسب خبراء، تم تصويره بطريقة هوليوودية لا يمكن أن تكون إلا نتاجا لعمل احترافي.
والفيديو الذي حمل رسائل تهديدية لكل من يشارك في التحالف الدولي للقضاء على «داعش»، صور إعدام الطيار الأردني بطريقة وحشية؛ حيث تم حرقه حيّا، وهي المرة الأولى التي يلجأ فيها التنظيم إلى هذه الوسيلة بعد أن نشر في فيديوهات سابقة إعدام رهائن عن طريق الذبح أو إطلاق النار. تحول لا يمكن وصفه إلا بأنه توطيد لـ«العلامة التجارية» لتنظيم «داعش» الذي اختار الرعب اسما له.. ليست هي المرة الأولى التي ينشر فيها التنظيم فيديو يصور عملية إعدام وحشي. التنظيم ومنذ نشأته دأب على توثيق جرائمه بالصوت والصورة، ومنذ الفيديو الأول الذي يعود لشهر مايو (أيار) من العام الماضي الذي صور فيه «داعش» سيطرته على مناطق واسعة في العراق، استمر التنظيم بنشر فيديوهاته على منتديات المتطرفين، بشكل دوري.
ولخص تقرير صادر عن الأمم المتحدة حول «داعش» أهداف الفيديوهات هذه في سببين رئيسيين؛ الأول هو تخويف السكان المدنيين في المناطق الخاضعة للتنظيم، والثاني دعائي محض لاستقطاب المقاتلين الأجانب وجلب مزيد من الدعم لخزائن «داعش».
و«داعش» يستخدم الفيديوهات وسيلة لإعلان خططه المقبلة، بحسب تقرير لقناة «روسيا للأخبار».
التقرير أكد أن «داعش» يرغم المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ على مشاهدة عمليات الإعدام في معظم الأحيان، كما يرغم أهالي المعارضين له على مشاهدة عمليات إعدام ذويهم في المناطق التي يسيطر عليها.
ولعل إصرار التنظيم على تصوير جميع عمليات إعدامه لرهائن أجانب نابع من رغبة «داعش» في تقديم نفسه على أنه المحارب الأول للإمبريالية العالمية، حسب تقرير الأمم المتحدة.
ويظهر فيلم سابق لـ«داعش» عملية إعدام 22 جنديا من الجيش السوري اعتقلهم التنظيم في محافظة الرقة. وقدر خبراء أميركيون تكلفة تصوير هذا الفيلم البالغة مدته 16 دقيقة، بـ200 ألف دولار، بالنظر للمعدات الاحترافية وطريقة الإخراج التي اعتمدها التنظيم.
كما أكد الخبراء أن التصوير تم في مواقع مختلفة، وليس في موقع واحد، مشيرين إلى أن تصوير فيلم من هذا النوع يتطلب فريق عمل محترفا وملما بمهن السينما والتواصل.
الفيديوهات ليست فقط إلا وسيلة من بين وسائل إعلامية وتسويقية أخرى لجأ إليها «داعش» منذ نشأته، الصيف الماضي. وفي خطوة مفاجئة، نشر التنظيم كتابا من 400 صفحة على المنتديات المتطرفة يضم جميع العمليات التي قام بها التنظيم في العراق وسوريا. أكثر من ذلك، الكتاب يقدم الحصيلة المالية للتنظيم، كما يضم رسوما توضيحية حول مسار الأموال، والكيفية التي سيتم توظيفها مستقبلا، كما يقدم حسابات التنظيم، كأي شركة تجارية عادية.
ولتسهيل عملية نشر الأفكار المتطرفة، يستخدم «داعش» بشكل مثير للدهشة مواقع «تويتر» و«فيسبوك»؛ حيث يخوض حربا رقمية فعلية مع إدارة الموقعين اللذين يمتنعان عن نشر نصوص تدعو للعنف.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.