في وقت مضى، سُميت هواية جمع الطوابع البريدية بـ«هواية الملوك» أو «ملكة الهوايات»، وبتأمل الطوابع تفوح رائحة الزمن وتتجمد اللحظة على حكايات مضت تزيد قيمتها يوما تلو آخر، لكن يبدو أن ملكة الهوايات قد تنازلت عن عرشها أخيرا، حيث تقف حاليا في صراع شرس مع النسيان، مهددة بالاندثار، على ضوء التطور التكنولوجي الذي عصف بها بعد أن تخلى الناس عن البريد التقليدي وتحولوا إلى وسائل الاتصال الحديثة عبر الإنترنت والهاتف. لكن التسارع التقني لم يلغ التاريخ العريق الذي ما زالت تحتفظ به هواية جمع الطوابع، التي انخرط فيها عدد من الملوك والرؤساء، منهم الملك فاروق ملك مصر السابق، والملك جورج الخامس ملك بريطانيا، والملكة إليزابيث الثانية ملكة بريطانيا حاليا، والرئيس روزفلت الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأميركية الذي قال: «إنها هواية تخلق المواطن الصالح».
واليوم يأتي السؤال، هل ستبقى هواية جمع الطوابع صامدة وموجودة أم ستتحول إلى مجرد إرث كلاسيكي لفن مارسه وجهاء المجتمع في حقبة تاريخية ماضية؟، هذا السؤال يجيب عنه المهندس أسامة الكردي، وهو رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية لهواة الطوابع والعملات، قائلا: «البعض يعتقد أن انتشار وسائل التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني أثر سلبا على هواية جمع الطوابع، والواقع أن الطوابع الحديثة (التي صدرت خلال العقود القليلة الماضية) أساسا لم تكن جزءا رئيسيا من هذه الهواية».
انخفاض استعمال الطوابع في السنوات الماضية لم يؤثر على الهواية باعتبار أن الاتحاد الدولي للطوابع لم يكن يخصص في مؤتمراته ومسابقاته ومعارضه تصنيفا محددا للطوابع الحديثة، ولكن أخيرا صدر تصنيف جديد للمسابقات والمعارض والمؤتمرات يسمى تصنيف الطوابع الحديثة وهذا التصنيف يقف عند عام 1950: «وهذا يدلل أن انخفاض استخدام الطوابع في البريد ليس له تأثير على الهواية في الوقت الحاضر، لكن قد يكون له تأثير على المدى الطويل»، قال الكردي.
واعتبر الكردي في حواره لـ«الشرق الأوسط» أن هواية جمع الطوابع «تعيش في أزهى أوقاتها على المستوى العالمي»، قائلا: «سبب ازدهارها هو قيام عدد كبير من التجمعات من هواة الطوابع على مستوى دول العالم». كثير من الدول التي لم يكن لديها جمعيات للهواة أصبح فيها الآن جمعيات، وبعضها لديه أكثر من جمعية، وكذلك ارتفع نشاط الاتحادات الدولية، فهناك اتحاد آسيوي واتحاد أفريقي واتحاد أوروبي وغيرها.. هذه الاتحادات أصبح انتشارها على مدى واسع.
وكشف الكردي عن مشروع جديد للجمعية السعودية لهواة الطوابع والعملات بهذا الشأن، قائلا: «نحن في الجمعية نعمل على إنشاء اتحاد خليجي لهواة الطوابع يشمل الجمعيات المختصة في منطقة الخليج العربي، كما أننا نعمل مع بعض الدول العربية لإنشاء تجمع عربي لهذه الهواية»، ويضيف «خلافا للتوقعات، فإن هواية جمع الطوابع يراها البعض في طريقها للاندثار، ولكن الواقع يثبت عكس ذلك».
ويستشهد الكردي في رأيه بالتجربة السعودية لهواة جمع الطوابع، قائلا: «لم يكن للجمعية السعودية لهواة الطوابع نشاطات كبيرة سواء محليا أو خارجيا، لكن خلال السنوات القليلة الماضية عملت الجمعية على التواصل مع الهواة في كل مكان وتنشيط أعمالها محليا ودوليا». الجمعية لها حاليا 7 أفرع في السعودية وتعتزم افتتاح فرعين آخرين، ولديها الآن 3000 عضو.
وتكمن القيمة الثقافية لهواية جمع الطوابع في عدة نواح، أولها التعريف بتاريخ الدولة المُصدرة للطوابع، وهذا بالنسبة لنا أمر مهم جدا، فالطوابع تظهر واقع تطور البلاد، وجميع الأحداث المهمة منذ تاريخ تأسيس السعودية موثقة في الطوابع، على سبيل المثال تعيين أول ولي عهد للمملكة، واتفاقية إنشاء جامعة الدول العربية في القاهرة، أو زيارات ملوك السعودية للدول الأخرى، بالإضافة إلى المشروعات المهمة الرئيسية التي مرت بها البلاد.
جمع الطوابع وسيلة كذلك للثقافة والتعلم لدى الهاوي، لأنه عندما يجمع طوابع البلاد فإن ذلك يثري لديه المعرفة التاريخية والحديثة بالدول الأخرى وأبرز الأحداث العالمية، وجمع الطوابع له قيمة تتمثل في الادخار والاستثمار.
وعودة للجذور التاريخية لهذه الهواية، يفيد الموقع الإلكتروني للجمعية السعودية لهواة الطوابع والعملات، أن هواية جمع الطوابع البريدية انطلقت في أول إصدار بريدي الذي طرح للتداول في اليوم السادس من شهر مايو (أيار) لعام 1840 في بريطانيا.
وما كادت تمضي سنوات قليلة إلا وظهرت بعض الإعلانات لطلب طوابع بريدية مستعملة وبالتحديد في عام 1841، وانتشرت الهواية بشكل كبير وبسرعة تبعا لزيادة الدول التي صدرت طوابع بريدية، حتى إنه قبل حلول عام 1861 ظهر أول دليل للطوابع البريدية في العالم في باريس، وهو من إعداد الفريد بوتيكيه، وقد احتوى هذا الدليل على 1080 طابعا، و132 مغلفا مختوما.
وفي عام 1862 ظهرت الطبعة الثانية من هذا الدليل مصنفا بها 1293 طابعا، كما ظهرت أدلة أخـرى منافسة في كل من بروكسل وإنجلترا والولايات المتحدة الأميركية، وألمانيا بل وفي باريس نفسها، ثم ظهرت بعد ذلك الجرائد والمجلات الكثيرة في أنحاء العالم كافة التي تتحدث عن عالم طوابع البريد.
ويقدر عدد الهواة الآن في بريطانيا بأكثر من مليون هاو وأما في الولايات المتحدة فيقدر عدد الهواة بأكثر من 3 ملايين هاو لجمع الطوابع والمنتجات البريدية الأخرى مثل التاريخ البريدي ومغلفات اليوم الأول للإصدار وغيرها، ولا تقتصر هواية جمع الطوابع البريدية على فئة معينة من الشعب، بل يشارك في هذه الهواية فئات من مختلف الطبقات والمهن.
جمع الطوابع.. هواية تصارع النسيان
رئيس الجمعية السعودية لـ«الشرق الأوسط»: نعتزم تأسيس تكتل خليجي للهواة
جمع الطوابع.. هواية تصارع النسيان
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة