تمكن الحوثيين يفوق إمكاناتهم

«أنصار الله» يعتمدون على أتباع صالح والقوى الصامتة

تمكن الحوثيين يفوق إمكاناتهم
TT

تمكن الحوثيين يفوق إمكاناتهم

تمكن الحوثيين يفوق إمكاناتهم

عندما اجتاح الحوثيون محافظة عمران، بشمال العاصمة صنعاء، كانوا يمتلكون عددا قليلا من الآليات العسكرية الثقيلة وعددا محدودا من المسلحين، لكن ما وصف بـ«الخيانة» في صفوف بعض الألوية العسكرية، سهل مهمة المسلحين الحوثيين في السيطرة على المحافظة ومعسكراتها والاستيلاء على معداتها العسكرية، وبالتالي تزايد أعداد المسلحين المنتسبين للجماعة، وهم من رجال القبائل الموالين أو من ضباط وأفراد الجيش الذين يدينون بالولاء للرئيس السابق علي عبد الله صالح، الذي اتضح، مؤخرا، أنه على علاقة تنسيق كبيرة وواسعة مع الحوثيين في تحركاتهم نحو «ابتلاع» اليمن والسيطرة على الحكم، كما يوصف البعض الوضع الراهن في اليمن، وقبل أن يجتاح الحوثيون صنعاء (العاصمة)، فتحوا جبهات صغيرة ومحدودة حول العاصمة، في مديريات بمحافظة صنعاء وفي ضواحي العاصمة مثل أرحب وبني حشيش وهمدان، وبني مطر والحيمتين، الداخلية والخارجية، وطوقوا المدينة بمعارك شتتت انتباه قادة الجيش الموالين للنظام الحاكم.
ويقول ضابط كبير في القوات المسلحة اليمنية (متقاعد) إنه عندما اجتاحت ميليشيات الحوثيين العاصمة صنعاء في الـ21 من سبتمبر (أيلول) المنصرم: «كانوا يمتلكون من الآليات العسكرية التي استولوا عليها من معسكرات في عمران ومحافظة صنعاء، التي تمكنهم من خوض معارك عسكرية ضارية، رغم أنهم كانوا على يقين بأنهم سيلاقون الدعم العسكري والمادي واللوجستي للسيطرة على العاصمة بأقل الخسائر»، ويردف أنهم «اليوم باتوا يمتلكون ترسانة أسلحة لم يكونوا يحلمون بها، ويهددون بها المناطق الأخرى»، ويرى الضابط المتقاعد أن «تجارب الانقلابات العسكرية والسيطرة بالقوة في عدد من البلدان، تفضي إلى فرض اشتراطات من يمتلك القوة»، وأن «هذه القوة في اليمن هي الآن بيدهم وبيد حليفهم أو العكس أي أن يكونوا هم حلفاءه، وهو الرئيس السابق صالح»، ويحذر الضابط اليمني من «التماهي مع هذه الجماعة ومن وراءها والرد عليها بنفس الطريقة والأسلوب الذي تجيده وهو القوة، لأن ذلك سيدخل البلاد في حرب أهلية ضروس، خاصة مع شعب مسلح، وهذا ما يريدونه، لكن الضغوط السياسية سوف تضعهم في خانة تفضحهم أمام الشارع اليمني والمجتمع الدولي، وبالتالي فإن الضغط الشعبي هو الحل الوحيد».
ويقلل الكثير من المراقبين في الساحة اليمنية من الطروحات التي تصور الحوثيين على أنهم قوة كبيرة وأنهم باتوا القوة الأكبر المسيطرة على الأوضاع في البلاد، ويؤكد المراقبون أن القوى التي تدين بالولاء لجماعة الحوثي «محدودة وتنحصر في بعض أسر السادة (الهاشميين) وبعض أتباع المذهب الزيدي في صنعاء وما حولها»، ويشير محللون سياسيون لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «تواجد الحوثيين في مناطق بمحافظات (شافعية) يرجع إلى عاملين رئيسيين، الأول هو الموالون للرئيس السابق علي عبد الله صالح، والذين فقدوا مصالحهم بعد الثورة التي أطاحت بنظامه في 2011. وهذه القوى سياسية ومدنية وعسكرية وعشائرية قبلية، كانت مستفيدة من النظام السابق، أما العامل الثاني، فهو حصول الحوثيين على الكثير من رجال القبائل الذين يقدمون الخدمات للأطراف التي تدفع ويمكنهم التلون بألوان الطيف السبعة، مذهبيا وسياسيا وطائفيا ومناطقيا».
ويقول المراقبون إنه وإلى جانب ذلك، استفاد الحوثيون «من فئات اجتماعية بسيطة يؤثر فيها الخطاب الديني والإعلام الحكومي الذي جبلوا عليه لعقود خلت»، غير أن المراقبين والمحللين يشيرون إلى وجود «قوى كثيرة صامتة في المجتمع اليمني تنظر إلى تطورات الأحداث عن كثب»، ويعتبرون أن «هذه القوى الصامتة سلاح ذو حدين، فصمتها قد يفهم منه مناصرة لتوسع الحوثيين»، غير أن القوى الحديثة والمتمثلة في فئة الشباب هي القوة المقارعة، في الوقت الراهن، لهذه الجماعات التي يصفها شادي خصروف، رئيس حركة «رفض» الشبابية الشعبية في العاصمة صنعاء، والمناوئة للحوثيين، بأنها «عصابات ميلشوية وطائفية ومناطقية»، ويؤكد خصروف لـ«الشرق الأوسط» أن الحركة ومعها «الشرفاء من أبناء الوطن لن يقفوا صامتين إزاء تحركات الحوثيين وهيمنتهم وسيطرتهم على الدولة وتحويلها الكيان المؤسسي للدولة إلى كيان هلامي»، ويحذر خصروف الأحزاب السياسية في الساحة اليمنية من «التفاوض مع الحوثيين، هذه العصابات الطائفية»، حسب تعبيره، ويدعو، بالأخص أحزاب (اللقاء المشترك)، إلى أن «لا تعطي الشرعية للحوثيين في البقاء وفرض الأمر الواقع».
ويقول رئيس حركة «رفض» إن «التاريخ المعاصر في اليمن يقول بأن ما ينتظره الحوثيون لن يحدث وإنما عكسه تماما»، ويستدل على ذلك بالحديث عن «القبضة الأمنية التي يمارسونها حاليا»، ويقارنها بما كان يقوم به نظام الرئيس السابق، من خلال «القمع للاحتجاجات والمظاهرات السلمية المنددة باختطاف الدولة واستخدام (البلطجية) والاستيلاء على الساحات التي ستقام فيها الفعاليات السلمية قبل قيامها»، ولا يجد خصروف فارقا بين تصرفات الحوثيين وصالح، ويؤكد على أنهم «سوف يكونون الخاسرين، كما خسر صالح ومن معه».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.