الحكومة اللبنانية تتماسك أمام «لغم» شبعا.. و«حزب الله» يؤكد أنه غير معني بالتصعيد

رئيس لجنة الأمن القومي والسياسات الخارجية في إيران من بيروت: نؤدي أدوارا استشارية في المنطقة

جنود إسرائيليون على جدار في الطرف الإسرائيلي من الحدود مع لبنان حيث بدأت الأمور تعود إلى وضعها الطبيعي (رويترز)
جنود إسرائيليون على جدار في الطرف الإسرائيلي من الحدود مع لبنان حيث بدأت الأمور تعود إلى وضعها الطبيعي (رويترز)
TT

الحكومة اللبنانية تتماسك أمام «لغم» شبعا.. و«حزب الله» يؤكد أنه غير معني بالتصعيد

جنود إسرائيليون على جدار في الطرف الإسرائيلي من الحدود مع لبنان حيث بدأت الأمور تعود إلى وضعها الطبيعي (رويترز)
جنود إسرائيليون على جدار في الطرف الإسرائيلي من الحدود مع لبنان حيث بدأت الأمور تعود إلى وضعها الطبيعي (رويترز)

يبدو أن الطرفين اللبناني والإسرائيلي نجحا حتى الساعة في استيعاب تداعيات العملية التي نفذها «حزب الله» في مزارع شبعا المحتلة وأدّت لمقتل جنديين إسرائيليين. ففيما قال وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعالون إن «حزب الله» بعث برسالة لإسرائيل عبر قوة الأمم المتحدة في لبنان (اليونيفيل) تقول بأن الحزب غير معني بالتصعيد، تجنبت الحكومة اللبنانية الخوض في نقاش يهدد بتفجيرها حول الجهة التي تمتلك قرار الحرب والسلم في لبنان، مؤكدة الالتزام بالقرار الدولي 1701 الذي وضع حدا لحرب يوليو (تموز) 2006.
وعاد الهدوء إلى طول الحدود بين إسرائيل ولبنان بعد هجوم نفذه «حزب الله» يوم أول من أمس الأربعاء، مستهدفا دورية إسرائيلية في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة، أدّى إلى مقتل إسرائيليين، أحدهما ضابط يقود سرية من لواء «عفعاتي». ورصدت وكالة الصحافة الفرنسية حالة تأهب في صفوف الجيش الإسرائيلي في المنطقة الحدودية، بينما أعيد فتح المدارس ومنتجع جبل الشيخ للتزلج بعد إغلاقه. ومن جهة لبنان، تمادى الطيران الإسرائيلي في خرق الأجواء اللبنانية خاصة في مناطق الجنوب.
وقال يعالون للإذاعة العامة الإسرائيلية إن «حزب الله» بعث برسالة لإسرائيل عبر قوة الأمم المتحدة في لبنان (اليونيفيل) تقول إن الحزب غير معني بالتصعيد، وتابع «من وجهة نظرهم فإن الحادث انتهى». ولم يصدر أي تعليق من «حزب الله» على تصريحات يعالون باعتبار أنه ستكون هناك إطلالة وحديث مطوّل لأمين عام «حزب الله» حسن نصر الله اليوم في احتفال جماهيري في معقل «حزب الله» في الضاحية الجنوبية لبيروت «تكريما للشهداء الذين سقطوا في القنيطرة».
ونجح مجلس الوزراء اللبناني في جلسته يوم أمس في القفز فوق لغم جديد يهدد بتفجيره، فتفادى وزراء قوى 14 آذار الدخول في نقاش مع وزيري «حزب الله» بشأن عملية شبعا التي لم يعد فيها الحزب إلى الحكومة أو الأجهزة الأمنية المختصة قبل تنفيذها، مما يعيد طرح تساؤل كبير حول الجهة اللبنانية التي تمتلك قرار الحرب والسلم.
وقال وزير الإعلام رمزي جريج، في مؤتمر صحافي بعد انتهاء الجلسة الحكومية، إن «بعض الوزراء عرضوا مواقفهم من عملية شبعا في إطار نقاش هادئ حرصا على البلاد، وبعد استعراض المواقف نددت الحكومة بالاعتداءات الإسرائيلية، ودعت الأمم المتحدة إلى تحمل مسؤولياتها».
وأكد المجلس الوزاري «حرصه على استتباب الأمن والاستقرار في الجنوب، وضرورة تفويت فرصة إسرائيل لجرّ لبنان إلى حرب»، مشددا على «موقف لبنان الملتزم بالقرار 1701 بكل مندرجاته، وتمسكه بدور اليونيفيل»، مقدما «التعازي إلى القيادة ومملكة إسبانيا في الجندي الذي قتل نتيجة القصف الإسرائيلي». وشدد جريج على «أهمية رص الصف الداخلي والابتعاد عما يسبب الفرقة، والتصدي للعدوان يتم بوحدة اللبنانيين».
وأشار وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس إلى أن كل الوزراء حاولوا خلال الجلسة الأخيرة تلافي احتدام الخلاف، لافتا إلى أن الكلام الأساسي كان لرئيس الحكومة الذي أكّد التزام لبنان بالقرار 1701 وبضرورة النأي بالبلاد عن أن تكون ساحة حرب. وأوضح درباس في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن سلام شدد على أن العملية التي نفذها «حزب الله» تمت في أرض محتلة، معتبرا أنه سبب كاف لضبط النفس، وقال «لقد أبلغنا رئيس الحكومة بأنه تباحث في الموضوع مع جهات دولية وعربية وداخلية لمنع توسيع نطاق الحادث». وأشار درباس إلى أن وزيري «حزب الله» قالا إنهما يتبنيان المواقف التي أطلقها سلام ولم يصدر عنهما أي تبرير. وشدّد درباس على وجوب تجنب جر لبنان إلى حقل الرماية السوري، وفي الوقت نفسه عدم التعويل على حسن النوايا الإسرائيلية.
وقال وزير شارك في الجلسة، لـ«الشرق الأوسط»، إن ممثل حزب الكتائب وزير العمل سجعان قزي كان وحده من خرق الصمت حول العملية من الوزراء، قائلا إنه ما كان يجب الرد من لبنان، ولا يجب إدخاله في لعبة المحاور، ومشددا على أن لبنان لا يمكن أن يذهب إلى حرب من دون إرادة أبنائه، لكن وزيري الحزب التزما الصمت ولم يردا عليه، فلم يستجلب التعليق أي أخذ ورد، خصوصا أنه أدلى بموقفه هذا بهدوء ومن دون انفعال أو اتهام.
وقال قزي لوكالة الصحافة الفرنسية إن الحكومة اللبنانية «تلقت تطمينات من دول كبرى بأن إسرائيل لن تصعد الوضع العسكري في الجنوب وستكتفي على الأقل حاليا بالرد الذي حصل». لكنه أكد أنها «ليست ضمانات بالنسبة لنا، لأنه لا يمكن الركون إلى الوعود الإسرائيلية ولا حتى إلى وعود الدول الكبرى».
ومن جهته، قال مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق ياكوف أميدرور، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «مخاطر التصعيد ضعيفة إن لم تكن شبه معدومة». وبحسب أميدرور فإن «الطرفين غير معنيين بعملية كبيرة»، موضحا أنه من «الأكثر إلحاحا» لـ«حزب الله» مواصلة القتال في سوريا بجانب جيش الرئيس بشار الأسد من أجل الحفاظ على «قاعدة خلفية» في سوريا. وأضاف «كل ما يأتي من إيران يمر عبر سوريا» بما في ذلك الصواريخ التي استخدمت في هجوم الأربعاء.
في هذا الوقت، وصل رئيس لجنة الأمن القومي والسياسات الخارجية في إيران علاء الدين بروجردي إلى بيروت مترئسا وفدا إيرانيا سيشارك في «احتفالات تكريم شهداء القنيطرة»، الذين قضوا في هجوم إسرائيلي استهدف إحدى مجموعات «حزب الله» الأسبوع الماضي في القنيطرة السورية. وقال بروجردي في مؤتمر صحافي من مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، إن إيران قد «آلت على نفسها الوقوف دائما إلى جانب خط المقاومة، وهي تولي أهمية كبيرة لحفظ الأمن والهدوء والاستقرار والسيادة في الجمهورية اللبنانية الشقيقة، ولاستتباب الأمن والهدوء في ربوع المنطقة بشكل عام». وأشار إلى أن «العدوان الأخير على منطقة القنيطرة يدل على أن الكيان الصهيوني لا يقف عند خط أحمر في إجرامه واعتداءاته»، لافتا إلى أن «إيران شعرت بالأسف والحزن تجاه سقوط هؤلاء الشهداء». وذكر أن «الشهيد الإيراني العميد دادي قد قضى في سبيل الله»، مشيرا إلى أن إيران «تؤدي أدوارا استشارية في المنطقة من خلال حضور هؤلاء الشهداء، لأن إيران تنتمي إلى مدرسة تجل وتكرم الشهادة».
وقالت الممثلة الشخصية للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ إن المعنيين في الأمم المتحدة يتواصلون مع جميع الأطراف لـ«تهدئة الوضع ولتأكيد أهمية الاستقرار والأمن وترسيخ الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في لبنان». وأضافت كاغ خلال زيارتها النائب بهية الحريري «هناك عدد من التحديات التي تواجه لبنان وتهدد استقراره والتي يجب معالجتها، والأزمة الإقليمية لا ينبغي أن تؤثر أكثر على لبنان».
ومع هدوء الجبهات، ارتفعت أصوات قوى 14 آذار المستنكرة لإمساك «حزب الله» بقرار الحرب والسلم، وهو ما عبّرت عنه الأمانة العامة لهذه القوى في اجتماع استثنائي عقدته يوم أمس، مشددة على أن «لبنان لا يحكم عبر موازين قوى تفرضها دوائر القرار الإقليمية والسلاح غير الشرعي، إنما يحكم بالقانون والدستور والمؤسسات الشرعية وعكس ذلك لن يكون لبنان».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.