* American Sniper
* من المحرج كما من الصعب تبرير الإعجاب بفيلم يقف على خط النقيض منك. تؤمن بالسلام ويواجهك بتمجيد الحرب. لا ترى فائدة في العنف لكنه يبرره لك. تناوئ وجهة نظره لكنه يتشبّث بها. لكن في النهاية الغلبة، والتقييم المهني الصحيح، لا يُبنى على رأي الفيلم بل على فنّه. وفيلم كلينت إيستوود الجديد «قناص أميركي» يكاد يخلو من أي شائبة فنية. في سن الـ84 لا يزال إيستوود قادرا على وضع غالبية مخرجي أميركا في جيب درايته وخبرته الصغير. يختار سردا متواليا. لا وجود للقطة واحدة تزيد أو تنقص. لا هفوة في المونتاج (ما زال يسند المهمّة إلى مونتيره الدائم جووَل كوكس) ولا ارتجال في التصوير (توم ستيرن، الذي هو بدوره دائم العمل مع إيستوود) والكثير من البذل البدني منه ومن فريقه خلال التصوير.
فيلم كلينت إيستوود الجديد احتفائي على طول الخط. لا ينفع تخفيف ذلك. تتمنى لو لم يكن. ترغب منه تحقيق فيلم يجاور منظورك للأمور، أو يتمتع - على الأقل - بمفهوم أكثر اتساعا واحتواء لكن هذا لا يحدث. بمرجوعه السياسي، أنجز المخرج اليميني فيلمه رقم 34 عن مذكرات مجنّد مقتبسا كتابه الذي ألّفه كريس كايل بعنوان «قنّاص أميركي». لكنه فيلم جيّد ولا ينفع تخفيف ذلك أيضا. كلمة جيّد هنا تشمل كل شيء وخصوصا الكيفية التي يسرد فيها المخرج حكايته بسهولة من يشرب كأس ماء. سهولة غير مائعة ولا بسيطة أو مبسّطة ولا متكلّفة بل ناتجة عن ثقة ونضج وقدرة على أن لا يخرج شيء من العمل نافرا عن باقي الأشياء. كل حقول الفيلم متداخلة من دون اكتظاظ كطرقات صباح يوم جمعة أو أحد.
يبدأ الفيلم بالبندقية: كريس (برادلي كوبر) فوق سطح مبنى، ربما في مدينة الرمادي، يصوّب بندقية القنص إلى رجل يظهر ويختفي على الشرفة المقابلة، ثم إلى امرأة عراقية مع ولد صغير. تخفي شيئا ما يقول لقيادته، ثم يتضح هذا الشيء.. إنه قنبلة تعطيها للولد لكي يلقيها على الجنود الأميركيين. يؤمر بإطلاق النار. ينتهي المشهد. لن نعرف أن المشهد سيعود بعد أكثر من ساعة. هذه المرّة نراه يطلق النار على الصبي ويرديه ثم على الأم التي هرعت فأخذت القنبلة من يد ابنها لكي ترميها.
كريس، الذي قتل نحو 160 عراقيا، هو يميني متشبّع بما تمّ تهيئته من مشاعر وضغائن وبخلفيّته المتوارثة. وهو يبرر أكثر من مرة: «إذا لم نحاربهم وصلوا إلى بلادنا»، «لو لم أقتلها (المرأة) لقتلت هي جنودنا»، «أنا هنا لأدافع عنكم» - يقولها لرفاق السلاح.
في مكان ما، ليس بعيدا عن النهاية، لم يعد كريس محتاجا لأن يُتابع محطة تلفزيونية تبث أخبارا أو يعرض شريط الفيديو لكي يعيش في الحرب. نراه جالسا ينظر إلى شاشة التلفزيون السوداء وهو مغلق لكنه يسمع، ونسمع معه، كل تلك المعارك الطاحنة التي خاضها تعرض في باله. النقطة الأعلى في قياس المخرج لمراحل التطرّف. لقد عاد كريس من رحى معارك العراق جسدا لا بالا أو عقلا أو روحا. زوجته (سيرينا ميلر) تقول له ذلك وهو يعلم أنه لم يعد يستطيع التوقف. إنه مؤمن أشد الإيمان بأن ما قام به هو خدمة لـ«أعظم دول العالم» ضد «المتوحشين» وحين يتحدث إلى أحد رفاقه قائلا: «يوجد شر هنا علينا اقتلاعه» يرد عليه رفيقه ساخرا: «هناك شر في أميركا أيضا»، لكن كريس لا يستطيع الجواب علن ذلك. إيستوود يترك بطله فريسة العنف ذاته الذي آمن به. لا إشفاق هنا ولا لوم أيضا، بل مجرد حكاية صعود وهبوط ملتزم.
شاشة الناقد

برادلي كوبر (اليسار) في «قناص أميركي»
شاشة الناقد

برادلي كوبر (اليسار) في «قناص أميركي»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة