المحكمة العليا الأميركية تلغي حظر إطالة اللحى في السجون وتعده انتهاكا لحقوق المسلمين

القضاة رفضوا فكرة تعرض الأمن للخطر.. ومسؤولو السجون أشاروا إلى أن لديهم أسبابا أخرى مقنعة

السجين غريغوري هولت (نيويورك تايمز)
السجين غريغوري هولت (نيويورك تايمز)
TT

المحكمة العليا الأميركية تلغي حظر إطالة اللحى في السجون وتعده انتهاكا لحقوق المسلمين

السجين غريغوري هولت (نيويورك تايمز)
السجين غريغوري هولت (نيويورك تايمز)

قضت المحكمة العليا الأميركية أمس بالإجماع بأن مسؤولي السجن في أركنسو انتهكوا حقوق الحرية الدينية للسجناء المسلمين وذلك بمنعهم من إطالة لحاهم.
وتتعلق القضية بغريغوري هولت الذي يقضي حكما بالسجن مدى الحياة بتهمة السرقة والاعتداء المنزلي. سعى هولت، المعروف أيضا باسم عبد المالك محمد، بعد أن شهر إسلامه، إلى إطالة لحيته بمقدار نصف بوصة (1.3 سم). وذكر هولت في دعواه أن أكثر من 40 ولاية وحكومة فيدرالية تسمح للسجناء بإطالة لحاهم إلى الحد المذكور. وأغلبها يسمح بإطالتها لأطول من ذلك. وذكر أن الاستثناءات من هذا هي ولايات ألاباما وأركنسو وفلوريدا وجورجيا وساوث كارولينا وتكساس وفرجينيا.
في ولاية أركنسو تقضي لوائح السجون بإطلاق شوارب تكون «مهذبة على نحو أنيق»، مع إعفاء اللحى بمقدار ربع بوصة بالنسبة للسجناء الذين يعانون من مشكلات جلدية، ولكنها تحظر إطالة اللحى في الحالات الأخرى. كانت الدائرة الثامنة بمحكمة الاستئناف الأميركية، في سانت لويس، قد قضت بأن المخاوف الأمنية بالولاية كافية لمنع هولت من إطالة لحيته، فرفع هولت التماسا خطيا يطلب فيه من القضاة النظر في قضيته، لافتا إلى أن محاكم أخرى أسقطت سياسات حظر إطلاق اللحى في السجون.
عند البت في القضية، طبق القضاة نفس الاختبار القانوني الذي طبقوه في شهر يونيو (حزيران) في قضية هوبي لوبي، التي سمحت فيها لبعض الشركات الملتزمة بمعتقدات دينية برفض دفع ثمن تغطية وسائل منع الحمل للعاملات الإناث لديها. ينظر الاختبار، المبين في القوانين الفيدرالية، في البداية فيما إذا كانت اللائحة الحكومية المطعون فيها تضع عبئا كبيرا على الشعائر الدينية. وإذا كان الأمر كذلك فإن الاختبار يلزم الحكومة بتوضيح السبب المقنع الموجود لديها لفرض اللائحة، وأنه لا توجد أي وسيلة أفضل لتحقيق ذلك.
كتب القاضي صمويل أليتو، وهو الذي كتب رأي الأغلبية في قضية هوبي لوبي، رأي المحكمة في القضية التي نظرت أول من أمس الثلاثاء، هولت ضد هوبي، رقم 13 - 6827. وقال إن هولت «نفذ بسهولة» الشرط الذي يلزمه بتوضيح أن الحظر المفروض على اللحى يعتبر عبئا على ممارساته لشعائره الدينية. وقال القاضي أليتو إن قاضي المحاكمة أخطأ في قوله إنه يكفي تزويد هولت بسجادة صلاة، والقدرة على التواصل مع مرشد ديني والوجبات المناسبة وما شابه ذلك.
ومع ذلك، قال مسؤولو السجن إن لديهم أسبابا مقنعة لقيامهم بفرض الحظر على إعفاء اللحى، وأهمها مكافحة الممنوعات. فذكر أحد المسؤولين أنه حتى اللحى القصيرة يمكن أن تخفي «أي شيء بدءا من شفرات الحلاقة وحتى المخدرات والسهام محلية الصنع». وقال آخر إنه يمكن كذلك من إخفاء بطاقات الاتصال الخاصة بأجهزة الهواتف الجوالة في اللحى.
ورد القاضي أليتو بأن فكرة تعرض الأمن «للخطر بشكل جدي بالسماح لسجين بإعفاء لحيته بطول نصف بوصة من الصعب أخذها على محمل الجد»، فكتب القاضي في الحكم: «ينبغي أن يكون أي بند من بنود الممنوعات صغيرا للغاية ليتم إخفاؤه في لحية طولها نصف بوصة. كما سيضطر السجين الذي يسعى لإخفاء البند في مثل هذه اللحية القصيرة إلى أن تتوفر له وسيلة يمنع بها هذا البند من السقوط على الأرض».
لا تفرض سجون أركنسو «حلق الرؤوس أو قصة شعر البحارة» بحسب القاضي أليتو، ولذلك «من الصعب أن نبرر لماذا يسعى أحد السجناء لإخفاء ممنوعات في لحيته التي يبلغ طولها نصف بوصة وليس في شعر رأسه الأطول».
وأشار القاضي أليتو إلى أن قاضيا جزئيا تأمل في هولت وقال له: «من غير المعقول الاعتقاد أنه باستطاعتك إخفاء ممنوعات في لحيتك».
وذكر القاضي أليتو أنه إذا ظل المسؤولون مرتابين من الممنوعات يمكنهم تفتيش لحى السجناء. وقال: «تقوم الإصلاحية بالفعل بتفتيش شعر وملابس السجناء، ومن المفترض أنها تفتش اللحى النصف بوصة للسجناء الذين يعانون من أمراض جلدية»، ورفض المخاوف التي تشير إلى أن «قيام الحرس بتفتيش لحية السجين قد يشكل خطرا على السلامة الجسدية للحارس إذا كان السجين يخفى شفرة حلاقة أو إبرة في لحيته».
وقال أليتو إن هذا قد يكون صحيحا في أنواع أخرى من عمليات التفتيش، مضيفا أن الحراس يمكنهم كذلك أن يطلبوا من «السجين أن يقوم بتمشيط لحيته بمشط».
قدم مسؤولو السجن مبررا آخر لحظر اللحى، قائلين إن إعفاء اللحى قد يسهل على السجناء عملية تغيير مظهرهم. وقالوا إنهم يشعرون بالقلق بشكل خاص إزاء مشكلات تحديد الهوية في السجون، حيث يعيش السجناء في ثكنات ويعملون في الحقول. رد القاضي أليتو بأن سلطات السجن يمكنها التقاط صور للسجناء بلحى ومن دون لحى. وأضاف أن الحظر المفروض على اللحى غريب نظرا لأنه يسمح «للسجناء بإطلاق شواربهم وشعر رؤوسهم أو إعفاء لحاهم بمقدار ربع بوصة لأسباب طبية»، وقال: «كما يمكن كذلك حلق كل هذا الشعر في أي لحظة».
اقترن قرار القاضي أليتو باستشهادات من قضية هوبي لوبي. وأضافت القاضية روث بادر غينسبرغ، التي عارضت هذا الحكم فقرة واحدة في القرار يوم الثلاثاء للتمييز بين الحكمين، فكتبت: «خلافا للإعفاء الذي وافقت عليه هذه المحكمة في قرار هوبي لوبي، لا يجوز أن يؤدي استيعاب المعتقد الديني لمقدم الالتماس في هذه الحالة إلى التأثير على نحو ضار على الأشخاص الآخرين الذين لا يؤمنون بمعتقدات مقدم الالتماس».

* خدمة «نيويورك تايمز»



ما دلالة تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً»؟

محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
TT

ما دلالة تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً»؟

محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)

دفع تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً» إلى تساؤلات حول تأثير القرار على مستقبل التنظيم وعناصره. يأتي هذا في ظل تصاعد الصراع بين «قيادات (الإخوان) في الخارج» حول قيادة التنظيم. وقال باحثون في الحركات المتطرفة والإرهاب إن «قرار باراغواي أشار إلى ارتباط (الإخوان) بـ(تنظيمات الإرهاب)، وقد يدفع القرار دولاً أخرى إلى أن تتخذ قرارات مماثلة ضد التنظيم».
ووافقت اللجنة الدائمة بكونغرس باراغواي على «اعتبار (الإخوان) (تنظيماً إرهابياً) يهدد الأمن والاستقرار الدوليين، ويشكل انتهاكاً خطيراً لمقاصد ومبادئ الأمم المتحدة». جاء ذلك في مشروع قرار تقدمت به ليليان سامانيغو، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس المكوّن من 45 عضواً. وقال البرلمان في بيان نشره عبر موقعه الإلكتروني (مساء الخميس) إن «تنظيم (الإخوان) الذي تأسس في مصر عام 1928، يقدم المساعدة الآيديولوجية لمن يستخدم (العنف) ويهدد الاستقرار والأمن في كل من الشرق والغرب». وأضاف البيان أن «باراغواي ترفض رفضاً قاطعاً جميع الأعمال والأساليب والممارسات (الإرهابية)».
ووفق تقارير محلية في باراغواي، فإن باراغواي رأت في وقت سابق أن «(حزب الله)، و(القاعدة)، و(داعش) وغيرها، منظمات (إرهابية)، في إطار مشاركتها في الحرب على (الإرهاب)». وقالت التقارير إن «تصنيف (الإخوان) من شأنه أن يحدّ من قدرة هذه الجماعات على التخطيط لهجمات (إرهابية) وزعزعة استقرار الدول». كما تحدثت التقارير عن دول أخرى أقرت خطوات مماثلة ضد «الإخوان» من بينها، روسيا، والمملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات، والبحرين.
وتصنف دول عربية عدة «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً». وعدّت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية التنظيم «جماعة إرهابية منحرفة» لا تمثل منهج الإسلام. وذكرت الهيئة في بيان لها، نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2020، أن «(الإخوان) جماعة إرهابية لا تمثل منهج الإسلام وإنما تتبع أهدافها الحزبية المخالفة لهدي ديننا الحنيف، وتتستر بالدين وتمارس ما يخالفه من الفُرقة، وإثارة الفتنة، والعنف، والإرهاب». وحذّرت حينها من «الانتماء إلى (الإخوان) أو التعاطف مع التنظيم».
كذلك أكد مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي أن كل مجموعة أو تنظيم يسعى للفتنة أو يمارس العنف أو يحرّض عليه، هو تنظيم إرهابي مهما كان اسمه أو دعوته، معتبراً «(الإخوان) تنظيماً (إرهابياً)».
وتحظر الحكومة المصرية «الإخوان» منذ عام 2014، وقد عدّته «تنظيماً إرهابياً». ويخضع مئات من قادة وأنصار التنظيم حالياً، وعلى رأسهم المرشد العام محمد بديع، لمحاكمات في قضايا يتعلق معظمها بـ«التحريض على العنف»، صدرت في بعضها أحكام بالإعدام، والسجن «المشدد والمؤبد».
وحسب الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، منير أديب، فإن «تصنيف باراغواي (الإخوان) يؤكد الاتهامات التي توجَّه إلى التنظيم، بأن تنظيمات العنف خرجت من رحم (الإخوان)، أو أنها نهلت من أفكار التنظيم»، لافتاً إلى أن «قرار باراغواي أشار إلى أن (الإخوان) وفّر الحماية لتنظيمات التطرف التي نشأت في الشرق والغرب». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «قرار بعض الدول العربية في وقت سابق حظر (الإخوان) يعود إلى أمرين؛ الأول أن التنظيم مارس العنف، والآخر أن التنظيم وفّر الحماية لجماعات الإرهاب».
وفي وقت سابق أكدت وزارة الأوقاف المصرية «حُرمة الانضمام لـ(الإخوان)»، مشيرةً إلى أن التنظيم يمثل «الخطر الأكبر على الأمن القومي العربي». وفي فبراير (شباط) 2022 قالت دار الإفتاء المصرية إن «جميع الجماعات الإرهابية خرجت من عباءة (الإخوان)». وفي مايو (أيار) الماضي، قام مفتي مصر شوقي علام، بتوزيع تقرير «موثق» باللغة الإنجليزية على أعضاء البرلمان البريطاني يكشف منهج «الإخوان» منذ نشأة التنظيم وارتباطه بـ«التنظيمات الإرهابية». وقدم التقرير كثيراً من الأدلة على علاقة «الإخوان» بـ«داعش» و«القاعدة»، وانضمام عدد كبير من أعضاء «الإخوان» لصفوف «داعش» عقب عزل محمد مرسي عن السلطة في مصر عام 2013، كما لفت إلى أذرع «الإخوان» من الحركات المسلحة مثل «لواء الثورة» و«حسم».
وحول تأثير قرار تصنيف باراغواي «الإخوان» على «قيادات التنظيم في الخارج»، أكد الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، أن «قرار باراغواي سوف يؤثر بالقطع على عناصر التنظيم في الخارج، لأن التنظيم يزعم أنه ينتشر في دول كثيرة حول العالم، ومثل هذا القرار يؤثر على عناصر (الإخوان) الموجودة في باراغواي وفي الدول المجاورة لها، كما أن القرار قد يدفع دولاً أخرى إلى اتخاذ قرار مماثل ضد (الإخوان)».
يأتي قرار باراغواي في وقت يتواصل الصراع بين «قيادات الإخوان في الخارج» حول منصب القائم بأعمال مرشد التنظيم. ويرى مراقبون أن «محاولات الصلح بين جبهتي (لندن) و(إسطنبول) لحسم الخلافات لم تنجح لعدم وجود توافق حول ملامح مستقبل التنظيم». والصراع بين جبهتي «لندن» و«إسطنبول» على منصب القائم بأعمال المرشد، سبقته خلافات كثيرة خلال الأشهر الماضية، عقب قيام إبراهيم منير، القائم بأعمال مرشد «الإخوان» السابق، بحلّ المكتب الإداري لشؤون التنظيم في تركيا، وقيامه بتشكيل «هيئة عليا» بديلة عن «مكتب إرشاد الإخوان». وتبع ذلك تشكيل «جبهة لندن»، «مجلس شورى» جديداً، وإعفاء أعضاء «مجلس شورى إسطنبول» الستة، ومحمود حسين (الذي يقود «جبهة إسطنبول»)، من مناصبهم.