مهمة صعبة، بل مغامرة كبرى، أن تحاول إضحاك «الشعب المصري»؛ فهو شعب خفيف الظل بطبعه، ومحب للكوميديا، بل وصانع لها حتى في أحلك الظروف. هاشم الجارحي (26 سنة) خاض تلك المغامرة، تحت شعار «فك نفسك» (وهو تعبير بالعامية المصرية الدارجة معناه: اترك نفسك وكن مرحا). حاول الجارحي خلق حالة فكاهية فريدة، وأسس فريقا متخصصا في الـ«ستاند أب كوميدي»Stand Up Comedy قوامه 40 شابا وشابة يقدمون عروضا باللغتين الإنجليزية والعربية، وأصبح أعضاء الحزب يجوبون العالم لتقديم عروضهم الفكاهية التي تضحك المصريين والأجانب على حد سواء.
«حنخرجك من المود لمدة نص ساعة أو ساعة وتخرج إنسان تاني» هو الضمان الذي يقدمه لك أعضاء الحزب، الذي بدأ نشاطه وممارسة فن الكوميديا عام 2009، بأول حفل «ستاند أب كوميدي» بالإنجليزية في مصر في مركب ثابت «النايل لي لي» بمشاركة 5 أشخاص لديهم القدرة على ارتجال المواقف الكوميدية باللغة الإنجليزية، لكي يدخلوا البهجة في أوساط الأصدقاء والمعارف. بعدها، بدأ أصحاب بعض الأماكن السياحية والجامعات الخاصة في طلب الفريق لعمل عروض.
مر هاشم بفترات إحباط لأن الفريق لم يكن مطلوبا، فظن لوهلة أنه غير قادر على إضحاك الجمهور، وأن «دمه تقيل» على حد قوله، لكنه تحدى نفسه وقرر أنه سيقدم عروضا على مسارح القاهرة، ويروي: «وقتها لم تكن هناك أماكن مخصصة لعروض (ستاند أب كوميدي)، وطلبت من صديقة اسمها مريم أن ترتب لنا إقامة حفل في (مكان)، وهو مركز ثقافي في وسط القاهرة، وبالقرب من ميدان التحرير، ولم أكن أعرف أماكن أخرى لكي أقدم فيها عروضي. مع الوقت انضم إليّ شباب وفتيات لحبهم خوض التجربة يعملون في مختلف المهن، لنكون (الحزب الكوميدي)».
وبسؤال هاشم عن السبب في اختيار اسم فريقه، قال: «استلهمت اسم الفريق من الأجواء الثورية التي شهدتها مصر إبان ثورة 25 يناير، وأعتبره العام الذي شهد بدايتنا الحقيقية، حيث وجدنا أن الأجواء العامة خيم عليها الحزن والكآبة، لذا قررنا أن نعيد الضحكة لوجوده المصريين»، وبنبرة ساخرة أضاف: «كل الناس كانت تؤسس أحزابا، وقلت: (مين حيعمل حزب يتريق على بقية الأحزاب؟). ومن هنا جاء الاسم».
وحول سبب اختيار شعار الفريق، وهو الطربوش الأحمر، يخرج منه ميكروفون يقول الجارحي: «أولا أردت لفت انتباه الناس، وأردت أن يكون أول ما يجذبهم هو عصر الباشوات والأرستقراطية والعصر الذهبي لمصر بشكل عام، كما أنه رمز لأصالة المصريين، ووضعنا بدل الزر (الجزء الأسود الذي يتدلى من أعلى الطربوش) الميكروفون، لكي نقول إن هذا صوت الشباب كمزيج بين المعاصرة والأصالة، هذا هو الوقت الذهبي لنا لأن نمثل أنفسنا ونتحدث ونعبر».
ويعتبر فن «ستاند أب كوميدي» من أصعب الفنون الأدائية على المسرح، لأن الفنان يقف مباشرة في مواجهة الجمهور، يقوم بالفعل ويتلقى رد الفعل في اللحظة ذاتها، وعليه طوال فترة وقوفه على المسرح أن يجعل أصوات الضحكات تتعالى ودون توقف، ويحاول الكوميديان لأجل هذا الهدف الاستعانة بأصوات أو أغانٍ أو موسيقى أو حتى مؤثرات ضوئية وأدوات أو حتى القيام ببعض الخدع السحرية، لكي يستطيع أن ينقل رؤيته الساخرة للواقع من حوله».
وبدأ هذا الفن في بريطانيا في القرن الـ18، وانتقل إلى أميركا وازدهر بها في السبعينات، وانتشر في باقي أنحاء العالم من بعدها، ويُعتبر من الفنون التي انتشرت أخيرا في عالمنا العربي، رغم أن فن المونولوج (الأب الروحي لها) وُجد في مصر منذ بدايات القرن العشرين، وأبرز وجوهه الفنان الراحل إسماعيل يس.
لكن يرى الجارحي أن هناك فارقا كبيرا جدا بين فن المونولوغMonologue ، ومن يقوم به «المونولوغست»، و«ستاند أب كوميديان»، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «بخلاف المونولوج، يقوم الكوميديان بسرد أحداث ومواقف حدثت له بطريقة كوميدية، ويضفي عليها من روحه وخفه ظله، حيث يرى الفنان الكوميدي دائما كل ما يحدث له من زاوية مختلفة، لذا يرويها بطريقته الخاصة في الإلقاء مع مزجها بخياله».
ويضيف: «إضحاك الناس موهبة من الله، وقد تركت وظيفتي في التسويق التي كنت أمقتها، لكي أصبح (كوميديان)، ووضعت هدفي منذ أن بدأت أن أجعل ذلك مهنة في مصر، مثل أميركا وأوروبا، حيث أصبحت أسس مهنة (ستاند أب كوميديان) موجودة، وأصبح لها صناعة خاصة بها، وأود أن أوضح أنه ليس من الضروري أن يكون الكوميديان خريج جامعة خاصة، أو ينتمي لطبقة عليا في المجتمع، فهي مهنة لا علاقة لها بالتعليم أو الشهادة العلمية أو الطبقة الاجتماعية».
بروح متفائلة يقول: «أصبح هناك أماكن للعرض، وهو أحد أحلامنا التي تحققت، فلم تكن لدينا حفلة كل شهر، للظروف والأحداث التي مرت بها مصر، لكن حاليا أصبحت الأماكن والمراكز الثقافية الجديدة تبحث عنا وتتصل بنا لإقامة عروض (ستاند أب كوميدي)».
«الحزب الكوميدي» يحاول إعطاء فرص للشباب لكي يمتهنوا الكوميديا، من خلال حفلات «المايك المفتوح»Open Mic في محاولة منه لخلق صناعة ومهنة للشباب، يقول هاشم ضاحكا: «ليس من الضروري أن تكون مهندسا أو طبيبا، بالعكس، من الممكن أن تكون (ستاند أب كوميديان).. فإذا وجد الشاب أن دمه خفيف ويستطيع إضحاك الناس، فمن الممكن أن يعمل (كوميديان). والحزب يرحب به».
ثم يستطرد بجدية: «لا نريد أن يكون (ستاند أب كوميدي) حفلة أو مناسبة كل فترة، بل أريد أن تكون هناك عروض مستمرة وفي عدة أماكن، لذا نقيم كل شهر حفلة (أوبن مايك)، نتيح فيها الفرصة لكل من يرى أن لديه موهبة حقيقية. وعادة ما يبدأ المشارك بتقديم عرض لمدة 5 دقائق، وإذا وفق واستطاع إضحاك الجمهور طوال الـ5 دقائق، نترك له الفرصة لتقديم عروض مطولة، وإذا قدم عدة عروض ناجحة، يمكنه أن يكون عضوا بالحزب الكوميدي».
ولا يزال الحزب الكوميدي يقدم عروضه باللغة الإنجليزية والعربية، لمزيد من الانتشار وجذب أكبر عدد من الجمهور، والمشاركون في عروض الحزب من عمر 17 سنة وحتى 38 سنة، ولكن يتوجه الحزب لكل الأعمار، كما يرحب بمشاركة الجميع من كل الفئات العمرية، لأن الفكاهة لا تعرف سنا أو عمرا محددا.
وعن الفارق بين استجابة الجمهور للعروض الكوميدية وقت الثورة منذ 4 سنوات والوقت الحالي، قال: «أصبحت الناس أكثر تقبلا لفن (ستاند أب كوميدي)، وأصبحت جامعات مصر القاهرة وعين شمس وحتى جامعة الأزهر تحتضن عروضا كوميدية فضلا عن الجامعات الخاصة».
وبكل عزم يقول الجارحي: «التحدي ليس الجمهور، لكن التحدي أن نرسخ فن (ستاند أب كوميدي) في مصر. ويستكمل: «هدف الحزب حاليا اختلف عنه في بداية تأسيسه، والحمد لله حققنا جزءا مما كنا نرغب فيه، ولكن طموحنا أصبح يزداد يوما بعد يوم، رغم أننا عرضنا في القاهرة والمحافظات المنصورة والغردقة والأقصر، وحتى خارج مصر». وشارك أعضاء الحزب في مهرجان أدنبره في اسكوتلندا في أكبر مهرجان في العالم لـ«ستاند أب» كوميدي، وأدى الجارحي عروضا في سويسرا بعد أن شاهده عدد من الفنانين في اسكوتلندا، وأصبح يتلقى طلبات من فنانين أجانب من مختلف أنحاء العالم لتقديم عروضهم معه في مصر في حفلات «أوبن مايك»، وفي حفلهم الأخير شارك معهم فنانون من أستراليا وبريطانيا.. فالضحكة لا تعرف هوية أو جنسية.
«الحزب الكوميدي».. 40 مصريا ومصرية يصنعون الضحكة حول العالم
يسعون لنشر فن الـ«ستاند أب كوميدي» وجعله مهنة
«الحزب الكوميدي».. 40 مصريا ومصرية يصنعون الضحكة حول العالم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة