المشهد: الممثل حاز سليمان في مسلسل {قتل المسيح}

المشهد: الممثل حاز سليمان في مسلسل {قتل المسيح}
TT

المشهد: الممثل حاز سليمان في مسلسل {قتل المسيح}

المشهد: الممثل حاز سليمان في مسلسل {قتل المسيح}

* في اليوم ذاته الذي وقع فيه ذلك الهجوم الشنيع على المجلة الكاريكاتيرية الفرنسية «شارلي إيبدو» كان الممثل الأميركي المسلم حاز سليمان، المولود في لبنان، يدافع عن قيامه بلعب دور السيد المسيح في مسلسل تعرضه قناة «ناشنال جيوغرافيك» الأميركية بعنوان «قتل المسيح» Killing Jesus.
* سبب الدفاع هو آراء صدرت عن مؤسسات يمينية متطرّفة تنتقد فيها المحطة الأميركية التي أنتجت المسلسل «اختيار ممثل مسلم لكي يلعب دور المسيح». وحين سأله صحافي عن رأيه في ذلك أجابه سليمان: «في الإسلام نؤمن بالمسيح كنبي ونحترمه» وأضاف: «وكشخص نشأ مسلما هذا فخر لي أن أقوم بتمثيل هذا الدور. أنا من الذين تمثّلوا على تعاليمه»
* في المؤتمرات الصحافية التي يجلس فيها الممثل أو المحتفى به في أي حقل أمام الصحافيين هناك طاولة بينغ بونغ غير مرئية تفصل بين الاثنين. من جانب، على الممثل أن يتولّى، حسب العقد الذي وقّعه، الترويج للفيلم الذي قام ببطولته بما في ذلك إجراء المقابلات الصحافية وهو يفعل ذلك بحوافز مختلفة. فهو لا يريد معارك جانبية حتى ولو تضمّن السؤال نقدا مبطّنا ولا يريد أن يبدو كما لو أنه مغال في البراءة والحلاوة لدرجة لا تطاق.
* من جانب آخر، يرمي الصحافيون إلى الخروج بعناوين كبيرة. وإذا كانت تلك الغاية لا تتم إلا بحشر الممثل، أو محاولة حشره، بالزاوية فليكن. وهذا ما يبدو أن البعض حاول فعله هنا وأحسن الممثل الذي سبق وأن شارك في بضعة مسلسلات درامية على شاشات التلفزيون الأميركية وقام بدور مساند في فيلم «الزائر» (أمام هيام عبّاس) معالجة الموضوع.
* طبعا ذلك الهجوم على المجلة الباريسية التي سمحت لنفسها بنشر ما يسيء إلى رسولنا محمد صلى الله عليه وسلّم ولمشاعر المسلمين لا ينفع في إثارة التعاطف مع أي مسلم حتى وإن كان عاملا في محطة بنزين، فما البال بممثل وما البال، بعد ذلك، بممثل يلعب دور السيد المسيح؟ كم من مسلم وعربي حاليا بات عليه، من بعد هذه العملية الإرهابية، أن يحسب مائة حساب حين يدخل المحل الذي يدخله كل يوم لشراء حاجياته أو عندما يقف في الصف منتظرا وصول دوره عند الصرّاف؟
* من ناحية أخرى، هذه جرأة محسوبة من محطة «ناشنال جيوغرافيك» الأميركية إسناد دور المسيح إلى مسلم موزّعة الأدوار الأخرى على ممثلين آخرين معروفين مثل (اليميني) كلسي غرامر في دور الملك حيرود وروفوس سيووَل (الذي قاد بطولة «هركوليس») وجون رايز ديفيز (من «سيد الخواتم»).
* مع اقتراب موعد عرض الحلقة الأولى في 171 دولة تبث بـ45 لغة، فإن المشروع يعكس قدرة الصورة اليوم في التعبير عن التلاحم الحضاري العالمي الذي لا يمكن له أن يتحقق بنجاح إلا عبر تعاضد المثقفين والفنانين وأصحاب المشاريع بصرف النظر عن أديانهم ومشاربهم العنصرية.
* والمنفتحون منّا يعرفون قيمة أن يلعب الممثل عمرو واكد البطولة الثانية في فيلم «لوسي» بصرف النظر عن قيمة الفيلم الفنيّة. ليس لأنه فاز بقبلة من سكارلت جوهانسن، بل لأن هذا الظهور هو أيضا سلاح فاعل ضد التطرّف.



بشير الديك كتب للسينما البديلة والسائدة معاً

أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»
أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»
TT

بشير الديك كتب للسينما البديلة والسائدة معاً

أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»
أحمد زكي وآثار الحكيم في «طائر على الطريق»

بشير الديك، كاتب القصّة والسيناريو لعدد كبير من الأفلام المصرية طوال العقود الأربعين الماضية، الذي توفي في اليوم الأخير من العام الراحل، 2024، كان أحد السينمائيين الخارجين عن قوانين السينما التقليدية في النصف الأول من سنوات مهنته. لكن على الرغم من أنه في النصف الثاني وقّع على أعمال كثيرة من التي يمكن وصفها بالتقليدية، ومن بينها 6 أفلام من بطولة نادية الجندي، فإنه واظب على معالجة نصوصه باحتراف يجمع بين حكايات تحمل مضامين تنتمي إلى نزعة جادة وتنشد ميزانيات كبيرة.

لعل حقيقة أن نادية الجندي كانت تصبو دوماً إلى أدوار تخلّدها وأفلام تحافظ عبرها على مكانتها لعب بشير الديك دوراً في تلبية هذه الرغبات عبر حكايات تشويقية في المقام الأول، وشخصية رئيسية مضخّمة وذلك في أفضل نصوص ممكنة ضمن التوليفة التجارية.

بدأ هذا التعاون على نحوٍ ثلاثي: بشير الديك يكتب، ونادر جلال يُخرِج ونادية الجندي تلعب دور البطولة. هذه الأفلام هي «الإرهاب» (1989)، و«شبكة الموت» (1990)، و«عصر القوّة» (1991)، ومن ثَمّ «مهمّة في تل أبيب» (1992)، و«الشطّار» (1993)، ولاحقاً «امرأة هزّت عرش مصر» (1995).

كمال الشناوي ونادية الجندي في «مهمّة في تل أبيب»

‫اتجاهان‬

بعد بدايات متفاوتة الأهمية من بينها «مع سبق الإصرار» لأشرف فهمي (1979)، و«دعوني أنتقم» لتيسير عبّود (1979)، و«الأبالسة» لعلي عبد الخالق (1980) التحق الديك ببدايات المخرج الراحل محمد خان عبر 6 أفلام هي «الرغبة» (1980)، و«موعد على العشاء» (1981)، و«طائر على الطريق» (1981)، و«نص أرنب» (1983)، و«يوسف وزينب» (1984) و«الحرّيف» (1984) وكلها من أفضل ما حققه خان.

تعامُل الديك مع الموضوعات الجادة التي عرفتها تلك الأفلام سمح له بكتابة واحد من أفضل أعماله وهو «سواق الأتوبيس»، الذي حققه الراحل عاطف الطيب سنة 1982، وكلاهما لاحقاً تعاونا على تحقيق فيلم مهم (أكثر مما كان جيداً) آخر هو «ناجي العلي» (1992). لجانبهما فيلم ثالث هو «ضد الحكومة» (1992) من بطولة أحمد زكي ولبلبة.

في تقييم كتابات بشير الديك تتداخل بعض العناصر التي يمكن إيجاز هذا التقييم عبرها.

من ناحية، حاول دوماً التطرّق صوب قضايا مهمّة تطرح قصصاً ذات جانبٍ وطني مثل «مهمّة في تل أبيب»، الذي دار حول جاسوسة مصرية تعمل لصالح إسرائيل، ومن ثَمّ تندم فتطلب منها الاستخبارات المصرية (ممثلة بكمال الشناوي)، العمل لحساب مصر وتنجح. «ناجي العلي» ينضم إلى هذا النحو من الأعمال.

السيناريست المصري بشير الديك (وزارة الثقافة)

في ناحية أخرى، لم يتأخر عن كتابة ما كان سائداً في الثمانينات والتسعينات من اتجاه صوب الحديث عن مراكز قوى في الشارع المصري والصراع بين الأخيار والأشرار. هذه الموجة لم تعرف بداية ونهاية محدودتين فتاريخها عريق يعود لعقود سابقة، لكنها عرفت في تلك الفترة تدافعاً بين المخرجين للحديث عن تلك المراكز في حارات القاهرة (في مقابل الكثير من صراع الخير والشر على ساحلَي بور سعيد والإسكندرية في أفلام الخمسينات والستينات) في أجواء ليست بعيدة عن الخط الذي وضعه نجيب محفوظ وشخصياته.

مخرجون عديدون حقّقوا هذه الأفلام التي شُكّلت حكاياتها من صراع القوى في الشارع المصري مثل أشرف فهمي («الأقوياء»، 1982)، وأحمد السبعاوي («السلخانة» 1982 و«برج المدابغ» 1983) وكمال صلاح الدين («جدعان باب الشعرية» 1983). لكن من مزايا ما كتبه بشير الديك في هذه الأعمال التي لاقت رواجاً جماهيرياً إنه كتب ما هو أعمق في دلالاته من قصص المعلّم الشرير ضد سكان منطقته وأزلامه الذين يتصدّون للأبرياء إلى أن يخرج من رحم تلك الحارة من يواجههم جميعاً.

بداية من «نصف أرنب» توّجه الديك إلى حكاية تشويقية ذات طابع بوليسي، وفي «سوّاق الأتوبيس» وقف مع ابن المدينة في موضوع حول تفتت المجتمع مادياً. أما في «الحرّيف» فنقل اهتمامه إلى الوسط المهمّش من سكان القاهرة وأحلامهم ومتاعبهم الشخصية.

‫هموم المجتمع‬

ما يجمع بين هذه الأعمال هموم تسلّلت إلى عدد كبير من كتابات بشير الديك السينمائية.

في مقابلة تمّت بين المخرج عاطف الطيب وبيني بعد مشاهدة فيلمه النيّر «سواق الأوتوبيس»، سألت المخرج عن كيف بدأ التفكير في تحقيق «سوّاق الأتوبيس». أجاب: «بدأت الفكرة في جلسة صداقة مع بشير الديك ومحمد خان. وكنا نتحدث بشأن همومنا وطموحنا الخاص لصنع سينما أخرى مختلفة، وكانت الظروف الحياتية نفسها تجمعنا كلنا تقريباً. فقد كنت أشعر في ذلك الوقت بالذنب إزاء فيلمي الأول (يقصد «الغيرة القاتلة»، 1982)، الذي اضطُرِرت فيه إلى الاعتماد على سيناريو مأخوذ عن أصل أدبي (أجنبي) رغم إيماني الدائم بضرورة الكتابة المباشرة للسينما. اقترح محمد خان وبشير الديك فكرة وُضع لها عنوان: (حطمت قيودي)، تدور حول عائلة مهدّدة بالضياع نتيجة فقدان الأب للورشة التي أسسها وبحْثُ الابن، سائق الأتوبيس، عن مخرج من الأزمة بلا جدوى وأعجبتني الفكرة، خصوصاً أنني أميل كثيراً إلى الدراما التي تدور في نطاق عائلة. وبدأنا بالفعل في تطوير الفكرة خلال الكتابة وتبادل الآراء. وكنا كلما نتعمق في الموضوع تتضح لنا أهمية الفكرة التي نريد التعبير عنها. في الكتابة الثانية للسيناريو، وصل الفيلم إلى ما أصبح عليه».

كتب بشير الديك نحو 60 فيلماً ومسلسلاً تلفزيونياً، معظمها جمع هذه الصفات المجتمعية على نحو سائد أو مخفف. هذا ما جعله أحد أبرز كتاب السيناريو في مصر في حقبة كان للسينما البديلة والمستقلة عن السائد دور فاعل في نهضة الفيلم المصري عموماً.

مع الطيّب وخان ورضوان الكاشف ورؤوف توفيق وخيري بشارة ورأفت الميهي وسواهم، ساهم بشير الديك في منح تلك الفترة مكانتها الساطعة التي لا تغيب.