أعلن الاقتصادي الفرنسي توما بيكيتي رفضه وسام الشرف الذي قررت الدولة منحه إياه، حسب العادة الجارية بتكريم عشرات المتفوقين، في مختلف المجالات، مع حلول كل سنة جديدة. وقال مؤلف كتاب «رأس المال في القرن 21» إنه لا يرى أن من اختصاص الحكومة أن تقرر من هو المُشرف وإن من الأفضل لها أن تتفرغ لإعادة النمو في فرنسا وأوروبا بدل توزيع الأوسمة.
بهذا الرفض، ينضم بيكيتي إلى باقة من الأدباء والفنانين والفلاسفة الذين سبق لهم أن أعلنوا الموقف نفسه، أمثال الرسام كلود مونيه والفيلسوف جان بول سارتر والروائي ألبير كامو والرائدة النسوية سيمون دو بوفوار. وكان آخر من امتنع عن قبول وسام الشرف في فرنسا مؤلف ورسام القصص المصورة جاك تاردي، عام 2013.
وكانت وزيرة الدولة لشؤون التعليم العالي، جنفياف فيوراسو، قد اقترحت اسم توما بيكيتي للحصول على الوسام. لكن المعني بالتكريم لم يعرف بالأمر إلا بعد نشر المرسوم الخاص بمنح أوسمة الشرف في الجريدة الرسمية. وعلقت فيوراسو على الرفض بالقول إن الهدف كان الاعتراف بالجهود التي يبذلها بيكيتي في معهد باريس للاقتصاد، وهي جهود حازت شهرة عالمية. أما الوسام فهو حر في قبوله أو رفضه، وهو موقف لا ينتقص من قيمة أعماله.
حقق كتاب بيكيتي «رأس المال في القرن 21» رواجا كبيرا منذ صدوره وبيعت منه أكثر مليون نسخة بعدة لغات. وفيه يراجع أفكار كارل ماركس من منظور عصري مدعم بالأرقام والتحليلات وينتهي إلى إدانة التوزيع غير العادل للثروة، الأمر الذي يرى أنه يقود النظام الرأسمالي إلى نهايته. ورغم الاستقبال الممتاز للكتاب في الولايات المتحدة الأميركية فإنه لم يلق الحفاوة نفسها من القراء الفرنسيين.
ويعود توزيع أوسمة الشرف إلى عصر الإمبراطور نابليون، أوائل القرن التاسع عشر. وتضم لائحة الحائزين على أوسمة الشرف للموسم الحالي أسماء مرموقة منها الكاتب باتريك موديانو الحاصل على جائزة «نوبل» في الأدب للعام الماضي، وجاك لانغ الوزير السابق والرئيس الحالي لمعهد العالم العربي، والممثلة الشعبية ميمي ماتي.
ومنذ بدء التقليد، تعددت حالات رفض وسام الشرف. فقد امتنع المؤلف الموسيقي هكتور برليوز عن قبوله، عام 1864. قائلا إنه يرفض الشريط الأحمر والميدالية ويفضل أن تسدد له الدولة مبلغ 3 آلاف فرنك كانت قد وعدته بها. وبخلاف هذا الموقف ذي الأسباب المادية اتخذ رفض الزوجين العالمين بيير وماري كوري التكريم منحى آخر حيث أعلنا أنهما لا يجدان ضرورة للوسام ولا يريدان أن يكونا في بؤرة الاهتمام. وصرحت ماري كوري: «في العلوم، علينا الاهتمام بالعناصر لا بالأشخاص». أما الأديبة جورج ساند فقد اعتمدت أُسلوبا أنيقا لرفض الوسام حيث كتبت إلى الوزير الذي اقترح ترشيحها قائلة: «لا تفعلها يا صديقي العزيز لأنني لا أود أن أبدو في هيئة العجوز التي تدور على الموائد».
ومثلما رفض جائزة «نوبل» عام 1964، كان الفيلسوف جان بول سارتر قد رفض الوسام من مبدأ الحفاظ على الحرية. وكتب سارتر إلى رئيس الأكاديمية السويدية المانحة للجائزة يقول إنه تمنع، دائما، على التكريمات. ولما عرضوا عليه وسام الشرف، بعد الحرب، رفضه، مثلما لم يرغب في الدخول إلى «الكوليج دو فرانس». وأضاف أن على الكاتب أن يرفض الانجرار وراء تحوله إلى مؤسسة في حد ذاته، حتى ولو كان ذلك في إطار جهات مشرفة.
ومن الفنانين الذين رفضوا الوسام المخرج والكاتب المسرحي مارسيل إيميه. أما المؤلف والمغني جورج براسانز فقد أنشد أُغنية يسخر فيها من الوسام وما يتبعه من زر يعلق على الصدر ويجبر صاحبه على أن يكون محترما في تصرفاته.
الاقتصادي الفرنسي توما بيكيتي يرفض وسام الشرف
أسوة بمشاهير من أمثال جورج ساند وبيير وماري كوري وسارتر
الاقتصادي الفرنسي توما بيكيتي يرفض وسام الشرف
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة